عاجل
الإثنين 5 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة قصيرة : قتالين القُتـلة! 

قرروا فيما بينهم الذهاب إلى طريق "قتالين القتلة"  كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم أن تلك الأسطورة التي يرويها الأجداد هي محض كذب وتهويل، وغايتهم من ذلك ألا يذهب أحد إلى حقولهم ليلا فيعبث بها... 



 

اجتمع الثلاثة على كوبري قرية بني صامت التابعة لمركز بني مزار بالمنيا، وكان الجو شتاء قارص، واتفقوا فيما بينهم على أخذ كل ما يلزمهم لتكتمل السهرة على نحو أمثل، الشيشة والشاي والفحم، وكان الميعاد في تمام العاشرة مساء.. 

في الموعد كانوا على  طريق "قتالين القُتلة"  تلك خطوة لم يجرؤ على فعلها جبابرة بني صامت من قبل، فهل يجرؤ عليها ثلاثة فتيان في مقتبل حياتهم؟ بهذا الخاطر تحدثت نفس كل منهم لكن أيًا منهم لم يفصح لصاحبه... 

 ها هم يصلون إلى النخلتين ويمرون عليهما، لم يستطع أن يخفي ثلاثتهم الرعب الذي دب في أوصالهم وهم يمرون، إلا أنهم تظاهروا بالشجاعة. على مقربة من النخلتين بدا كوخا صغيرا  كان مقصدهم، فرشوا متاعهم وقسموا الأعمال.. مصطفي يعد الشاي وخالد يُشعل الفحم وإسماعيل يعقم الشيشة ويرص حجرين... 

كانت الليلة تسير في نسق بديع.. وكانت من أمتع لياليهم حتى الساعة الواحدة ليلا فبينما هم يتضاحكون وتسري أصداء أصواتهم تشق ليل الشتاء القارص إذ بهم يسمعون صراخا مخيفا يأتي من ناحية النخلتين، صراخا يصم الآذان، إلتَفت كل منهم إلى صاحبه والزعر قد تملكه من رأسه حتى قدميه، ولسان حالهم يقول

الأسطورة حقيقية، صدق الأجداد والآباء، خرجوا ليتحسسوا أمر الصراخ فشاهدوا أمر مريعا... شاهدوا جثة تسيل منها الدماء تسقط من فوق النخلة، وثلاثة جثث افترشوا الطريق، وصوت دوي طلقات رصاص لا يعرفون مصدره... المشهد يتكرر أمامهم بصورة مرعبة...

 وما زاد من رعبهم أنه ليس هناك طريقا للعودة إلا بالمرور من فوق الجثث بجوار النخلتين وبرغم هذا أطلقوا العنان لأرجلهم لتسارع الريح، ولم يتوقفوا إلا على مشارف القرية وأصوات دقات قلوبهم كطبول الحرب... 

 

لم يمر هذا الحدث مرور الكرام فقد أصيب أحدهم بصدمة عصبية وفقد الآخر النطق لمدة أسبوع كامل، أما الثالث فكان لا يكف عن ترديد جملة

حقكوا عليا... إحنا آسفين يا صلاح... 

الجدير بالذكر أنهم تيقنوا بأنفسهم من صدق الأسطورة، والشقي من اتعظ بنفسه  والسعيد من اتعظ بغيره... وتمر أعوام عديدة على تلك الواقعة، ويتصادف حضورهم لعرس سيد البهنساوي أحد أعيان بني صامت، وما أن يجتمع ثلاثتهم حتى يتذكرون تلك الواقعة ويجهشون بالضحك، لكن تلك المرة لم يُكملوا ضحكهم، فقد عاجلهم عم بنهساوي وهو يضحك، وكان رجلا يعشق المرح ويتفنن في رسم الألغاز

بصوا يا افنديه... هناك أمر كنت أكمته عنكم طيلة أعوام، ولم يبق في العمر الكثير، أتذكرون ليلة طريق "قتالين القُتلة"؟  وما حدث لكم، لم يكن هناك جثث ولا يحزنون، وهي مجرد خُرافة أطلقها الأجداد.. 

من حقكم ألا تصدقونني فقد كنا عباقرة في رسم المشهد، سمعناكم يوم اتفاقكم وعلمنا بما تنون فعله، وكما كنتم تحبون المغامرة فكما تعلمون أني أعشق الضحك ولم نجد أنا واصدقائي أفضل منكم صيدا لخلق أجواء الفرفشة والأنس.... ما زلتم لا تصدقون.. قالها وأخرج من جيبه كوفية زرقاء وأعطاها لمصطفى وهو يردد، خطفتها من رقبتك وأنت تسارع الريح... 

أنا من بين الجثث الذي أطلقت صرخة

قيده يا رفاعي...  فصمت ثلاثتهم وكأن على رؤوسهم الطير فقد صم الصراخ آذانهم

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز