أيمن عبد المجيد
تحدي الهوية والعدالة التنموية
من الميدان إلى اللجان (3)
سارت مصر على الأشواك حافية القدمين، ثلاث سنوات، من الاضطرابات الأمنية، والتحديات السياسية، والهزات الاقتصادية، والتحديات المصيرية، لنسيج المجتمع وبنيان الدولة.
كان أول التحديات يكمن في الاستجابة الإيجابية، لحالة السيولة، التي خلفتها الانتفاضة الشعبية في الخامس والعشرين من يناير 2011، ثم وصولها للثورة العارمة المطالبة بإسقاط النظام في جمعة «الغضب».
خلق تلاطم الأمواج البشرية الغاضبة، طبقة من الزبد، تخفي أسفلها مستهدفي بنيان الدولة الوطنية، بدا ذلك ظاهرًا بكل وضوح في الاستهداف المنظم في توقيت واحد لأقسام الشرطة في كل المحافظات.
كان الهدف خلق حالة فراغ أمني، يسهل معه إشاعة الفوضى والخوف، بتهريب للسجناء الجنائيين، ستارًا لتهريب سجناء التنظيمات المتطرفة، يعقبه فراغ سياسي، يجد فيه لاعبو الخفاء موضع قدم في منظومة حكم جديدة.
كانت استجابة جيش مصر، ومؤسسات الدولة الاستخباراتية عالية الكفاءة، في مجابهة التحدي، فقد تولى الجيش في ساعات معدودات مهمة تأمين المحاور الاستراتيجية والمؤسسات والمواقع الحيوية، وبمعاونة شعبية حمى المواطنين أحياءهم وبيوتهم.
وسياسيًا لم تصل البلاد لحالة فراغ، ففي رأس السلطة، سلّم الرئيس الأسبق حسني مبارك- رحمه الله- البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تحمل مسؤولية العبور بالبلاد المرحلة الانتقالية.
قدمت مصر النموذج في الاستجابة الفعالة المتوازنة، بين إرادة الشعب، وحماية مقدرات الدولة ومواجهة التهديدات التي تصحب الهزات السياسية الزلزالية.
عادت الجماهير للمنازل، لكن توابع الزلزال السياسي استمرت، في صورة حشود، في «جُمَع» متوالية تحت مسمى «مليونية…»، كان فارقًا منها ما أسماه الداعون لها «جمعة الشريعة»، في حين أسماها شعب مصر «جمعة قندهار».
كانت جمعة قندهار، 29 يوليو 2011، فارقة في تطورات الثورة، وكاشفة لما يُحاك للوطن، ففيها خرجت التنظيمات المتطرفة، بقيادة الهاربين من السجون، ترفع شعارات تكفّر كل من يتمسك بمدنية الدولة، وتطالب بدولة «دينية».
وبالتزامن مع تلك الحشود المُغيبة، هاجمت مجموعات إرهابية مسلحة، تستقل سيارات دفع رباعي ترفع رايات سوداء؛ قسم ثان العريش في سيناء، تصدت لها قوات الشرطة ببسالة، محبطة محاولة الاقتحام.
تلك الأحداث الكاشفة، سبقها بأيام تأكيد المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد، حرصه على إنهاء الفترة الانتقالية في أسرع وقت، لبلوغ الآلية الديمقراطية في دولة مدنية حديثة.
وما بين الدولة المدنية، والدولة الدينية، كان صراع الهوية، بين دولة نادى بها الشباب في الميدان، مطالبين بالإصلاح والتغيير، وتنظيمات متطرفة خططت للقفز على الحراك، لاختطاف الدولة أو أن يكون البديل التخريب والتدمير.
وما بين شعارات «قندهار» في ميدان التحرير، المطالبة بدولة دينية، والشباب الحالم بدولة ديمقراطية مدنية، كانت حقيقة الصراع الذي سبقه ما أسموه «غزوة الصناديق»، في الاستفتاء على الإعلان الدستوري.
تحديات الدولة الوطنية في سنوات السير على الأشواك:
١- صراع الهوية:
كان «صراع الهوية»، هو المعركة الحقيقية الأولى، التي وظف فيها التنظيمات الدينية، الحشد في الميدان، واللجان معًا لتحقيق مآربهم في السيطرة وتحويل هوية الدولة من وطنية جامعة يحكمها الدستور والقانون، إلى دولة يسيطر عليها تنظيمات متطرفة تتاجر باسم الدين.
وبدا ذلك المزج العازف على أوتار الدين، في الاستفتاء على الإعلان الدستوري في مارس 2011، والذي سعوا من خلاله إلى إقرار إجراء انتخابات مجلس النواب والشيوخ قبل صياغة الدستور، وأسموها «غزوة الصناديق»، لإدراكهم أنهم الأقدر على الوصول للبرلمان ومن ثم التحكم في اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، في ظل عجز القوى الحزبية والسياسية المدنية عن تنظيم صفوفها.
وقد كان ووصلوا للبرلمان وتحكموا في صياغة الدستور ووصلوا إلى مقعد الرئاسة بصعوبة، فلم تتجاوز نسبتهم 51%، بخداع قطاع ممن أسموهم شركاء الميدان.
ولم يستمروا سوى عام «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ».
٢- تحدي الإرهاب
استخدام الإرهاب في كسر إرادة الدولة الوطنية، ومحاولة استقطاع جزء من سيناء، عبر البنية التحتية الإرهابية التي بدأ وضع قواعدها منذ 2005، وتنامت في سنوات الانفلات الأمني والهروب الكبير من السجون، وما أعقبها من إعفاءات رئاسية في عام حكم الإخوان.
وقد بدأت المواجهة بالعملية «نسر»، التي واجهت خلالها القوات المسلحة والشرطة، التنظيمات الإرهابية في سيناء، في أغسطس 2011، وحتى «العملية الشاملة في سيناء»، التي اقتلعت الإرهاب من جذوره.
وخلال تلك السنوات، دفعت مصر أثمانًا باهظة من الدماء والشهداء، لتصل إلى مرحلة الأمن والاستقرار التي تعيشها الآن، والتأمين بنسبة 100٪ للانتخابات والاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
٣- تهديد النسيج الوطني
تعرض الأمن القومي لتهديد مصيري، تمثل في:
أ- تهديد مبدأ المواطنة، وظهر ذلك جليًا في حالة الاستقطاب الديني للتنظيمات المتطرفة، والاعتداء على الكنائس ودور العبادة.
ونجحت الدولة المصرية، في الحفاظ على هويتها، وإعلاء مبدأ المواطنة، ليأتي الرئيس السيسي معززًا لمبدأ المواطنة، عبر قانون دور العبادة، والمشاركة كأول رئيس في احتفالات الكاتدرائية بعيد الميلاد المجيد سنويًا.
ب- العدالة الاجتماعية أحد أهم التهديدات، غياب العدالة خاصة في ملف العشوائيات الذي أهملته حكومات عدة، فبات قطاع من المجتمع مهددًا في بيئة غير آمنة، غير صالحة لتنشئة جيل جديد، وهي ثغرة كانت تستثمر من الأعداء لتهديد السلم المجتمعي.
ونجحت الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القضاء على العشوائيات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ج- اختلال العدالة التنموية، انشغلت حكومات سابقة، في ظل تحديات اقتصادية، بالتنمية في العاصمة والمدن الكبرى، وأغفلت المحافظات الحدودية وريف وصعيد مصر.
هذا الخلل نتج عنه، حالة من السخط، وتفشي الفقر، وخلق بيئة سانحة للتحريض ضد الدولة ومؤسساتها، واستثمار ذلك في الانتخابات النيابية قبل 2013، وفي الانتخابات الرئاسية 2012.
تصدي الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لملف التنمية الشاملة والمتوازنة، عزز العدالة التنموية، فانتزع المواطن من مخالب قوى التحريض، وتحرر من استثمار التنظيمات المتطرفة لأوضاعه الاجتماعية انتخابيًا.
وانعكس مشروع «حياة كريمة»، وما سبقها من مشروعات على نسب التصويت في الانتخابات الرئاسية 2023.
وللحديث إن شاء الله بقية.