عاجل
الجمعة 6 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
باريس الساحرة

حكايات مصيرية

باريس الساحرة

ارتبطت العاصمة الفرنسية باريس طوال العقود الماضية بصورة ذهنية رائعة عند الشعوب في مختلف دول العالم فعندما تذكر باريس أو عاصمة النور يتبادر إلى العقل  الجمال والموضة والعطور والأناقة والرشاقة.



ولم يخطر ببال أحد أن تهتز هذه الصورة بشكل يصل لحد التدمير خلال حفل افتتاح أولمبياد باريس ٢٠٢٤ والذي أقيم يوم الجمعة الماضي، وشهد عرض لوحة العشاء الأخير بشكل ساخر وهو ما أ غضب الملايين حول العالم، سواء من المسيحيين أو المسلمين، نظرا لطابع السخرية والاستهزاء من رمز ديني مقدس ألا وهو السيد المسيح.  

والتي اعتبرها الملايين ممن شاهدوا حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، إهانة فرنسية للرموز الدينية المقدسة وعدم احترام مشاعر عشرات الملايين وتبرير اللوحة الساخرة على أن هذا شيء من صميم الثقافة الغربية التي تؤمن بالحرية خاصة فرنسا.

 وقد عرضت لوحةالعشاء الأخير في الافتتاح، بشكل ساخر وفاضح للسيد المسيح إذ استبدلوا صورة الحواريين التلاميذ الاثني عشر بازدراء وإهانة عن طريق تصوير السيد المسيح عليه السلام بامرأة ممتلئة اللحم تلبس طوقا فضيا يشبه هالة القداسة المستخدمة في صور الأيقونات ومعها مجموعة من رجال يلبسون ملابس النساء.   فضلا عن تصوير العجل الذهبي الذي ورد في قصة موسى وهارون مع السامري والفرسان الأربعة الذين وردوا في سفر رؤيا يوحنا.. إضافة لإهانة رموز الأديان الأخرى والمعتقدات تحت مسمى حرية التعبير. ولم تكن هذه الصورة السقطة الوحيدة في حفل افتتاح الحدث الرياضي  الأكبر عالميا بل شهد ما هو أسوأ، وهو الترويج للمثلية الجنسية والتي تضمنته اللوحة في محاكاة ساخرة وتقليد للوحة الفنان الإيطالي “ليوناردو دافنشي”، والتي رسمها في العام 1498. فقد حملت اللوحة أيضا أفرادا من مجتمع الميم ومجموعة شواذ ومتحولين جنسيًّا، في إشارة إلى تسامح السيد المسيح مع الجميع، وهو أشبه بدس السم في العسل، من خلال إسقاط سماحة المسيح وقبوله لكل الخطاة حتى ولو كانوا من المثليين أو المتحولين جنسيا، وبما يحمله من إيحاءات بفرض قبول هذه الاختيارات والقناعات الفردية على الجميع من البشر. 

بل وتضمنت اللوحة أيضا طفلا صغيرا في ترويج للبيدوفيليا والتسامح معها وقبولها، أي قبول استغلال الأطفال جنسيًّا أيضا.

لوحة العشاء الأخير الساخرة في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، والتي تضمنت الترويج للمثلية الجنسية، واعتمادها وتأصيلها وترسيخها، فمن يحمل الشعلة، التي طالما ظلت تحملها امرأة، رجل متحول جنسيا، ومن يرقص بملابس نسائية عارية، هو رجل بلحية. وهو ما أشعل غضب المؤسسات الدينية في العالم وقد أصدر كل من الأزهر الشريف والكنيسة المصرية بيانات لإدانة هذا الهزل والتلاعب بالرموز الدينية، قد أعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، عن استيائها واستنكارها البالغين،  وأكدت أنه من المؤسف أن الطريقة التي قُدِم بها هذا المشهد تحمل إساءة بالغة لأحد المعتقدات الدينية الأساسية التي تقوم عليها المسيحية.

وتابعت: من العجيب أن نرى هذا المشهد في افتتاح الأولمبياد، في الوقت الذي تتعارض فيه مثل هذه الأفعال مع ميثاق الأولمبياد والقيم الأساسية المعلنة له، التي تدعو إلى احترام المبادئ الأخلاقية العالمية الأساسية، وقيمة تقديم القدوة الحسنة، واحترام الجميع دون تمييز، وهو ما رأينا عكسه في حفل الافتتاح المذكور، في سبيل دفع أجندات فكرية بعينها تخدم تيارات لا علاقة لها بالرياضة، التي ينبغي أن تجمع، لا أن تفرِّق.

وأشار إلى أن هذه الإساءة تستدعي اعتذارًا واضحًا وجادًّا من الهيئات المنظمة لأولمبياد باريس 2024، لكل المسيحيين الذين استاؤوا من هذا المشهد المؤسف، الذي شاب ما كنا نظن أنه عرس رياضي عالمي من شأنه أن يدخل الفرح والبهجة على قلوب جميع المشاركين والمشاهدين، مع ضمانات كافية لعدم تكرار مثل هذه التصرفات المسيئة.

وقد جاء بيان الأزهر أيضًا بنفس المعني الرافض لأي إساءة للرموز الدينية وقد جاء  فيه: "يُدينُ الأزهر الشَّريف هذه المشاهد التي تَصَدَّرتْ افتتاح دورة الألعاب الأولمبيَّة بباريس، وأثارت غضبًا عالميًّا واسعًا، وهي تُصَوِّرُ السَّيِّدَ المسيح عليه السَّلام في صورة مُسيئة لشخصِه الكريم، ولمقام النُّبوَّةِ الرَّفيع، وبأسلوبٍ همجيٍّ طائشٍ، لا يحترم مشاعرَ المؤمنينَ بالأديان، وبالأخلاق والقِيَمِ الإنسانيَّة الرفيعة.

ويُؤكِّدُ الأزهر رفضه الدَّائم لكُلِّ محاولات المساس بأيِّ نبيٍّ من أنبياءِ الله، فالأنبياء والرُّسُل هُم صفوة خلق الله، اجتباهم وفضَّلَهم على سائرِ خلقِه ليحملوا رسالة الخير للعالمين، ويُؤمن الأزهر ومِن خلفِه ما يَقرُب من ملياري مُسلم بأنَّ عيسى عليه السلام هو رسول الله ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ [النِّساء: 171]، وسَمَّاه الله في القرآن الكريم: ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: 45]، وَعَدَّهُ مِن أُولي العَزم من الرُّسُل، ويُؤمن المسلمون بأنَّ الإساءة إليه عليه السلام أو إلى أيِّ نبيٍّ من إخوانِه عليهم السَّلام؛ عارٌ على مُرتكبي هذه الإساءة الشَّنيعة ومن يَقبلونها.

ويحذِّر الأزهر العالَم من خطورةِ استغلالِ المناسبات العالميَّة لتطبيع الإساءة للدِّين، وترويج الأمراض المجتمعيَّة الهدَّامة والمخزية كالشذوذ والتحول الجنسي، ويُنادي بضرورة الاتِّحاد للتَّصدِّي في وجْه هذا التيَّار المنحرف المتدنِّي، الذي يستهدف إقصاء الدِّين، وتأليه الشَّهوات الجنسيَّة الهابطة التي تنشر الأمراض الصِّحيَّة والأخلاقيَّة، وتفرض نمط حياة حيوانيَّة تُنافي الفطرة الإنسانيَّة السَّليمة، وتستميت في تطبيعِه وفرضه على المجتمعاتِ بكلِّ السُّبُل والوسائل الممكنة وغير الممكنة".

وقد شهدت فرنسا عقد مؤتمر الأساقفة الفرنسيين الذين أعربوا عن رفضهم كل ما تضمنته الحفل من استهزاء وسخرية من مشاعر الملايين حول العالم.  

والحقيقة أن هذه الغضبة الشرسة قد أجبرت اللجنة المنظمة على الاعتذار وحذف حفل الافتتاح من  على مواقع يوتيوب.

ولكن اللافت في الأمر أن السنوات الأخيرة شهدت العديد من الإساءات للشرائع السماوية من رسوم مسيئة للنبي ﷺ وتجسيد المسيح علية السلام وترويج لحقوق الشواذ في الملاعب الفرنسية والدفاع عن التحول الجنسي.. في حين نجد أن هناك حملات تجريم للحجاب في الشوارع، وهو ما يظهر مدى الخلل الفطري والفكري في مجتمع طالما تغنى بالحرية دون أن يعلم أن حريته لا تعني التعدي على حرية الغير والإساءة إليه.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز