عاجل
الجمعة 21 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الحج المبرور
البنك الاهلي
المتاجرون بالحجاج  رقيقى الحال وبناء الوعى

المتاجرون بالحجاج رقيقى الحال وبناء الوعى

شعب مصر متدين بفطرته، فعلى هذه الأرض المُباركة -قبل سبعة آلاف عام- عرف التوحيد، وآمن بالإله الواحد الذي ليس له ثان، ترك كتاباته التي تؤكد ذلك على جدران الأهرامات والمعابد.



 

شعب محب لخالقه وأنبيائه، تجلى ذلك فى المواقف التاريخية وما أنتجته الثقافة الشعبية، فنراه درعًا لأمته العربية والإسلامية، نموذجًا للوحدة الوطنية، الهلال والصليب يتعانقان فى ثورة ١٩١٩، وفى مواجهة التحديات كافة، وفى الأمثال الشعبية «موسى نبى وعيسى نبى ومحمد نبى، وكل من له نبى يصلى عليه» فى إشارة بليغة للتسامح والتعايش.

 

 

وإلى المقدسات، وفى القلب منها بيت الله العتيق، تهفو قلوب المسلمين من بقاع الأرض كافة، بيد أن محبة المصريين لها خصوصيتها، وعمقها، وأثمانها.

 

تجد رجالا وسيدات، بسطاء رقيقى الحال ينفقون سنوات عمرهم فى تربية أبنائهم، منهم من ينتظر إتمام رسالتهم بتخرج الأبناء وزواجهم، لإتمام رحلتهم فى الحياة بمكافأة الحج، الركن الخامس للإسلام.

 

 

السيدة البسيطة، تقتطع من قوتها لسنوات طويلة، لتوفير نفقات السفر، ترى فى منامها رؤى وبشارات، فتزداد شوقًا وبحثًا عن السبيل الذي ييسر لها بلوغ غايتها.

 

 

كتب الله لى حج بيته العتيق مرتين، الأولى عام 2016، والثانية عام 2019، التقيت البسطاء، الذين يقصّون كيف عاشوا طيلة أعمارهم يحلمون بهذا اليوم، وكيف جاهدوا فى دروب حياتهم لإتمام رسالتهم فى تربية الأبناء، فينظرون للحج على أنه مكافأة إخلاصهم فى عطائهم.

 

 

وتشاهد ملايين الوجوه من كل فج عميق، مشاهد إنسانية، شيوخ انحنت ظهورهم، وسيدات جئن على كراسى متحركة، ملايين الحجاج من مختلف أنحاء العالم فى مكان واحد.

 

 

فى هذا المشهد المهيب لملايين الحجاج على صعيد عرفات، ما بين الروحانيات، والدلائل والإشارات البليغة، الجميع متساوون يرتدون إحرامهم الأبيض، تشبهًا بالكفن، الذي سيخرجون به من الدنيا إلى دار البقاء، وبين التنظيم وعظمة الجهد المبذول من البعثات الرسمية والمملكة العربية السعودية.

 

 

فإدارة الحشود علم، واحتشاد نحو مليونى حاج وانتقالهم بين المناسك، ليس بالأمر اليسير، لكن وسط هذه الإنجازات والجهود التي تبذل، تجد حكايات تدمى القلوب.. تجد بين الحجيج من تعرض لعمليات النصب من شركات سياحة غير أمينة، تتقاضى منه مئات الآلاف لتقديم خدمة تطويف ونقل وإقامة فى المناسك، فإذا به يحصل على خدمات أقل كثيرًا مما اتفق عليها ودفع نفقاتها.

 

 

منذ سنوات طويلة، كان رقيقو الحال الذين لديهم أبناء يعملون بالمملكة السعودية، يلجأون إلى حيلة تيسر لهم الحج بنفقات أقل من تلك التي يتطلبها الحج الرسمي المنظم عبر تأشيرة وشركات سياحة دينية.

 

 

كان بعضهم يذهب لأداء العمرة فى شهر رمضان وينتظر الحج، مع الفارق فكانوا بصحبة أبنائهم الشباب يرعونهم فى حجهم، وبأعداد أقل كثيرًا مما حدث هذا العام.

 

 

هذا العام انتشرت ما تسمى «تأشيرة الزيارة»، وسط شركات وسماسرة أوهموا البسطاء الحالمين بزيارة بيت الله العتيق وأداء فريضة الحج، أنهم ببضعة آلاف يمكنهم الحج وأن تلك الشركات ستوفر لهم متطلبات الإقامة والتنقل فى المناسك.

 

 

عاون السماسرة المتاجرين ماليًا بالبسطاء، متاجرون سياسيًا بالدين، هؤلاء الذين أصدروا فتاوى بلا علم، أو لأسباب سياسية أكثر منها دينية، فتجد جهلاء يفسرون الاستطاعة، الشرط الأساسى للحج بما يخدم أهدافهم.

 

 

 تجاهلوا الاستطاعة المادية والجسدية، وشرط الحصول على تصريح جهة الولاية المنظمة والمنوط بها خدمة الحجاج وتوفير مستلزمات إعاشتهم وأمنهم وسلامتهم ورعايتهم الصحية، وفق القدرة الاستيعابية لمساحات المشاعر والبنية التحتية.

 

 

بين ناظرين بإنسانية وعاطفة، لحق البسطاء الذين تواجدوا فعليًا على الأرض السعودية محرمين على مقربة من المشاعر فى الحج وتحقيق الأمنية، بما تكبدوه من مشقة، بأعمارهم وظروفهم الصحية المتباينة، وظروفهم الصحية، وبين العقل والمنطق بحسابات القدرة الاستيعابية والإمكانيات المخططة لأعداد بعينها لحمايتهم وإدارة حشودهم وضمان سلامتهم اختلفت الآراء.

 

 

ظهر التباين فى الآراء، بين النخب حسنة النية، وفق خلفياتها المعرفية والتجارب وما لديها من معلومات، لكن وسط ذلك خرج المُتاجرون بالأزمات، بمليشياتهم الإلكترونية الإخوانية المنظمة، ينفثون سمومهم لتحقيق مآربهم السياسية الخبيثة يستثمرون فى معاناة البسطاء، زاعمين فى البداية منع السلطات السعودية مسلمين من الحج.

 

 

وعندما تم السماح لحاملى تأشيرات الزيارة بأداء المناسك، تحت ضغط الظرف الإنسانى، واصل سماسرة الأزمات، المتاجرة السياسية بأجساد المتوفين، موجهين سهامهم التحريضية تارة إلى الدولة المستضيفة وتارة أخرى إلى دول الضحايا.

 

 

من يعلم جيدًا، حجم المشقة التي يتكبدها الحاج كبير السن، ومدى احتياجه إلى مخيمات مكيفة فى ظل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة، ومتطلبات الإعاشة وإدارة الحشود والحفاظ على أمنه وسلامته وإرشاده ليتمكن من العودة لمخيمه حال مغادرته لصعود جبل الرحمة أو رمى الجمرات أو أى سبب.

 

 

لا يتخيل الجالس على جهاز الكمبيوتر، مليونى حاج من مختلف الثقافات واللغات، جاءوا من كل فج عميق مجتمعين على صعيد واحد، ينتقلون مع غروب الشمس من عرفات إلى مزدلفة ومع بزوغ الفجر إلى منى، ومئات الآلاف تذهب وتأتى بين مخيماتها ورمى الجمرات.

 

 

تلك الحشود تتطلب إدارة احترافية، وبطاقات إرشادية، وخدمات إعاشة وإقامة، عدد مهول من المخيمات، ومستلزمات الإعاشة، نقاط خدمات صحية، وفرق متطوعين لإرشاد من ضل طريقه، تخيل تسير فى غابة من المخيمات متشابهة الطرقات وأنت إنسان بسيط، فرّق الزحام بينك وبين مجموعتك ومطوفها.

 

 

 فما بالك بحاج، جاء لأداء المناسك بلا تأشيرة حج، هذا يعنى الكثير، معناه أنه لم يتم تسجيله على برنامج نسك، فلا بطاقة بيانات له، حال ضل طريقه تمكن فرق الدعم من إيصاله إلى مخيم رفاقه أو أهله، لأن ذلك الحاج لم يتم تجهيز مخيم له من الأساس ليسكنه بالمناسك.

 

 

معناه أنه يفترش الأرض، يصنع مع رفاقه مظلته التي تحميه من درجات الحرارة غير المسبوقة، يجاهد للحصول على ما يقتات به أو يروى ظمأه، من خلال منافذ بيع أو الشاحنات الكبيرة التي توزع المياه والطعام على الحجاج، فإذا كان مسنا أو مريضا تضاعف التحدى والجهد الذي بلغ للأسف حد الوفاة.

 

 

ومع الوفيات، تخرج المليشيات ذاتها التي تاجرت بالبسطاء أحياءً: ماليًا بخداعهم للتربح منهم، وسياسيًا للنيل من الأنظمة سواء الدولة المنظمة أو بعثات دولهم الرسمية، لتتاجر بهم أمواتًا، بخلق رأى عام مُضلل على مواقع التواصل الاجتماعى، دون مناقشة جادة للقضية.

 

 

الحقيقة أن المسؤولية مُشتركة:

 

أولًا: مسؤولية الجهات المنوط بها بناء الوعى والفهم الصحيح للدين:

 

١- هل يجوز التحايل على الإجراءات الرسمية التي تتخذها مؤسسات دولتك لحمايتك، أو الدولة المستضيفة والمنظمة لموسم الحج لضمان نجاحه؟

 

٢- ما هى مسؤولية الحاج الذي غامر بمحاولة أداء الفريضة بدون تصريح، إذا عرض حياته للخطر؟ أو ساهم فى زيادة الأعداد بما يفوق القدرة الاستيعابية التي تتطلبها إجراءات حماية الحجاج الآخرين القادمين بإجراءات رسمية.

 

٣- ما هى أبعاد الاستطاعة فى ظل متغيرات فرضها الواقع منها: تغيرات مناخية ودرجات حرارة غير مسبوقة-  تزايد أعداد سكان معظم دول العالم، ومن ثم تزايد أعداد المسلمين الراغبين فى الحج مقارنة بالقدرة الاستيعابية للمشاعر المقدسة - الأزمات الاقتصادية وقيمة العملات المحلية، وانعكاسها على القدرة المالية السبب الرئيسى فى وقوع البسطاء فريسة للمخادعين. 

 

 

ثانيًا: هل نحن فى حاجة لمزيد من الإجراءات الرادعة للشركات التي تتاجر بالبسطاء للتربح؟

 

بداية من خدمة دون المستوى من بعض الشركات للحجاج الحاصلين على تأشيرات وصولًا إلى النصب بتقديم صورة وردية لأصحاب تأشيرات الزيارة.

 

ثالثًا: إن الجهد المبذول من المملكة العربية السعودية، من توسعة الحرمين الشريفين، وتوفير بنية تحتية ييسر أداء ضيوف الرحمن للمشاعر المقدسة، وزيادة القدرة الاستيعابية، والحرص الدائم على إدخال مستجدات تكنولوجية لإدارة الحشود لإنجاح موسم الحج، يستحق الثناء والتقدير، مع مواصلة التطوير.

 

 

رابعًا: البعثة الرسمية للحجاج المصريين بوزارات الداخلية والتضامن والسياحة، تؤدى دورها بكفاءة واحترافية، مع الأخذ فى الاعتبار أن كثافة أعداد الحجاج نتيجة السماح بتأشيرات زيارة للقادمين من مختلف دول العالم، تُضاعف من جهود حماية الحجاج الرسميين ورفع كفاءة الخدمة.

 

 

خامسًا: لماذا لا نبتكر صناديق تنفق على حج من يقدمون عطاءات مختلفة للوطن والمجتمع ولا يملكون نفقات الحج، مثلًا: أسر الشهداء، آباء وأمهات أوائل الجامعات والثانوية العامة، الأرامل اللاتى عكفن على تربية أبنائهن وقدمن نماذج محترمة للمجتمع، أمهات وآباء «القادرون باختلاف» الذين تحدوا التحديات، المعلم المثالى الذي أعطى فى الفصل الدراسى ولم ينحرف لجمع المال من جيوب أولياء الأمور بدروس خصوصية، عامل اليومية الذي ربى أبناءه بعرق جبينه... إلخ، تمول من القادرين ومن سبق لهم أداء الفريضة أفضل من تكرار سفرهم.

 

 

علينا النظر بواقعية وعمُق، لتقديم علاجات جذرية، تبدأ بدراسة أسباب الأزمات، وتحديد المسؤوليات، وتعاطى الخطاب الدينى الصحيح مع المتغيرات والتحديات، ووضع استراتيجية بناء حصون الوعى، تراعى جميع الأبعاد النفسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.

 

 

تقبل الله من حجاج بيته العتيق، وكتبهم من المقبولين، وتغمد من وافتهم المنية برحمته وأسكنهم فسيح جناته، وبعثهم ملبين مكبرين. 

 

 

حفظ الله مصر وشعبها

 

نزرع الدولار: بالعمل والإنتاج ترتقى الأوطان، وفى مصر ما يستحق التفاؤل، إنجازات في جميع المجالات: نحن نزرع الدولار، عبر تطوير منظومة الزراعة وإنتاج محاصيل تقلص فجوة الاستيراد وتعزز قدرة التصدير، ومن ثم تُقلل الطلب على العملة الأجنبية المطلوبة للاستيراد، وفى الوقت ذاته توفر عملة من عوائد التصدير، ببساطة زراعة منتجات للتصدير بمثابة زراعة الدولار وسلة العملات الأجنبية وكذلك الصناعة.. ما تشهده مصر من إصلاحات اقتصادية، سيجنى ثمرتها المواطن فى فرص عمل وتحسين الأوضاع الاقتصادية بما يمكنه من تحقيق آماله البسيطة دون مخاطرة ولا معاناة بإذن الله.

 

 

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز