عاجل
الجمعة 21 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أوباما ومستنقع التنظيم الدولي

أوباما ومستنقع التنظيم الدولي

بقلم : عاطف حلمي
 
 
 
 
 
عاطف حلمي
 
 
 
 
 
تلقت الولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين درساً قاسياً قلب الكثير من موازين وثوابت سياساستها الخارجية، بعدما أصرت حتى اللحظة اﻷخيرة على الوقوف خلف حليفها المدلل شاه إيران أحد أضلاع مثلث النفوذ اﻻمريكى في ذاك الوقت والذي كان يضم أيضاً كلا من إسرائيل والسعودية، لتضييع منها طهران إلى اﻷبد بعد قيام الثورة الخومينية.
 
منذ ذاك الوقت انتهجت الوﻻيات المتحدة سياسة خارجية جديدة، فبقدر عمالة وتبعية أي نظام حليف لها، بقدر حرصها أيضاً على خلق قنوات اتصال مع قوى المعارضة الرئيسية في تلك البلدان، فخسارة اﻷشخاص أبسط بكثير جداً واقل كلفة من خسارة اﻷنظمة أو البلدان بأكملها.
 
لذلك حرصت واشنطن على فتح قنوات اتصال قوية مع جماعة اﻷخوان المسلمين في مصر بإعتبارها اﻷكثر تنظيماً والأقوى ببين التيارات السياسية، بعدما دهس نظام المخلوع حسني مبارك واخترق وفكك "المعارضة المدنية"، وحولها إلى أحزاب كرتونية تقتات على فتات الحزب الوطني وتدور في فلك سياساته بما يمن به عليها من مكاسب محدودة للغاية تبقيها في حالة موت أكلينيكي، وستظل العلاقة بين جماعة اﻹخوان المسلمين وواشنطن، مثل جبل الجليد ما يظهر منه أقل بكثير مما هو طي السرية والكتمان.
 
هذه السياسة تصب في اطار مخطط امريكي عتيق يعود لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما ورثت واشنطن تركة كبيرة بصفتها المنتصر في الحرب العظمى، وكان المخطط يعتمد على سيناريو استمر طوال سنوات الحرب الباردة، حيث يضمن هذا السيناريو للوﻻيات المتحدة الهيمنة على االسياسة الخارجية لتلك الدول من خلال منظومة حلف اﻻطلنطي والقواعد العسكرية اﻹمريكية التي انتشرت بطول اوروبا الغربية وعرضها، في مقابل ترك الحرية كاملة لهذه الدول في إدارة شؤنها الداخلية.
 
وبعد إنتهاء الحرب الباردة وسقوط اﻻتحاد السوفيتي السابق، طبقت واشنطن سيناريو مماثلاً مع دول اوروبا الشرقية التي خرجت منن تحت عباءة الوصاية السوفيتية.
 
ومع مطلع القرن الواحد والعشرين وظهور الحركات اﻹحتجاجية في دول المنطقة، ولدى واشنطن يقين بإن أنظمة عملائها في المنطقة شاخت وترهلت ولم يعد هناك أمل في إصلاحها، ظهر السمسار التركي سليل التنظيم الدولي لجماعة اﻹخوان المسلمين الذي روج لسيناريو مشابه لما حدث في أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية.
 
ويتضمن هذا االسناريو تولي جماعة اﻹخوان المسلمين بوصفها تمثل اﻹسلام السياسي المعتدل مقاليد الحكم في هذه االبلدان لتكون حائط صد وخنجر في خاصرة مايسمى بالهلال الشيعي وفي القلب منه طهران، كما تضمن هذه اﻷنظمة كبح جماح الحركات الجههادية االمتطرفة، ما لم تدخل معها في صدام سياسي أو حتى دموي، كما أن دعم واشنطن لهذه اﻻنظمة اﻹخوانية يعيد غسيل سمعة الولايات المتحدة المتهمة بمناهضة اﻹسلام.
 
ونضجت الثمرة وجاءت الفرصة سانحة مع بزوغ شمس الربيع االعربي، وكانت التجربة الأولى في تونس حيث عملت واشنطن على تنفيذ مخططها في سرقة هذه الثورات من خلال وكيلها المعتمد في االمنطقة ممثلاً في قطر، وبمساندة من عسكر يدينون بالوﻻء لواشنطن التي تتعلموا وتتدربوا فيها، وبإشراف تركي، لتقفز جماعة اﻹخوان المسلمين على الثورة في تونس وبشكل أكثر اتقاناً في مصر، في حين تم اقصاء الثوار الحقيقيين الذين ارتوت الميادين بدمائهم والتي ﻻتزال تستصرخ مطالبة بالقصاص وﻻحياة لمن تنادي.
 
لكن هذا السيناريو اصطدم بعقبات ومفاجآت خارجة عن االنص المكتوب والخريطة المرسومة بما يهدد بتكرار تجربة امريكا المريرة مع طالبان والجهادين في افغانستان الذين حاولت أن تجعل منهم حائط صد وخنجر في خاصرة اﻻتحاد السوفيتي سرعان ما أصاب واشنطن نفسها وفي عقر دارها وهدد وﻻيزال مصالحها ونفوذها في االمنطقة.
 
أولى هذه المفاجآت الظهور القوي للحركات االسلفية بأنواعها كافة، وخروجها بوعي أو بسذاجة عن السيناريو االمكتوب، وبدأ يعود إلى اﻷذهان التاريخ المرير لواشنطن مع طالبان والجهاديين في افغانستان.
 
وجاءت العقبة الثانية في فشل السيناريو فشلاً ذريعاً في ليبيا فلم تستطع جماعة اﻹخوان المسلمين هناك القفز على الثورة وقطف ثمرتها كما حدث في مصر، بل لم تتستطع حتى مقاسمة التيارات االمدنية السلطة كما حدث في تونس.
 
وجاءت العقبة اﻷكبر والفشل الذريع أيضاً لواشنطن في سورريا، فمنذ عامين يردد المسؤلون في االبيت اﻷبيض عبارة "أيام اﻷسد باتت معدودة".
 
وتعرت واشنطن في اﻷزمة السورية من غطاء ورقة توت "القوة العظمى" لتصبح "قوة عظمى" بجوارها قوى اخرى ممثلة في روسيا والصين، كما أن اﻷحداث الميدانية في سوريا تؤكد أنه ﻻبديل حتى اﻵن جاهز لملىء الفراغ في حال التدخل العسكري المباشر وإزاحة نظام ااﻷسد، وما يزيد اﻷزمة تعقيداً ملاصقة سوريا حدودياً مع إسرائيل التي ﻻيمكن المغامرة بأمنها في حالة تمكنت القوى السلفية من اﻹمساك بزمام اﻷمور هناك.
 
وتكمن أزمة المأزق االسوري في أن واشنطن كانت تهدف أن تكون دمشق بوابة لزيادة حالة الحصار على طهران والعمل على اسقاطها من الداخل بعدما نجحت في خلق حالة عداء مذهبية في المنطقة بين السنة والشيعة.
 
وهنا يكمن اختلاف بين واشنطن وتل ابيب وهو اختلاف حول اﻻسلوب والوسيلة وليس حول الهدف، فبينما ترى تل ابيب توجيه ضربة عسكرية مباشرة ﻹيران تجنح واشنطن نحو الحل السياسي بثورات داخلية تهز اركان النظام اﻹيراني بعد احكام حالة الحصار الخانقة عليه من خلال وكلائها المعتمدين في الدوحة وانقرة واﻷنظمة اﻹخوانية الجديدة، ﻷن واشنطن ﻻتزال تعاني من تبعات تدخلها العسكري في العراق وباكستان.
 
ولعل خطاب الرئيس محمد مرسي في قمة دول عدم ااﻻنحياز في طهران واحراجه للنظام اﻹيرني الذي لجأ إلى تحريف بعض ما جاء في كلمته كانت محاولة منه لتقديم شهادة اعتماد لدى واشنطن بأننا سائرون على نهج الخطة والسيناريو المرسومين.
 
وجاءت اﻻنتخابات اﻹمريكية اﻷخيرة بمثابة الهدنة بعد الصدمة التي تلقتها واشنطن، بعدما بدأت تسير اﻷمور نحو تكرار تجربتها مع طالبان والمجاهدين في افغانستان، وفي أفضل اﻷحوال، ستسير النتائج في دولة مثل مصر نحو النوذج الباكستاني بعدما كانت واشنطن تحلم بنوذج تركي ﻻتزال واشنطن تحتفظ على اراضيه بالقسم اﻷكبر من قواعدها العسكرية.
 
وتشير المعطيات الحالية إلى أن واشنطن بدأت بالفعل تجني ثمار الحلم الذي تحول إلى كابوس، وسوف يرى أوباما بأم عينيه عواقب حساباته الخاطئة التي تعامل فيها مع شعوب الربيع العربي باعتبارهم دمى بلا روح، أو قطعة في شطرنج يملك فيه جميع خيوط اللعبة.
 
وتبقى عقبة أخيرة، ربما لن تؤلم ضمير واشنطن لكنها ستبقى بقعة سوداء يصعب محوها، فمع تأجيجها للنزعات المذهبية والدينية، داست بل ودهست اﻻقليات الدينية في المنطقة والتي ﻻتزال وستظل لفترة طويلة تدفع فاتورة اخطاء واشنطن سواء في مصر أو سوريا أو العراق، وبالتبعية في لبنان، فحالة اﻻستقطاب الطائفي والمذهبي لن تختفي بسهولة بعدما تم تغذيتها وتأجيجها بشكل جعلها خارجة عن السيطرة.
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز