عاجل
الأربعاء 17 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السلاح الأخطر

الشائعات أداة الحرب النفسية لتدمير المجتمعات ذاتيا وهدم جدار الثقة بين المواطنين والقيادات والحكومات

السلاح الأخطر

أتدرون ما هو أخطر أسلحة العصر الحديث؟ ليست القنابل النووية، ولا قاذفات الصواريخ العابرة للقارات، بل الشائعات.



 

بالتوازى مع معامل الكيمياء والفيزياء ومراكز أبحاث تطوير الأسلحة القتالية ومقذوفاتها، تقبع مراكز للأبحاث حول العالم داخل إدارات الحرب النفسية بوزارات الدفاع والأجهزة الاستخباراتية.

 

كما تتطلب الأسلحة القتالية الصلبة والقنابل النووية علماء فى الفيزياء والكيمياء والرياضيات مستفيدة من تطور تلك العلوم فيما نشهده من طفرة تسليحية، تستند الحروب النفسية بسلاحها الأقوى الشائعات فى تطورها إلى تطور علم النفس والسياسة والأنثروبولوجى وتكنولوجيا الاتصال والاقتصاد.

 

الحروب التقليدية تواجه فيها عدوا معلوما بقواته وقدراته، ونطاق تمركزه الجغرافى، تستمر فيها الحرب لفترة زمنية تنهى بهدنة أو اتفاقيات أو إعلان أحد أطرافها الاستسلام، بينما الحروب النفسية تمتد لسنوات لتحقيق أهداف قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.

 

تستهدف الحروب النفسية إذا ما وجّهت صوب الجيوش تفكيكها، وتحطيم الروح المعنوية للمقاتلين، وربما دفعهم للاستسلام كما حدث فى العدوان الأمريكى ضد العراق وسقوط بغداد.

 

أخطرها ما يستخدم لتزييف وعى  الشعوب وإشعال حروب أهلية لتدمير الدول من الداخل بأيدى أبنائها.

 

بين هذا وذاك مساحات من العمل الخفى لبلوغ الأهداف التدميرية بأسلوب البناء التراكمى التدريجى لخلق حالة من اللا يقين والشك الدائم والإحباط واليأس.

 

الأفاعى التي تنفث سمومها متنوعة الأحجام والأهداف والقدرات، ما بين دول وأجهزة معادية وتنظيمات إرهابية وأذرعها الإعلامية وميليشياتها الإلكترونية وخلاياها النائمة داخل المجتمعات المستهدفة.

 

أهداف صانعى الشائعات 

 

الهدف الرئيسى لصانعى الشائعات هو إشاعة روح اليأس والإحباط فى المجتمعات المستهدفة، لتحويل قدرتها البشرية من أداة للبناء والتقدم وتنامى القدرة إلى معاول للهدم.

 

والأهداف الوظيفية التي تسهم فى بلوغ الهدف الرئيسي تكمن فى:

 

1- هدم جدار الثقة بين النظام الحاكم وشعبه، وخلق شروخ مجتمعية، وخلافات تزعزع الاستقرار وتخلق مساحات لإدارة الخلافات وإذكاء نيرانها لبلوغ الهدف التدميرى الرئيسى للعدو.

 

٢- نثر بذور الكراهية وإدارة الخلافات والصراعات السياسية والقبلية والمجتمعية والطبقية والمذهبية وفق طبيعة كل مجتمع ونتائج دراستهم لمكوناته بواسطة علماء مختصين فى علم النفس والاجتماع والسياسة وتكنولوجيا الاتصال.

 

٣- تزييف الوعى العام من خلال ضخ متواصل للشائعات المدروسة ومحددة الرسالة، ليسهل تناقلها شفهيًا وسط الجماهير أو بواسطة وسائل التواصل الاجتماعى والتكنولوجيا الحديثة.

 

الهدف هنا إحداث حالة يمكن تسميتها باستراتيجية الإغراق، لتكون نسب الشائعات كبيرة فى مقابل الحقائق، ومن ثم إحداث حالة تشويش وعدم قدرة المتلقى على التمييز بين الصدق والأكاذيب لبلوغ اللا يقين وبناء حالة من الشك الدائم فيما يعلنه المسؤول وما تتخذه الحكومة من قرارات.

 

٤- هدف بعيد المدى هو تحطيم القدرة الإدراكية لدى الرأى العام من خلال استخدام نوعيات من الشائعات المسماة بالغاطسة، التي تختفى لفترة ثم يعاد استدعاؤها وتصديرها للجمهور خاصة فى أوقات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

 

٥- استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة والتواصل الاجتماعى والإعلام المعادي فى إحداث تآكل فى مصداقية الإعلام الوطني بهدف إضعاف قدرته الدفاعية والبنائية لحصون الوعى، التي تمثل خط الدفاع الأقوى فى تلك الحرب الشرسة.

 

آليات تسويق الشائعات على جبهات الحرب النفسية 

 

تاريخ نشأة الحروب النفسية يعود إلى عمق التاريخ، فقد ورد المصطلح فى مؤلفات لعلماء وخبراء كثر، وتكرر المعنى فى عهود قديمة استهدف فيها خصم فرض إرادته على العدو بغرض التحكم فيه بغير الطرق العسكرية.

 

وبالتالى هى حرب فكرية، لا تقل فتكًا وتأثيرًا عن الحروب التي تستهدف البنيان وجسد الإنسان، وخلال مراحل تطور تلك الحروب ظهرت آليات عدة لتحقيق أهدافها، من بينها ما سمى بـ«استراتيجية الطابور الخامس» التي استخدمت فى الحرب الأهلية الإسبانية التي اشتعلت عام 1936 واستمرت ست سنوات.

 

والطابور الخامس مصطلح أطلق على فصيل من العملاء التخريبيين السريين وهم خلايا نائمة وسط المجتمع المستهدف يعملون على بث الفتن وإثارة القلاقل وإشاعة روح اليأس والإحباط وخلق صراعات تدمر تماسك المجتمع.

 

وقد تطورت الأدوات رغم بقاء الطابور الخامس من خلال ما أتاحته وسائل الاتصال الحديث والتواصل الاجتماعى من أدوات تسهم فى سرعة انتشار الشائعات ورواجها.

 

ولقد استهدف ذلك السلاح التدميرى مصر بضراوة غير مسبوقة على مدار العقد الأخير، بهدف تشكيك الشعب فى إرادته وقدرته على عبور التحديات التي واجهها، فور إحباطه أخطر مخطط واجه الدولة المصرية والهوية الوطنية.

 

والمدقق وفق إحصائيات مجلس الوزراء المصري الصادرة عن مركز المعلومات، يجد رصد التنامى الكبير فى حجم الشائعات سنويًا، لتصل نسبتها إلى 18.8% عام 2023، وهى نسبة متصاعدة سنويًا منذ عام 2014، ويلاحظ تزايدها فى  2024.

 

ورغم تنامى جهود بناء الوعى واستخدام الدولة بكل مؤسساتها، وفى مقدمتها الرئيس عبدالفتاح السيسي لاستراتيجية المصارحة والمكاشفة، فإن المتربصين بالوطن ومؤسساته يكثفون من استخدامهم لسلاح الشائعات لتحقيق أهدافهم مستغلين التحديات الداخلية والخارجية ذريعة لتسويق أكاذيبهم.

 

لذلك أتناول هنا تلك القضية الأخطر على الدولة المصرية، والمجتمعات والمؤسسات، فتلك الأسلحة القذرة خطر على الدول، كونها تستهدف تقويض جهود من يعملون لإحداث تنمية وتطور، ومحاولة إحباط المشاريع التنموية.

 

نتذكر كيف أطلق المخربون وأذرعهم الإعلامية، وميليشياتهم الإلكترونية شائعات استهدفت أول مشروع قومى بدأه  الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس، حيث وصفوه بـ«الترعة»، وبذلوا قصارى أكاذيبهم لإثناء الشعب عن المشاركة فى الاكتتاب.

 

لكن الإرادة المصرية انتصرت وأنجز بسواعد وتمويل مصري، بما له من رسائل فى وقت حرج نجحت فيها الدولة في إثبات القدرة على الإنجاز وهى تكافح الإرهاب، لتعكس ثقة الشعب فى قيادته.

 

ومنذ ذلك المشروع لم تتوقف الأجهزة المعادية والتنظيم الإرهابى وخلاياه الإلكترونية والنائمة داخل المجتمعات داخليًا وخارجيًا عن بث سمومها للتشكيك فى كل مشروع تنموى قومى أملًا فى إحباطه.

 

بالأمس عاود الطابور الخامس الموجه من الخارج اختلاق واقعة مسيئة فى شارع فيصل، بهدف بناء شائعات عليها لخلق أزمات وإدارتها لإشعال حرائق وتزييف الوعى.

 

وهنا أحذر:

 

١- حرض المتآمرون بحسب بيان الداخلية فنى شاشات لبث إساءات فى شارع فيصل.

 

٢- خرج المتآمرون بشائعة ينسبون فيها للداخلية القبض على سودانيين، وهو ما نفته وزارة الداخلية.

 

٣- تزامنت الشائعة مع محاولات تحريض المواطنين ضد ضيوفهم.

 

تحليل ذلك أن من يضمرون لهذا الوطن شرًا، يدرسون المتغيرات الطارئة على المجتمع ومنها استضافة نحو ٩ ملايين ضيف، ويعلمون أن نسبة كبيرة منهم من السودان الشقيق، الذي تسعى مصر جاهدة لرأب صدعه من خلال حوار سودانى سودانى.

 

ذلك مع الأزمات الاقتصادية الناجمة عن أحداث عالمية، فيتم استثمار ذلك فى محاولة الوقيعة بين الشعب المصري وضيوفه، ومن ثم العمل على إدارة الخلاف، لإحداث توتر من جانب وإجهاض الأثر الإيجابى للاستضافة المصرية للأشقاء وانعكاساتها الإيجابية على العلاقات الرسمية والشعبية بعد استعادة السودان لاستقراره.

 

المواجهة:

 

١- مضاعفة حملات بناء الوعى من خلال استراتيجيات سياسية وإعلامية ودعوية عبر المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية.

 

٢- مواصلة الحكومة جهودها فى سياسات المصارحة والمكاشفة وتوفير المعلومات والرد السريع على التساؤلات.

 

 ٣- استخدام استراتيجية المصارحة الاستباقية ففى حال رصد أزمات محتملة تخرج الحكومة لتعرضها وتشرح أسبابها وإجراءاتها والمدى الزمني المحتمل لتحمل المواطن أعباء الحلول.

 

٤- تعظيم قدرات أجهزة ومراكز رصد الشائعات وتحليل مضمونها، ومصادرها ومستهدفاتها وآليات انتقالها، ودرجات التفاعل معها والرد القاطع السريع عليها لإحباط مفعولها.

 

٥- استحداث استراتيجة التطعيم لتعظيم دفاعات الوعى من خلال التوعية الدائمة والقضاء على الشائعات الموسمية الغاطسة.

 

٦- مراجعة البنية التشريعية الرادعة لمروجى الشائعات وأدواتهم من خلايا نائمة وطابور خامس، سواء كانت مستهدفة للدولة أو قطاع منها أو إحدى المؤسسات، فالتفكيك يستهدف الداخل، والهدم التراكمى التدريجى.

 

اقتلعنا الإرهاب من جذوره، بينما شائعات الإرهابيين ومن يحركهم التي لا تقل خطورة تتطلب يقظة لدوام المواجهة.

 

حفظ الله مصر بفضله ورعايته ويقظة أبنائها المخلصين ووعى شعبها العظيم الذي تنامى وعيه بقدر ما واجه من مؤامرات وتحديات خلال السنوات الماضية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز