عاجل
الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثورة 30 يونيو الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
البنك الاهلي
وداعًا للسجون في مصر.. مراكز الإصلاح والتأهيل تفعيل للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2-2)

30 يونيو.. ثورة بناء الجمهورية الجديدة 18

وداعًا للسجون في مصر.. مراكز الإصلاح والتأهيل تفعيل للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2-2)



في خطوة عملية، تعكس تفعيلًا واقعيًا، للإرادة السياسية الإصلاحية، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بدأت مصر خطوتها الأولى في طريق القضاء على السجون، واستبدلت بها مراكز الإصلاح والتأهيل، التي تعمل وفق استراتيجية علمية، للحماية المجتمعية وحفظ الكرامة الإنسانية للنزلاء، وتأهيلهم لبدء حياة جديدة.

 

في مقالي السابق، تحدثت عن المحور الأول في استراتيجية الحماية المجتمعية، للحد من ارتكاب الجرائم والخروج على القانون، واليوم أتجول معكم في أحد أهم تطبيقات الفلسفة العقابية الحديثة، والآليات العملية لتحقيق مستهدفاتها، في ظل إنجاز مستهدفاتها من أرض الواقع المعاش.

 

والمناسبة افتتاح وزارة الداخلية، مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، الذي شرفت بحضور افتتاحه الرسمي بعد فترة تشغيل تجريبية، وما تلا ذلك من جولة تفقدية لمنشآته وتطبيقات فلسفته، بدعوة كريمة من وزارة الداخلية.

 

فهيا بنا نتجول في هذا المركز لأطلعكم على أبرز مشاهداتي:  

 

إن تلك المنشأة في حد ذاتها، انعكاس حقيقي، لاستراتيجية دولة، وفكر جمهورية جديدة، تحفظ للإنسان كرامته، حتى إن كان مذنبًا، بل تعمل على إصلاح سلوكه، وخلق قدرات مضافة في شخصه، تؤهله للاندماج المجتمعي، كعضو صالح في المجتمع، وتطبق فعليًا مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

 

إن مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، يعد النموذج الأول لسلسلة من المؤسسات الإصلاحية التأهيلية، التي تعتزم الدولة، ممثلة في وزارة الداخلية إنشاءها، للارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان، وتطوير فلسفة العقاب، إلى إصلاح وتأهيل النزيل لبدء حياة جديدة كعضو صالح في المجتمع.

 

 المجتمع الدائري المتكامل على مساحة 175 فدانًا 

 

هي ليست منشأة حديثة فقط، بل مجتمع متكامل، على مساحة شاسعة، 175 فدانًا، تشمل 6 مراكز إقامة للنزلاء، ومركز إقامة للأطقم الإدارية، ومركز تحكم وقيادة، ومجمع محاكم، ومدارس وورشًا فنية، ومكتبة ومستشفى ومزارع ومصانع ومحطات إنتاج داجني وحيواني، وملاعب وحضانة ومسجدًا ومصلى كنسيًا، صممت على شكل دائري مخطط بدقة، يراعي الشكل الجمالي، والاشتراطات البيئية والسلامة وصحة النزلاء، والمساحات الخضراء.

 

وكأن مصمم المركز على شكل دائرة بزاوية 360 درجة أراد أن يقول للنزلاء، بإمكانك العودة لنقطة البداية، لتخلق لنفسك بعد الخروج من هنا حياة صالحة جديدة.

 

نزلاء لا سجناء 

 

اختفى في ذلك المركز، مصطلحات ارتبطت فيها الصورة الذهنية بمخلفات عصور ولت، وفلسفات عقابية قديمة، فلا وجود لمسمى "السجن"، "السجين"، بل "مركز إصلاح وتأهيل"، "نزلاء" لا سجناء، والعاملون به طواقم إدارة وتأمين المركز وتشغيل وحداته الإنتاجية، لا "سجانين"، المركز يتبع قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية، فوداعًا لمصطلح "قطاع السجون".

 

التغير هنا حقيقي في المعنى والفلسفات والبرامج، والخدمات، لا في الأسماء، كما يظن البعض، فالأسماء تجسيد فعلي للواقع والحال، وانعكاس فلسفات إصلاحية وتطبيقاتها، وهو ما سنراه في جولتنا.

 

فتلك المساحة الشاسعة مخططة بدقة، ليحقق كل قطاع بها هدفًا جزئيًا، يُسهم في خدمة الهدف العام، الساعي من بدايته لنهايته، لحفظ كرامة الإنسان، وتحويله من عنصر مهدد لأمن مجتمعه، إلى عنصر صالح يخدم نفسه وأسرته ووطنه.

 

القضاء على معاناة الترحيلات بمحاكم داخل المركز 

 

في النظام القديم التقليدي، نُشاهد عربات الترحيلات، تنقل متهمين مقيدي الأيدي، يساقون أمام الناس لمحاكم في وسط الكتلة السكنية، يتعرضون لمعاناة رحلة الترحيل، ويراهم المارة في وضع يؤلمهم نفسيًا، فضلًا على الكُلفة الاقتصادية والأعباء الأمنية لعمليات النقل اليومية.

 

في مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، تم إنشاء محكمتين على أعلى مستوى من البنية الأساسية والتجهيزات، قاعة المحاكمة وفيها قفص الاتهام مكيفة، قاعات للمحامين، ومقاعد لأسر المتهمين، غرف للمداولة والنيابة العامة، مداخل خاصة بالقضاة، والمتهمين والأسر، قاعات مجهزة إلكترونيًا بشبكة كونفرانس لتجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد. 

 

تلك المحاكم داخل المركز، تحفظ كرامة المتهم، وتزيل عنه معاناة الانتقال في عربات ترحيلات، التي تتضاعف في أشهر الصيف، كما تزيل عن وزارة الداخلية أعباء نقل وتأمين السجناء في مأموريات مستمرة، وفي الوقت ذاته تخفف الضغط على المحاكم الأخرى، ما يسهم في تحقيق العدالة الناجزة.

 

التعليم مباح ومُتاح وجزء من الإصلاح والتأهيل

 

في ذلك المركز النموذجي، مؤسسات تعليمية، تسمح لمن لم يكمل تعليمه بمواصلة الدراسة، ومن لا يملك صنعة، أن يدرس ويتعلم مهنة، وفق بروتوكول موقع بين وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وقطاع الحماية المجتمعية، تم إنشاء مدرسة فنية صناعية وأخرى فنية زراعية، فضلًا على مراكز تأهيل وتدريب مهني، تمكن النزيل من تعلم مهن متنوعة وفق الرغبة والاستعداد.

 

اكتشاف وتنمية الإبداع 

 

المهن ليست فقط اليدوية، فهناك شاهدنا من النزلاء فريقًا فنيًا من الموهوبين، في العزف الموسيقي والغناء، وشاهدنا موهوبين أتيحت لهم الفرصة والتدريب لصقل موهبة الرسم، فضلًا على تعليم مهن الحياكة وصناعة الأساس، وغيرها من المهن التي تخلق لهم فرص عمل خلال فترة العقوبة وبعد خروجهم لبدء حياة جديدة.

 

بالحلال اكسب وساعد أسرتك وحوش لمستقبلك 

 

توجد داخل المركز مصانع أثاث وغيرها، منطقة صناعية كاملة، يعمل بها النزيل نظير أجر، يُسمح له بإرسال جزء من كسب يديه، لإعانة أسرته إذا رغب، والجزء الآخر يوضع في حسابه بالأمانات ليعينه بعد الخروج على بدء حياة كريمة، فقد انتهت الصورة الذهنية السلبية تلك التي يحطم فيها السجين الصخور، أو يجلس مدة العقوبة حبيس زنزانته الرطبة المُظلمة.

 

هناك ملاعب وأماكن للفسحة، وفق ضوابط ومواعيد، تكفل للنزيل الخروج للهواء الطلق؛ لضمان تحقق مستلزمات حمايته الصحية، والحفاظ على لياقته البدنية، كحق أصيل من حقوق الإنسان.

 

العلاج حق أصيل للنزلاء بأحدث الإمكانيات

 

داخل مركز التأهيل والإصلاح مركز طبي متكامل، يضم كل التخصصات، مُجهز بأحدث الإمكانيات والمعدات الطبية، التي يفتقر الكثير من المستشفيات العامة لمثيلاتها من التجهيزات، رأيناها رأي العين، مستشفى مجهز بأحدث الأجهزة، يستدعى له خبرات من كبار القامات الطبية، ويعمل به فرق طبية متخصصة دائمة، بطاقة استيعابية 300 سرير، ملحق به مركز أشعة وتحاليل وصيدلية.

 

المستشفى، داخل مركز الإصلاح والتأهيل متكامل، بداية من عربات الإسعاف، مرورًا بكل الأقسام الطبية، وغرف عمليات مجهزة بأحدث الأجهزة ووحدة عناية فائقة، وعيادات كشف خارجية مجهزة بوحدة استدعاء رقمية، ووحدة غسيل كلوي بقدرة استيعابية 17 حالة في الدورة، ووحدة مسحات كورونا بقدرة 90 مسحة في الدورة، فضلًا على مركز أشعة وتحاليل مجهز بأحدث أجهزة الرنين المغناطيسي الأولى من نوعها في قطاع الحماية المجتمعية، وأجهزة الأشعة المقطعية.

 

قطاع كامل لإنتاج الغذاء 

 

جانب آخر من المشهد، المطبخ والمخبز والوحدات الإنتاجية، فالفلسفة بهذا المركز تستهدف تحقيق اكتفاء ذاتي من الإنتاج الزراعي واللحوم الحمراء، كمرحلة أولى يتبعها تحقيق فائض إنتاج يُسهم في تلبية احتياجات المجتمع بطرحها بالأسواق بأسعار عادلة، تحقق دخلًا إضافيًا للعاملين من النزلاء بتلك المشروعات.

 

فداخل المركز المنشأ على مساحة 175 فدانًا، محطة إنتاج داجني على مساحة ١٢ فدانًا بقدرة إنتاجية 250 ألف طائر في الدورة، ومزارع ماشية لإنتاج اللحوم، ومصانع أعلاف ومجازر وثلاجات حفظ، مشروع متكامل.

 

وبها أيضًا 175 فدان مزارع للزراعات المكشوفة، وزراعات الصوب تشغل مساحة 52 فدانًا، تروى جميع الزراعات بالتنقيط، لترشيد المياه، وتحقيق أعلى كفاءة إنتاجية.

 

162 فدان خدمات وتيسير الزيارات 

 

وتشغل مساحات الخدمات من مساحة المركز ١٦٢ فدانًا، تحوي كافتيريا ومناطق انتظار سيارات، تستوعب ١٧٠٠ سيارة، واستراحات للأسر الزائرة، وأماكن مخصصة للزيارات، تنقل أتوبيسات حديثة الأهالي من مناطق الاستقبال والتأمين، إلى قاعات الزيارة، التي بها أماكن خاصة بزيارات المحامين لموكليهم وفق قرارات المحكمة والنيابة العامة.

 

منظومة إلكترونية للحماية والتنظيم 

 

يعمل المركز وفق منظومة إلكترونية متكاملة تُراعي التيسير على الزائر، وتحفظ حق وكرامة النزيل، تبدأ من طلب الزيارة؛ حيث يتاح ذلك إلكترونيًا من خلال موقع الوزارة، التي ترد على الطلب بتحديد موعد.

 

يُستقبل الزائرون المصرح لهم، ويتم التفتيش والتأمين باستدعاء إلى الاستراحة بطاقة استيعابية 1700 فرد، كما أن إدارة المراكز الداخلية، وعددها 6 مراكز، يوضع بها النزلاء، تتم إلكترونيًا، والبوابات تفتح إلكترونيًا من خلال غرفة إدارة مركزية.

 

ففي قلب الشكل الدائري الذي صمم به المركز، مركز الإدارة والتحكم، فكل مناحي التحكم والسيطرة والإدارة والمتابعة تتم إلكترونيًا.

 

والأهم من ذلك، كله أن النزلاء يتم فحصهم نفسيًا، واجتماعيًا، ودراستهم سلوكيًا، عبر متخصصين من علماء النفس والاجتماع، بهدف الوقوف على أفضل برامج الإصلاح والتأهيل اللازمة لهم، وتحديد قدراتهم ورغباتهم لتوجيههم توجيهًا صحيحًا، لاستكمال التعليم، أو تعلم حرفة، أو غير ذلك، ففي المكتبة المركزية شاهدت سجناء أنهوا دراسة الماجستير خلال قضاء مدة العقوبة.

 

فالعمل هنا في هذا المركز، يجري بدقة وفق معايير علمية، يُراعي الجوانب النفسية، والاجتماعية، والتاريخ الإجرامي، والقدرات الفردية، لبناء برامج إصلاح سلوكي وتأهيل نفسي ومهني لبدء حياة جديدة.

 

فليس كل النزلاء سواء، هناك نزيل يقضي عقوبة مدنية، وآخر جنائية، وهناك متعاطي المخدرات، الذي يذهب إلى مصحة متخصصة داخل المركز في الاستشارات وعلاج الإدمان، والتي تعمل بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإدمان بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

حضانات للأطفال 

 

وهناك من تقضي العقوبة، وهي حاضنة لطفل، وهنا أيضًا لهن معاملة خاصة، حيث تم إنشاء حضانة حديثة داخل المركز يتوافر بها ألعاب الأطفال ومربيات، فإذا كانت الجمهورية الجديدة تُراعي حقوق النزيل، فما بالنا بالطفل الذي لا ذنب له؟

 

جانب آخر مضيء تمثل في مراعاة الجانب الروحي، من خلال إقامة مسجد، وكذا مصلى كنسي، يُستدعى له قساوسة من دير وادي النطرون للإرشاد الديني، وتمكين النزلاء من أداء شعائرهم الدينية، ولقد زرت ذلك المصلى الكنسي، وشاهدت سعادة نزلاء كانوا في سجون تقليدية قديمة لا تتوافر بها ذلك، ومنهم من لم يصلِ مع رجل دين من سنوات.

 

إصلاح جذري حقيقي يُحسب للجمهورية الجديدة ووزارة الداخلية، ففي كل زنزانة يقيم عدد من النزلاء، في مساحة يُراعى بها الشروط القياسية، ولكل نزيل سرير خاص، وداخل كل زنزانة شاشة تليفزيون كبيرة، تعرض عليها مواد فيلمية تُسهم في التأهيل النفسي والإصلاح السلوكي وفق طبيعة هؤلاء النزلاء المقسمين فئات، وفق دراسات علمية.

 

هذا المركز يستوعب ١٩ ألف نزيل، بمعنى أنه سيسهم في إغلاق ١٢ سجنًا عموميًا بعدد من المحافظات، يمثلون 25% من سجون مصر، بينها ليمان طرة، وسجن الإسكندرية ودمنهور والزقازيق وغيرها، لينهي معاناة نزلاء تلك السجون التقليدية بمساوئها البيئية التي فرضتها ظروف إنشائها، وإحاطة العمران بها.

 

ومن ثم مع إنشاء مراكز أخرى تتلاشى السجون، ومع العفو الشرطي والرئاسي خلال عام عن 30 ألف سجين، تتقلص الكثافة، ومع الإصلاحات الاجتماعية والتوعية تتراجع معدلات الجريمة. 

 

تحية للجمهورية الجديدة، التي حوّلت السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل، تُراعي حقوق الإنسان وكرامته، حوّلتها من عبء إلى وحدات إنتاجية، تحت إدارة قطاع الحماية الاجتماعية بوزارة الداخلية.

 

تحية لسيادة اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، وقيادات الوزارة، العاملين على إنفاذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، المؤمنين بضرورة وجدوى الفلسفة العقابية الحديثة، فقد لاحظت في قيادات مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، تعاملهم بود مع النزلاء، إدراكًا منهم أن مهمتهم، العمل على إصلاح سلوكهم وتأهيلهم للعودة أفرادًا صالحين في مجتمعهم، لبدء حياة جديدة يُساهمون فيها في رعاية أسرهم وخدمة أنفسهم ووطنهم.

 

لا يفوتني أن أحيطكم علمًا، بأن هذا المجتمع المتكامل، تم إنجازه في غضون 10 أشهر فقط، منذ بدء الإنشاءات إلى بدء التشغيل، إنها الرؤية والقدرة الشاملة للجمهورية الجديدة.. جمهورية الاستراتيجيات الوطنية، والإنجازات الفعلية.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز