د. حسام عطا
أسئلة الثقافة والحكومة المصرية الجديدة
في ظل تغيير الحكومة الجديد، يبقى سؤال الثقافة المصرية مطروحاً ملحاً ويشغل الكثيرون، فماذا عن السياسة الثقافية المصرية التي نريدها في الأيام القادمة من مستقبلنا القريب والمتوسط والبعيد؟
هل يوجد لدينا تصور مستقبلي يتفاعل مع متغيرات الواقع المصري والعربي والإقليمـــــــــــــــي والدولي؟ بالتأكيد توجد متغيرات حقيقية واقعيــــة فــــــــي عالم الثقافة والفنون في مصـــــر.
إذ لم يعد ممكناً إعادة إنتاج أحاديث الأزمة، تلك التي لازمت الحديث عن فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين المنقضي، وامتدت إلى سنوات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين الذي أوشك على الاكتمال.
وقد بدأت مساري المهني الاحترافي وحديث الأزمة لم ينقطع، أزمة في كل شيء في المسرح وفي السينما وفي الكتابة وفي الصحافة وفي الإعــلام.
لكنها الآن وقد باتت ذكرى ومل الناس الحديث عن أزمة الثقافة، والتي كانت موضوعاً متكرراً لسنوات طوال. فهـــــل تـــــــــم حل كل تلك الأزمــــــــــات؟ الأمر المثير للدهشة أن فترة الأزمة التي أشرت إليها كانت نوعاً من الإشارة الحزينة الي الستينيات المصرية المزدهرة. فماذا في الستينيات المصرية من حضور يثير كل تلك الذكريات؟ إنه دور الدولة القوي ويدها الحاضرة في إنتاج الثقافة والفنون. وقد كان ذلك متسقاً مع دور القطاع العام، وطبيعة الاقتصاد الستيني الذي يميل نحو امتلاك الدولة لوسائل الإنتاج، مع هامش متاح للرأسمالية الوطنيــــــــة. كان هذا هو أبرز ما في الستينيات المصرية، مع حضور لقامات كبرى تكونت في الأربعينيات المصرية الليبرالية، التي لم تكن الدولة حاضرة بذاتها في إنتاج فنونها وثقافتهــا. فهل يمكن استعادة ذلك الدور الواضح القوي للدولة المصرية في عالم الثقافة والفنـون؟ بالتأكيد طبيعة الاقتصاد المصري الآن ليس مثل اقتصاد الدولة الستيني. وبالتأكيد وبمراجعة ميزانيات وزارات الثقافة المتعاقية لسنوات طوال مضت، لا توجد تلك الميزانيات التي كانت متاحة لدى وزارة الثقافة الستينيــــــــة. فهل المسألة مسألة الموارد المالية للإنتاج؟ الإجابة بالتأكيد بالطبع، لأن الوفرة الاقتصادية ضرورة للإنتاج الثقافي، أما الآن قد اختلف الأمر، وذلك في ما هو متاح للمسرح والسينما والنشر والغناء والموسيقى وما إلى ذلك، بالمقارنة بالموارد المالية الهائلة المخصصة للدراما التليفزيونية على سبيل المثال. فماذا عن السياسات الثقافيـة؟ بالتأكيد قامت الدولة الستينية برعاية حقيقية للمبدعين، بداية من البعثات العلمية وصولاً لمنح وحدات سكنية ذات مستوى رفيع للعديد من المبدعين آنذاك، مع وجود مسار مهني منتظم يحقق المشروع الفني للمبدع الفرد، ويوفر له حياة ملائمة للإبداع، ويمكنه من تطوير أدواته، ويعزز علاقته بالجمهور العام، ويفتح حوارا بينه وبين النخب التقليدية الأخرى. وهو ضرورة يجب استعادتها، فقد كان الإبداع الثقافي والكتابة حتى العابرة منها بالمجلات الثقافية المصرية مصدراً للدخل والحياة وصانعة للقيمة.
وهي مسألة يجب أخذها بعين الاعتبار، والنظر في الأجور واللوائح المنظمة والموارد والموازنات المتاحة التي تتفق مع الظروف الاقتصادية العامة، حتى لا يصبح العمل الثقافى الإبداعي الجاد وروافده المتعددة، مجالا للنضال اليومي من أجل البقاء.
ويصبح من أدركته حرفة الكتابة والإبداع الجاد ضحية متاحة لقسوة الحياة ولسخرية هؤلاء الذين يحصلون على الملايين بمجرد مرورهم أمام الكاميرات في درامات تليفزيونية أو في أغنيات مصورة بالغة الهشاشة، فيصبح هؤلاء المبدعين الجادين بمثابة أهل الحصار المادي الاقتصادي، وكأنه عقاب لهم على عدم السير في مواكب حصد الثروة بعيداً عن القيمة الرمزية الثقافية للإبداع المصريــــــــــــة.
ثم يأتي البكاء أيضاً على لبن الستينيات الثقافي المسكوب في مسألة الدور الثقافي الإبداعي المصري المحوري القيادي في الوطن العربـــــــــــــــي.
وهي مسألة تحتاج لإعادة النظر، فقد تغير الموقف العربي، ونشأت منارات عربية عديدة أصبحت قادرة على المنافسة، ولم يعد الدور المصري منفرداً في الساحة العربية.
ثم بدأ هذا الدور ينجذب عبر الأفراد الباحثين عن مصلحتهم المالية وغيرها، حتى تماهي معظمهم في المراكز الفنية والثقافية الثرية، والتي تنفق بكل كرم واضح لإعلان حضورها، وأصبح هؤلاء المدعومين البارزين هم أهل الحظوة في الداخل المصري بل أن بعضهم ممن أداروا مؤسسات ثقافية كبرى قد عملوا مستشارين للمراكز الجديدة، وربما ساهم الولاء الشخصي لهم مدفوع الأجر في تكبيل حركة الإنتاج الإبداعي في الداخل المصري وتقييد عمل المؤسسات الرسمية التي يديرونها لإنشغالهم ولبحثهم عن نسخ مكررة في الداخل المصري تتماهي مع عالم التسلية والاستعراض المبهر، والإبتعاد عن الأفكار والرؤى الإبداعية التي منحت الإبداع المصري تأثيره وثقله ودوره المحورى القيادى في المنطقة العربية والمحيط الإقليمي.
هذا بالإضافة لأن المؤسسات الثقافية بعضها لم تتغير اللوائح المنظمة له منذ أن تم إطلاقه منذ سنوات طوال، وعدد منه يحتاج إلى تغيير في قانون الإنشاء الخاص به وتحديث شامل لطريقة عمله.
لأنه وبفعل تقادم الزمن بات يحمل عناصر تراجعه بداخله، مما يجعلها في ذات الوقت الاسباب الواهية التي يتم الاعلان عنها لعدم قدرة تلك المؤسسات علي القيام بعملها علي الوجـــــــة الأمثـــــــل.
جدير بالذكر، أن آفاقا جديدة للتقنية والرقمنة وعلاقات الفنون ومجالات الثقافة والاستثمار، وظهور مصطلحات دالة مثل الصناعات الإبداعية والاستثمار الثقافي لهي ضرورات مستقبلية يجب معها تهيئة المؤسسات المصرية للدخول الفعلي لها وللإنجاز فيها بكل إقتدار يليق بالطاقات البشرية والإمكانيات المتاحة من البنية التحتية المصرية من منشآت عديدة مملوكة للمؤسسة الثقافية المصرية.
بالتأكيد مصر قوة ثقافية عظمى بحساب الآثار المصرية والتراث المصري، والثروة البشرية، وبالتأكيد يبقى الاستثمار في مجال السياحة الثقافية أمراً متاحاً وواعداً للغاية ويحتاج للبدء فيه على الفور، لأنه أملاً لا ينقطـــــع.
تبقى الأهداف متنوعة بداية من تثقيف الأميين ثقافياً وتعزيز الإنتماء والمواطنة حتى دعم أطفال الشوارع وفتيانها وفتياتها بالأمل والتدريب، وصولاً لاستعادة القيمة الرمزية للإبداع المصري، مع استعادة الدور المصري الثقافي الفني المحورى بالعودة للفنون الراقية ذات الطابع الجماهيري، مع مساحات وهوامش حرة للتعبير، إذ إن الثقافة والفنون كانت ويجب أن تبقى المجال الحيوى للثقافة الوطنية المعبرة عن إرادة المصريين المتمسكة بما يجب أن يكــــــــــــــون.
لأن المستحيل الممكن هو المجال الحيوى للإبداع والثقافة. أملا في التفاعل مع العالم الأثيري التكنولوجي والذهاب للعالم كله والدخول لعالم الاستثمار الثقافي الحقيقي، والاستثمار عوائده عديدة أولها المال وأهمها الدور والقيمة والصورة الذهنية لمصر والثقافة المصريـــــــــة. هكذا نحلم وهكذا نتمنى.