أيمن عبد المجيد
موشيه ديان خطط لانفصال سيناء بخنجر شيوخها.. فجاءه الرد لطمة تاريخية على مرأى ومسمع وسائل الإعلام الدولية
صفعة عمرها 56 عامًا لا تزال مدوية
فى مثل هذا اليوم قبل 56 عامًا، تحديدًا فى 31 أكتوبر 1968، كانت سيناء على موعد مع التاريخ، ليكتب رجالها المُخلصون صفحة ناصعة من الولاء والانتماء والاستعداد للتضحية بالروح والدماء لتظل مصر مُصطفة موحدة، لا تفقد ذرة واحدة من ترابها.
بين عشية وضحاها، وقعت سيناء، فريسة بين مخالب المُحتل الصهيونى، فالشمس التي غربت عنها فى الرابع من يونيو 1967، مُستقلة، بزغت فى اليوم التالى فوجدتها مُحتلة.
لم يُختبر المُقاتل المصري، تعرض لضربة جوية خاطفة، أجهزت على 80% من قدراتنا العسكرية، صدر قرار الانسحاب إلى الضفة الغربية، بدون خطة ولا مواجهة حقيقية، فظن العدو آثمًا أنه قوة لا تُقهر.
تضاعفت معاناة أهل سيناء، تحت الاحتلال، قطعت قواته خطوط إمداد السلع الغذائية القادمة من القاهرة، فبات منهم من لا يملك قوت يومه، يعيش على ما يتوافر من بيئته الصحراوية.
كان وقع الهزيمة صاعقا، لكن لم تفقد مصر إرادتها، أعلن الرئيس جمال عبدالناصر التنحى، بينما الشعب رفض الاستسلام، أمر القائد بمواصلة تحمل مسؤولياته، محددًا هدفه: لن نستسلم سنحارب، سنقاتل لتحرير الأرض.
خسرت مصر 80% من قدرتها العسكرية، لكنها لم تفقد إيمانها بقدراتها على عبور التحدى، استشهد الآلاف فى قصف غادر، وعاد آلاف الناجين من بين أنياب الموت، مجروحين نفسيًا، لأنهم لم يمنحوا فرصة القتال، عازمين على الثأر للشهداء.
لم تنقضِ ثلاثة أسابيع حتى بدأ الرد، قوة من الصاعقة المصرية، محدودة التسليح، واجهت رتلًا مدرعًا للعدو كان فى طريقه لاحتلال مواقع استراتيجية قريبة من رأس العش، فتكبد خسائر فادحة فى الأرواح والعتاد فى أول مواجهة مُباشرة، لتتوالى معارك الاستنزاف على مدار ألف يوم.
أدرك قادة الاحتلال أن الإرادة المصرية عصية على الانكسار، وأن شعب مصر، غير قابل للاستسلام، وأن المعركة الدبلوماسية لا تقل خطورة على بقائه من المواجهات العسكرية، فحاك المؤامرات ونسج المخططات للقضاء جذريًا على مساعى مصر لاستعادة سيناء.
انتهج موشيه ديان قائد جيش الاحتلال سياسة استقطاب أهالى سيناء، سكان البادية، أغدق عليهم بمستلزمات الحياة، من دقيق وغذاء، ووعود بحياة أكثر رفاهية، أصدر لأهل سيناء بطاقات هوية إسرائيلية، بذل كل ما يمكنه لكسب الولاء، ظنًا منه أنه يمكنه أن ينال من ولائهم لوطنهم.
عقب ثلاثة أشهر من الاحتلال، سعى ديان لتنفيذ مؤامرة هى الأخطر، تدويل شبه جزيرة سيناء وفصلها عن جسد مصر، حاول تقديم الإغراءات لمشايخ وعواقل سيناء، لدفعهم لإعلان انفصالهم عن مصر وطلب الحكم الذاتى، التقى شيخ مشايخهم البطل سالم الهرش.
عرض ديان على الشيخ سالم، تحويل سيناء إلى ولاية، يكون هو أميرها، وتطبع صورته على عملتها.
تواصل الشيخ سالم مع المخابرات الحربية المصرية، أطلعها على مؤامرة ديان، فطلبوا منه مجاراتهم وإيهامهم بالموافقة، فشدد عليهم: هل ستطبع صورتى على العملة؟ أكدوا: أجل أجل وستكون حاكمًا لسيناء!
سارع ديان لاستكمال مخططه، توسع فى نشاطه بين القبائل، بدأ الإعداد لمؤتمر عالمى، استدعى مخرجًا بريطانيًا يتولى تصوير الحدث، ودعا وسائل إعلام ووكالات أنباء عالمية لإطلاعهم على مفاجأة يعلنها مشايخ وعواقل سيناء.
اختار ديان منطقة الحسنة بوسط سيناء، مقرًا للمؤتمر،وعاصمة لولاية شمال سيناء المستهدف إعلانها، فالحسنة تتوسط شمال وجنوب سيناء، وبها أقدم التجمعات البشرية فى شبه الجزيرة.
فى خيمة كبيرة تم الإعداد للمؤتمر، وإليه قدم شيوخ وعواقل قبائل سيناء على ظهور جمالهم من كل أرجائها، فيما أحضر الاحتلال الشيخ سالم الهرش فى سيارة جيب عسكرية من مقر قبيلة البياضية فى بئر العبد التي تبعد عن الحسنة نحو 180 كيلومترًا.
كان ديان ينتظر اللحظة الحاسمة، فى ظل وجود الإعلام الدولى، تحدث قائد الاحتلال عن الخدمات التي قدموها لأهالى سيناء، مع وعود بمزيد من الرخاء.
وجاءت كلمة شيوخ القبائل الذين فوضوا الشيخ سالم الهرش للحديث باسمهم، وفق ما كان مخططًا له.
حبس المشايخ أنفاسهم، وانتظر ديان إلقاء قنبلة سياسية فى وجه مصر، ففى حال طلب المشايخ الانفصال، تسارع إسرائيل وأمريكا والدول الداعمة لهم بالاعتراف بدولة أو إمارة سيناء، ومن ثم تضعف حجج مصر فى الأمم المتحدة بأن سيناء أرض محتلة.
قال الشيخ سالم موجهًا حديثه إلى مشايخ وعواقل سيناء الحاضرين: هل ترتضون ما أقوله باسمكم؟ أجابوا: نعم نرتضى.
فوجه الشيخ سالم حديثه إلى موشيه ديان وقادة الاحتلال: أنتم نعم قدمتم لنا العون ووزعتم علينا الدقيق والمعونات لا ننكر ذلك، لكنكم دولة احتلال والاحتلال إلى زوال.
ساءت وجوه ديان ورفاقه، قبل أن يواصل الشيخ سالم صفعته المدوية عالميًا للاحتلال الذي حشد مندوبى الوكالات ووسائل الإعلام الدولية: نحن مصريون ولن نقبل أن نكون غير مصريين.
وواصل صفعاته للاحتلال: أما أرواحنا فهى زاهقة لله كمصريين، وباطن الأرض أولى بنا من ظاهرها إن ارتضينا غير ذلك.
وبنبرة حاسمة قالها الشيخ سالم واضحة: سيناء مصرية وأهلها مصريون حتى النخاع، ولا نملك التفريط فى حبة من رمالها، ومن يريد التفاوض بشأنها فعليه أن يذهب إلى جمال عبدالناصر رئيس جمهورية مصر العربية.
ويؤكد الشيخ سالم: أنتم احتلال ومصيركم إلى زوال.
علامات القلق على وجوه بعض المشايخ تحولت إلى سعادة بموقفهم الذي عبر عنه شيخ مشايخهم، لكنها السعادة الممزوجة بالقلق على حياته، بينما تحولت سعادة ديان وهو يفتتح المؤتمر إلى خيبة أمل ورغبة فى الانتقام بعد أن نجحت مصر فى استخدامه لحشد وسائل إعلام العالم ليؤكد أهل سيناء مصريتها وأن الاحتلال إلى زوال.
انفض المؤتمر، لم يستطع الاحتلال اعتقاله أمام وسائل إعلام العالم وإلا تضاعفت آثار الصفعة، وما هى إلا لحظات من خروجه حتى اختفى، بحثوا عنه فى كل مكان فلم يعثروا له على أثر، نفذت المخابرات المصرية، خطة تأمين البطل الأسطورى، استشاط ديان غضبًا مع توالى الصفعات.
نقلت المخابرات المصرية الشيخ سالم وعائلته، إلى الأردن عبر خليج العقبة، واستقبله الملك حسين وأكرمه، وأرسلت القيادة المصرية طائرة خاصة نقلته وعائلته إلى القاهرة، ليكرمه الرئيس جمال عبدالناصر باسم شعب مصر.
واصل أبطال سيناء المتعاونون مع مؤسسات الدولة جهادهم فى مواجهة المحتل حتى عاد الهرش ورفاقه إلى سيناء محررة من دنس المُحتل.
وعلى خطى بطولات الأجداد، يسير الأبناء والأحفاد، فى معركة التطهير من الإرهاب والتعمير، والتصدى لمخططات تهجير الأشقاء الفلسطينيين إلى سيناء.
بطولة الشيخ سالم، انعكاس لبطولات شيوخ قبائل وعواقل سيناء، ونموذج لبطولات عظيمة سطرها شعب مصر، وأهالى أرض الفيروز، أطفال وشباب ورجال، ونساء، ومنهم المجاهدة فرحانة التي نقلت خرائط مطار الجورة إلى المخابرات الحربية، والحاجة صابحة، ومئات الأبطال الذين كانوا رادارات بشرية ترصد تحركات العدو، وحاضنة شعبية لرجال الصاعقة والمخابرات العسكرية خلف خطوط العدو حتى تحقق النصر.
كان الشيخ سالم بطلًا من طراز فريد، واجه الاحتلال فى ظل سطوته، وأمام وسائل إعلام العالم، وكانت الدولة المصرية على قدر المسؤولية فنجحت فى تأمينه، ونجحت فى حشد قدراتها لتحقيق الانتصار.
تكررت مؤامرة فصل سيناء عن مصر، عقب عام ٢٠١١، باستخدام سلاح جديد، وهو مجموعة من الإرهابيين الذين حاولوا تأسيس ما سمى بولاية سيناء، ردًا على ثورة ٣٠ يونيو التي حافظت على الهوية الوطنية، لكنها سيناء بأبطال مصر من الشعب والجيش، كما هى على مدار التاريخ مقبرة للغزاة والأعداء.
الصفعة التي تلقاها العدو منذ 56 عامًا لا تزال مدوية حتى الآن، وتتوالى الصفعات المحبطة للمؤامرات، فالأحفاد يواصلون بطولات الأجداد، يقف شعب مصر وجيشه ومؤسساته كالبنيان المرصوص.
أحدث تلك الصفعات التي وجهتها الإرادة المصرية، للصهاينة، إحباط مخطط تهجير الأشقاء الفلسطينيين إلى سيناء، وقبلها اقتلاع الإرهاب من جذوره، وما بينهما الإنجازات التنموية واصطفاف أهالى سيناء خلف القيادة السياسية.
ولا تزال الصفعات مدوية لتنبيه الأجيال إلى تضحيات الأبطال بقدسية سيناء المعطرة بدماء الشهداء.
ويظل الاصطفاف الشعبى، والوعى والعلم والعمل الطريق لعبور كل التحديات وتواصل البطولات.
فى كل يوم من أيام مصر على امتداد تاريخها بطولات تستوجب الاستدعاء لوضع المزيد من اللبنات فى حصون الوعى والانتماء لأجيال أكثر عرضة لاستهداف العدائيات.
حفظ الله مصر