عاجل
الثلاثاء 25 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فيلم أهل الكهف.. وعودة الروح للفن المصري

فيلم أهل الكهف.. وعودة الروح للفن المصري

بمتابعة أخبار الاستقبال الجماهيري لفيلم أهل الكهف، وأخبار تراجع إيراداته في هذا الموسم الحار، موسم عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا بالخير واليمن والبركات، تتأكد ظاهرة تحتاج إلى مناقشة بشأن ذائقة الجمهور العام في مصر، وإذ تتردد أخبار متابعة الإيرادات طوال أيام عيد الأضحى ليتذيل فيلم أهل الكهف الإيرادات فهذا أمر مدهش مع كل هذا الحشد من النجوم، وهو يحتاج إلى تأمل. 



 

وقد آثار الخبر حاستي النقدية خاصة مع افتتاني التاريخي بمسرحية توفيق الحكيم الشهيرة أهل الكهف المأخوذ عنها الفيلم، بل وسعادتي لعودة السينما إلى التفاعل الإبداعي مع الإنتاج الفني رفيع المستوى في المسرح المصري. 

إنها مغامرة فنية للمخرج عمرو عرفة الذي يضع اسمه على رأس كتيبة المقاومة بفيلمه هذا، أقصد مقاومة موجات التسلية والعنف وأعمال مفارقة الواقع التي تجسد العالم الموضوعي في مصر تجسيداً لا يعبر عنه الواقع.

فعمر عرفة يذهب لهذا الاختيار في توقيت صعب، وقد ذهب إليه مقاومة لسيولة مخيفة في عالم السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، تصور بلادنا مرتعا للعصابات المنظمة والبلطجية العتاة، أو تذهب للضحك الخشن الذي لا يبقى له أثراً.

ولذلك جاء أهل الكهف الآن فعل من أفعال مقاومة الرداءة الفنية.

هذا ومن ملاحظتي للموسم الجاري تأكد لي مجددا حيوية الجمهور المصري ورغبته في الذهاب لدور العرض المسرحي والسينمائي برغم كل ما يحاصره من منتجات فنية عالمية على المنصات الإلكترونية وغيرها، ورغم أولويات ضرورية مهمة في الحياة اليومية إلا أن عادة الذهاب إلى المسرح والسينما لا تزال عادة اجتماعية مصرية وهو أمر يدفعنا للاطمئنان على تأصل هذه العادة تاريخيا في مصر.

الجمهور المصري لا يزال حاضرا رغم كل ما تعرض له من صدمات فنية، ولعل ما حاوله عمرو عرفة من التفاعل مع هذا الحضور الجماهيري هو اختيار صحيح.

وهو يذهب للاتجاه المعاكس الصحيح والمضاد لموجات العنف والهزل ومعه كتيبة من الأبطال ونجوم الصف الأول في مصر، فماذا حدث إذن؟ 

إنه الاعتياد وهو أخطر ما يواجه الذائقة الفنية الجمهور العام في مصر الآن فعبر سنوات طوال تم فيها تغذية الجمهور ومنه أجيال جديدة لموجات بعينها شكلت ما يسميه علم النقض بأفق التوقع والترقب للجمهور العام، وهو يتكون من في عنصره الجوهري من الخبرات والتجارب الفنية السابقة، وهي تجارب عبر تراكم طويل ابتعدت عن الأفق الجمالي والمعرفي للفنون الجماهيرية. 

وفي أهل الكهف يستحضر أيمن بهجت قمر كاتب السيناريو روح الشاعر المبدع لينفذ إلى جوهر مسرحية الحكيم وهو يختار العامية المصرية في عام قديم يعود للإمبراطورية الرومانية الشرقية، كي يكون مقبولا للجمهور العام، مع اللغة الثالثة التي هي صياغات فصيحة لها أصلها في اللغة العامية، وهي استخداما دالاً في حوار الفيلم، تحمل داخلها أفكارا هامة وتلقي بظلالها على الواقع المعاصر.

فحقا استطاع الشاعر أيمن بهجت قمر أن يقف شامخا ليذكرنا بالكبار في الثقافة المصرية، بتلك المعالجة الدرامية الحرة للمسرحية الحكيم، مع مناقشة عالم القصص الديني بطريقه تتماس مع عالمنا المعاصر، وتحمل رؤية بالغة الشفافية والدقة لكل من المتعصبين الدينين لأفكار بعينها، ولمن يستخدم الدين في السياسة، ولمن يرفع شعار المصلحة العامة للشعب بينما لا يستهدف إلا مصالحه الشخصية.

وفي أهل الكهف أحاديث عن عهود الحب الحلال الخالد ورقته وعن مشاعر الرجل القوي والمرأة صاحبة السمو والفكر الخلق في علاقه حب شاعرية كما في علاقه القائد سبيل ببريسكا، إنه الحب وسحره كما لم نعد نراه في الأعمال الفنية الإبداعية التعبيرية في مصر.

كما أن هذا التجمع من نجوم في التمثيل في مصر يؤكد أن نجوم كبيره تعرف الجوهر الحقيقي للإبداع ويمكنها أن تعود إليه وهي إرادة ممكنة لنجوم التمثيل في مصر وهم الذين منحهم الجمهور الكبير كل شيء ويجب أن يكونوا عند هذه المسؤولية، كان ينظروا لأنفسهم في مرأة المجتمع والنقد الثقافي، ليروا صورتهم الحقيقية وجوهرهم الذي يستحق الاحترام والتقدير.

وفي هذا يجب أن نحتفل بكتيبة الإبداع المستيقظة من نوم طويل وهم: خالد النبوي، غادة عادل، محمد ممدوح، محمد فراج، أحمد عيد، ريم مصطفى، بسنت شوقي، هاجر أحمد، صبري فواز، رشوان توفيق، أحمد وفيق، ومجموعه العمل.

وأيمن بهجت قمر بلا شك يعبر يعيد إنتاج اسمه كقيمة متجددة في عالم الإبداع، إلا أن الفيلم لم يشر في إعلاناته الرسمية إلى أنه مأخوذ عن مسرحيه الحكيم الأصلية أهل الكهف، ولا أجد سببا ذلك، ففي مشاهدتي للفيلم تأكد لي أنه سار على ذات الطريق الذي سار فيه توفيق الحكيم في حبكته الأصلية المبتكرة، وكان يجب الإشارة لذلك بوضوح حرصاً على حقوق الملكية الفكرية في المعالجة السينمائية، التي لم تغادر العمل المسرحي الأصلي في تفكيره وشخصياته وحبكته ومشاعره الإنسانية الفلسفية التي أطلقها الحكيم.

جدير بالذكر أن اسم توفيق الحكيم لا يزال جذابا للترويج الإعلامي والأعداد كبيرة من الجماهير في مصر والوطن العربي بل هو أحد أبرز الرموز الإبداعية التي حصدت التأثير في المحيط العربي والإقليمية والدولي.

والمسرحية كتبها الحكيم مبكرا وهو صاحب المشروع الريادي التأسيسي والتجديدي معاً في عالم المسرح والرواية، فقد صدرت عام 1933 وتمت ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات الحية حول العالم، وشهرتها في ترجمتها الفرنسية بالغة الانتشار وإعادة تقديمها في فيلم مصري سينمائي عام 2024 هو سعى بالغ الأهمية لإعادة اطلاق الابداع المصري الخالد المقدر، وهو ابداع استيعادي قابل كما حدث في الفيلم لإعادة التأويل والتفاعل مع عالمنا المعاصر، ولذلك فالفيلم قادر على اجتذاب عدد كبير من الجمهور حول العالم، وربما مع ترويجه عبر التوزيع الخارجي سيحقق أرباحاً كبيرة، فهو من القطع الإبداعية الصالحة للعرض الأول والثاني والثالث، والعرض في عدد من ثقافات العالم المختلفة مع ترجمات ممكنة لعدد من اللغات الحية، لأنه مستلهم بالأساس من قصص ديني جاء في اليهودية والمسيحية والإسلام، أنجزه توفيق الحكيم ببراعة نادرة في معالجة القصص القرآني والتعامل معه بطريقه إبداعية، استطاعت أن تحصد إعجاب المؤسسات الدينية الرسمية، وساهمت في تعزيز القيمة الرمزية للمسرح المصري.

وحقق عرضها الأول على المسرح القوي المصري نجاحا باهرا عام 1935 من إخراج المفكر المسرحي المبدع الرائد زكي طليمات.

جدير بالذكر أن الفيلم يحكي الحكاية عبر الكهل الذي كان طفلاً صغيراً هو شخصية مضافة عبر المعالجة السينمائية لأيمن بهجت قمر، وهي غير موجودة في القصص الديني ولا في الأصل المسرحي للحكيم، انه الطفل الذي أخذته بريسكا للتربية لأنه هو الوحيد القادر على التعامل مع الزمن المختلف.

كما أن المعالجة السينمائية تذهب لبعض التعديلات التي تتيح صنع رؤية بصرية مشوقه مثل مشاهد المعارك والمصارعة الرومانية القديمة بين المحاربين المحكومين بالإعدام ومشاهد القتال واتساع رحب في الصورة لمشاهد المدينة القديمة والقصر والكهف والجبل والطبيعة الساحرة، وهي أمور أصبحت متاحة في العالم الفني السينمائي وقد واكب صناع الفيلم 2024 في هذا الشأن برامج الجرافيك العالمية وقدموا مشاهدا مدهشة في الدقة عبر إتقان صناعة المعارك الحربية، وفي ذلك استخداماً متطورا للتقنيات المعاصرة يضاف لمبدعيه ولعمرو عرفة مخرج أهل الكهف المبدع الذي تنتظر منه الكثير في الفن المصري. إنهم أهل الكهف الذين لبثوا نائمين ثلاثمائة عام وعدوا للحياة وقد تغير الزمن، فما استطاعوا أن يتفاعلوا مع الزمن وهربوا من الزمن الجديد وعادوا لكفهم وعند الحكيم تلحق بريسكا المحبة بحبيبها في الكهف، أما في الفيلم فهي تحصل على أمومة خاصة اذ تربي يتيماً ماتت أمه المؤمنة أثناء هروب المسيحيون الأوائل من الاضطهاد، فأيمن بجهت قمر يمنح بريسكا أمومة وأملاً دون الإخلال بعذرية علاقة الحب وهو إبداع موازي لا يقل في قيمته عن إبداع توفيق الحكيم.

علاقة جديدة بين المسرح المصري الفكري والجمالي والسينما المصرية الجميلة يعود بها الفنانون لعالم التمثيل الإبداعي، فخالد النبوي وكافة النجوم في حالة إبداع رائقة أدارها مخرج حقيقي يملك أدواته جيداً، وربما تنتظر منه اكتشاف مساحات مشتركة جديدة بين المسرح والسينما في عالم جديد يحتفل بتكاملية الفنون.

أهل الكهف نوع إبداعي يجب أن يتكرر ويجب دعمه والدعوة لمشاهدته ومساندة توزيعه حول العالم وتكرار هذا الاتجاه والانتصار له وفي ذلك إعلاء للذائقة المصرية الفنية السليمة في التلقي، إنه استعادة جمالية إبداعية جماهيرية للفن المصري رفيع المستوى، شكراً أهل الكهف وشكراً لصناعه، فأنتم حقاً تصنعون الأمل. وكل عام ومصر وأهلها بخير وسعادة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز