عاجل
الثلاثاء 6 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

آخرها حرب غزة.. مواقف تكشف الوجه الآخر للأولمبياد

طرح المحلل الجيوسياسي "جورجيو كافييرو" عدة أسئلة بشأن الألعاب الأولمبية أولها هل هناك معايير مزدوجة في بطولة الألعاب الأولمبية؟ وهل تم منع الرياضيين الروس والبيلاروسيين من المشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس بينما تحصل الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل على تصريح مجاني ويتعرض الرياضيون الصينيون للتنمر في وضح النهار؟ مؤكدًا أنه لا عجب إذن أن يطلق على الحدث "أسوأ دورة أولمبية على الإطلاق".



 

أوضح المحلل، خلال مقاله على موقع "The Cradle" الناطق بالإنجليزية، أنه تُحتَفَل بالألعاب الأولمبية باعتبارها حدثاً رياضياً دولياً، بعيداً عن السياسة، يوحد الناس من كل أنحاء العالم. ولكن في واقع الأمر، كانت السياسة تلقي بظلالها دوماً على المبارايات، التي اتسمت بالفضائح والاحتجاجات والمقاطعات ــ وفي حالة روسيا والصين المضيفتين السابقتين، كانت الاتهامات الموجهة هي بـ"تبييض السمعة الرياضية".

 

الانحياز لإسرائيل

 

 

ولفت كافييرو إلى أن الدلالات السياسية هذا العام كانت واضحة بشكل خاص، مع تطبيق معايير مزدوجة مقلقة للغاية على إسرائيل.

وتم استبعاد الرياضيين من روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في ألعاب باريس تحت أعلامهم الوطنية بسبب دورهم في الصراع في أوكرانيا، فلا يمكنهم المشاركة إلا تحت راية محايدة. ولكن على الرغم من الإبادة الجماعية التي تبثها تل أبيب مباشرة في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية، لم يُمنع أي رياضي إسرائيلي من المشاركة تحت علم دولة الاحتلال.

وأكد المحلل أن الدعوات العالمية لاستبعاد إسرائيل من الألعاب الأولمبية هذا العام لم يهتم بها على الإطلاق، على الرغم من حقيقة أن محكمة العدل الدولية وجدت في يناير الماضي أنه من "المعقول" أن إسرائيل مذنبة بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وفي الشهر التالي، قدرت منظمة العفو الدولية أن "إسرائيل فشلت في اتخاذ حتى الحد الأدنى من الخطوات للامتثال" لأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ "تدابير فورية وفعالة" لحماية الفلسطينيين في غزة من مخاطر الإبادة الجماعية.

وأشار المحلل إلى إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في مايو الماضي، أنه طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع يوعاز جالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة، فضلا عن تأكيد محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة في الأمم المتحدة، في رأي استشاري الشهر الماضي أن سيطرة إسرائيل على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ترقى إلى مستوى الفصل العنصري.

 

تجاهل جبال من الأدلة

 

وشدد كافييرو أنه على الرغم من الأدلة القوية التي تثبت أن إسرائيل جهة مارقة تنتهك بشكل صارخ المبادئ الأساسية للقانون الدولي، إلا أن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ رفض طلبًا من اللجنة الأولمبية الفلسطينية بمنع إسرائيل من المشاركة في الألعاب.

وأبرز المحلل تشديد رسالة اللجنة الأولمبية الفلسطينية إلى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية على أن الرياضيين الفلسطينيين، وخاصة الموجودين في غزة، محرومون من المرور الآمن وعانوا بشكل كبير بسبب الصراع المستمر، لكن جاء رد باخ برفض الانجرار إلى "الأعمال السياسية".

كما عارض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منع إسرائيل، حتى مع زعم أصوات مثل توماس بورتس، عضو البرلمان الفرنسي من حزب فرنسا الأبية اليساري، أن إسرائيل يجب أن تواجه نفس العقوبات التي تواجهها روسيا وبيلاروسيا.

ونقل كافييرو كلمة ألقاها بورتس في تجمع حاشد الأسبوع الماضي، وإعلانه أن الوفد الإسرائيلي "غير مرحب به في باريس" وأن "الرياضيين الإسرائيليين غير مرحب بهم في الألعاب الأولمبية في باريس". وأضاف النائب: "يجب على الدبلوماسيين الفرنسيين الضغط على اللجنة الأولمبية الدولية لمنع رفع العلم والنشيد الإسرائيلي، كما حدث مع روسيا".

وكان من المتوقع أن تلقى تصريحات بورتيس ردود فعل عنيفة، على الرغم من أن مشرعين فرنسيين آخرين مثل أوريليان لو كوك، وجيروم ليغافر، ومانويل بومبارد دافعوا عن بورتيس.

ولكي نضع الجرائم الإسرائيلية في نصابها الصحيح، فإن الجيش الإسرائيلي كان مسؤولاً عن مقتل 39363 شخصاً على الأقل وإصابة نحو 90923 آخرين في أقل من عشرة أشهر. ومن بين القتلى ما لا يقل عن 15 ألف طفل. وفي تقرير صادم نُشر في المجلة العلمية "ذا لانسيت" في الخامس من يوليو/تموز، قدر الأطباء وخبراء الصحة العامة أن هجوم إسرائيل على قطاع غزة قد يؤدي إلى مقتل ما بين 149 ألفاً و598 ألف فلسطيني إذا ما انتهى الهجوم فورا.

ونوه المحلل إلى أن أجزاء كبيرة من غزة أصبحت أرضاً لا يملكها أحد. وبالمقارنة، ووفقاً لبعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا، بلغ عدد القتلى المدنيين في العامين الأولين من الحرب في أوكرانيا 10582 قتيلاً. وفي حين أن الغضب إزاء المعاناة الإنسانية في أوكرانيا مبرر، فمن الصعب الزعم بأن روسيا وبيلاروسيا تستحقان الحظر، وأن إسرائيل لا تستحقه.

ونقل كافييرو قول الدكتور عسل راد، الباحث في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، لصحيفة ذا كرادل: "إن المفارقة هنا هي أن إسرائيل متميزة بقدرتها على التصرف دون عقاب. إن جرائم إسرائيل في غزة وحشية وواسعة النطاق، بما في ذلك الإبادة الجماعيةــ أسوأ جريمة يمكن ارتكابها ضد الإنسانية ــ ومع ذلك لم تواجه إسرائيل أي عواقب. بل على العكس، قدمت الولايات المتحدة المزيد من الأسلحة والأموال لإسرائيل لمواصلة ارتكاب الفظائع على الرغم من الغضب العالمي. وبذلك، أظهرت الولايات المتحدة عبثية النظام الدولي من خلال جعله أداة للقوة بدلاً من العدالة أو الإنصاف".

القيم الأولمبية أم القيم الغربية؟

يؤكد الميثاق الأولمبي أن الألعاب تهدف إلى تعزيز أسلوب حياة يقوم على "احترام حقوق الإنسان المعترف بها دولياً والمبادئ الأخلاقية الأساسية العالمية". إن السماح لإسرائيل بالمشاركة يجعل هذا الميثاق محل استهزاء، وفق المحلل.

وأشار كافييرو إلى أن استبعاد إسرائيل من الألعاب الأولمبية لأنها دولة تمارس سياسة الفصل العنصري لن يكون بلا سابقة تاريخية، إذ أدى انتهاك جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري للميثاق الأولمبي إلى منع البلاد من المشاركة في الألعاب في عامي 1964 و1968، قبل طردها بالكامل في عام 1970. وفي عام 1972، منعت اللجنة الأولمبية الدولية الفريق الذي يمثل روديسيا قبل استبعاده في عام 1976.

وتقول الصحفية اللبنانية غادة عويس لصحيفة "ذا كرادل" ​​إن عدم رغبة اللجنة الأولمبية الدولية في تحميل إسرائيل نفس المعايير المطبقة على الدول الأخرى يعكس "النفاق الغربي في أبهى صوره".

ويضيف الدكتور راد: "لقد كانت المعايير المزدوجة الغربية واضحة للعيان على مدى الأشهر العشرة الماضية تقريبًا، حيث مُنحت إسرائيل حصانة كاملة في حربها على غزة. إن القرار بحظر روسيا وبيلاروسيا مع السماح لإسرائيل بالمنافسة هو مثال آخر على هذا النفاق".

وأكد راد: "مهما كانت آراؤك بشأن السياسة والرياضة أو منع الرياضيين من المنافسة، فإن القضية هنا هي أن القواعد لا تنطبق بالتساوي على جميع الحالات. فروسيا تُحاسب لأنها عدو للولايات المتحدة الأمريكية، في حين تخضع إسرائيل لمعايير مختلفة لأنها حليفة. وتساهم هذه المعايير المزدوجة في تقويض الأنظمة ذاتها التي يدافع عنها الغرب غالبًا بأقواله وليس بأفعاله".

ايكيشيريا (الهدنة الأولمبية)

أبرز المحلل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس في 26 يوليو بعرض احتفالي مثير للجدل اعتبره كثيرون استهزاءً بالمعتقدات الدينية. وتضمن المشهد المذكور ممثلات متحولات جنسياً ولوحة فسرها البعض على أنها محاكاة ساخرة للوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دافنشي. ونفى المنظمون هذا التفسير، زاعمين أن المشهد المصور مستوحى من الأساطير اليونانية للاحتفال بالتنوع والمأكولات الفرنسية.

وقد أثار هذا التصوير غضبًا وإدانة من جانب العديد من الزعماء والجماعات الدينية في جميع أنحاء العالم. ووصف الأزهر الشريف هذا العرض بأنه "مهين" و"بربري"، محذرًا من استغلال الأحداث العالمية لتطبيع الإهانات للدين والترويج لما أسماه "أمراض مجتمعية مدمرة".

ونقل المحلل أيضا إدانة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العرض ووصفته بأنه "إهانة خطيرة" للمعتقدات المسيحية ودعت إلى اعتذار رسمي من المنظمين. كما انتقد مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس الأساقفة الكاثوليك في الأراضي المقدسة، ومجلس حكماء المسلمين العرض.

وردًا على ردود الفعل العنيفة، أصدر منظمو أولمبياد باريس 2024 اعتذارًا، مؤكدين أن النية لم تكن إظهار عدم الاحترام بل تعزيز التسامح المجتمعي والإدماج.

وأكد المحلل أنه مع ذلك يبدو أن الحديث عن "الإدماج" أو "الاستبعاد" أمر شخصي للغاية في اللجنة الأولمبية الدولية - ما يسمح لدولة الفصل العنصري مثل إسرائيل بالمنافسة في الحدث المرموق، مع استبعاد دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي اليوم نفسه الذي أقيم فيه حفل الافتتاح، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش جميع الدول على "إلقاء أسلحتها" واحترام روح الهدنة الأولمبية.

جدير بالذكر، أن الهدنة الأولمبية (إيكيشيريا) هي تقليد يوناني قديم جددته اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1992 وأعيد تأكيده في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتطالب الهدنة بوقف جميع الأعمال العدائية في جميع أنحاء العالم قبل سبعة أيام من الألعاب الأولمبية والبارالمبية، ولا تستأنف إلا بعد سبعة أيام على الأقل من انتهاء الحدث.

لكن بالنسبة لأهل غزة الأيتام والجوعى والنازحين والأرامل والمقطّعين والمصابين بصدمات نفسية، فإن خطاب جوتيريش النبيل حول "السلام للجميع" لا يمكن أن يكون أكثر انقطاعًا عن نضالاتهم اليومية في ظل المذبحة الإسرائيلية عالية التقنية التي تجعل قطاع غزة غير صالح للسكن، بحسب ما ذكره كافييرو.

ورأى المحلل أن إظهار اللجنة الأولمبية الدولية لامبالاة بحياة الفلسطينيين ليس سوى تذكير جديد بفشل المجتمع الدولي في الدفاع عن الفلسطينيين. ومن المؤسف أن نرى اللجنة الأولمبية الدولية بعد عشرة أشهر تقريباً من السلوك الإجرامي الإسرائيلي في غزة، أن رياضييها يستطيعون الوصول إلى باريس والتنافس تحت العلم الإسرائيلي وكأنهم يمثلون دولة عادية.

وأشاد كافيير بانسحاب الرياضيين من المباريات ضد الخصوم الإسرائيليين، ردا على رفض اللجنة الأولمبية الدولية التمسك بتقاليدها الخاصة في الهدنة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز