عاجل
الإثنين 22 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي
هل أتاك حديث مصر وجيشها؟(1)

هل أتاك حديث مصر وجيشها؟(1)

لو أن للتاريخ عينين ولسانًا وشفتين؛ لتعجب كثيرًا من تكرار دفعنا أثمانًا باهظة من الدماء وإعاقة النماء، بقدر تقصيرنا في تعزيز دفاعات حصون الوعي.



 

لو يُنطق التاريخ؛ لصرخ فينا: ألا تنظرون ألا  تفكرون، ألا تذكرون، ألا تعقلون، ألا تفقهون، لست مجرد أحداث وذكريات، انتصارات وانكسارات؛ بل قلبٌ نابضٌ، يضخ الدروسَ والعظات، في شرايين العقول الواعية، علها تستقي من الماضي خبراته؛ لتواجه الحاضر بتحدياته، أمَلًا في بلوغ مُستقبل مُشرق بتوقعاته.

 

على أرضكم هذه نبتت الحضارة قبل سبعة آلاف عام، نمَت شجرتها الوارفة، أهدت ثمارَها إلى العالم، أسّسَت أول دولة في الكون بالمفهوم الحديث، أرض ذات حدود باقية، شعب متجانس يملك إرادة العيش المُشترك، تدير شؤونه حكومة مركزية.

 

يصطحبنا التاريخ، في سباحة إلى أعماقه وحِقَبه، ينطلق بنا من العام 3200 قبل الميلاد، هناك كان المَلك مينا في طيبة، يجتمع بقادة جيشه، يضع خطة التحرك لتوحيد قطرَي مصر الشمالي والجنوبي، ينجح في هدفه، يعظم قدرات جيشه؛ لحماية الدولة، فيكون أول ملوك مصر الموحدة، وتتوالى أسرات مصر القديمة، في البناء والتعمير، ومجابهة التحديات العدائيات.

 

في عهد الأسرات السّت الأولى، بزغت شمسُ الحضارة المصرية القديمة وعلومها، بُنيت الأهرامات، واستخرجت المَعادن، وعرفت الصناعات المَدنية والعسكرية، والحُلي والزينة، الزراعة والفنون، حتى صناعة الأثاث، ولوازم الحضارة.

 

وفي تلك الحقبة التاريخية، تنامَت قدرة الجيش طرديًا مع قدرة الدولة؛ لتحمي مُقدراتها من هجمات الأعداء، ولم يكن الجيش المصري النظامي هو الأول في التاريخ فقط؛ بل تعد منظومته الأخلاقية وعقيدته القتالية، الأرقى والأبقَى على مَرّ العصور.

 

عن هذه الأخلاق والانضباط، يروي لنا "ويني"، القائد المصري القديم، المُكلف من المَلك "بيبي الأول" مَلك مصر - الأسرة السادسة - لقيادة الجيش في حملة ضد: "الآسيويين سُكان الرمال":  "عندما قام جلالته بحملة ضد الآسيويين سُكان الرمال جعلني جلالته على رأس جيش من عشرات الآلاف من كل مصر… كان منصبي مُشرفًا على الأعمال المَلكية؛ بسبب صلاحي واستقامتي، لذلك لا أحد هاجم زميله، ولا أحد سرق رغيفًا أو نعلًا من مُسافر، ولا أحد أخذ رداءً من أي مدينة، أو ماعزًا من أي شخص".. 

 

تلك الرواية التي دَوَّنها "ويني" على جدران مقبرته في "أبيدوس"؛ لتصل  إلى الأجيال المُتعاقبة، تحمل رسائل عديدة، عن خصائص جيش مصر القديمة:

 

مكوناته: من كل مصر، فهو كما هو اليوم أفراده خيوط من نسيج الوطن، ففي تلك الوثيقة التاريخية يعدد "ويني" مدن مصر العُليا والسفلى التي شارك منها الجنود والقادة.

 

عقيدته: الدفاع عن حدود الوطن، وهنا كانت الحملة ضد "الآسيويين سُكان الرمال"، فدائمًا كانت سيناء بوابة مصر الشرقية مسرح مَلاحم البطولة والفداء.

 

وفي سيناء يسير الأحفاد على خُطى بطولات الأجداد، في الحقبة المُعاصرة مَلحمة التصدي لعدوان 1956م، وحرب الاستنزاف، والانتصار العظيم أكتوبر 1973م، وحتى بطولات العملية الشاملة للقضاء على الإرهاب، وتأمين الحدود الشرقية.

 

قوته: عشرات الآلاف، وهي قوة كبيرة قياسًا على الزمان وعَدد السكان حينها.

 

آليات اختيار القيادة: الكفاءة والصلاح والاستقامة.

ودرس التاريخ هنا، أن تنامي القوة، يتحقق وجودًا وعدمًا بمَدَى توافر معيار الكفاءة في إسناد مسؤوليات القيادة، والمُدقق في تحليلات هزيمة  يونيو 1967م, يخرج بيقين أن سببها الرئيسي؛ سوء تقدير القادة للموقف وفشلهم في اتخاذ التدابير العسكرية العلمية؛ لمجابهة العدوان المُحتمل.

 

والدرس ذاته؛ أن الانتصارَ تحقق بدرجة أبهرت العالم، في أكتوبر 1973م، عندما صُحِّحَت الأوضاع، وتم تدارك الأخطاء وإسناد القيادة بكل مستوياتها إلى الكفاءات الوطنية، فكان إعجاز التخطيط والتنفيذ، على كل المستويات الاستراتيچية، والتعبوية، التكتيكية، بعبقرية غيرت الكثيرَ من المفاهيم العسكرية عالميًا.

وللحديث غدًا إن شاء الله بقية

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز