عاجل
الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الانتخابات الرئاسية 2024
البنك الاهلي
عندما سارت مصر على الأشواك حافية القدمين

من الميدان إلى اللجان.. قراءة تحليلية في العشرية الإصلاحية 2

عندما سارت مصر على الأشواك حافية القدمين

سارت مصر حافية القدمين، على الأشواك، ثلاث سنوات، في طريقها إلى «العشرية الإصلاحية»، للانتقال من التعبير الغاضب عن الإرادة عبر الميدان، إلى التعبير الناضج عبر صناديق اللجان.



 

وفي بعض الخروج للميادين خير، وبعضه شر، والفيصل بينهما الأسباب والأهداف، والمخاطر، والتأثيرات، المُستثمرة لحالة الحراك للتحكم في درجة حرارة معادلة التفاعل، لتحديد طبيعة النتائج ودلالاتها.

 

شهدت مصر نماذج عدة للخروج للميادين خلال «العشرية الإصلاحية»، والسنوات الثلاث السابقة عليها، للتعبير عن الإرادة، مع فارق كبير في الأسباب، والمخاطر والآثار والدلائل والنتائج:

 

١- الخروج للميادين تأييدًا ودعمًا لقرارات السلطة السياسية.

 

٢- الاحتجاج ضد قرارات سياسية، أو مطالبة سلطة اتخاذ القرار بإصلاحات مرجوة.

 

٣- اصطناع فصيل حالة فوضى؛ سعيًا لفرض أمر واقع غير شرعي.

 

٤- خروج الملايين بمختلف أطياف الشعب لتغيير نظام الحكم.

 

الحالة الأولى: التواجد في الميادين الداعم لقرارات سياسية:

 

وهنا نوعان غايتهما واحدة، دعم السلطة الحاكمة في قرارات بعينها، وتفويضها في اتخاذ ما يلزم في مواجهة تحدٍ محدق بالدولة يراه الشعب ماثلًا أمامه.

 

١- التأييد اللاحق على القرار أو الموقف السياسي تعزيزًا لشرعيته بإسناد شعبي ويمكن وصفه بـ«التصديق الشعبي على القرار».

 

مثال: نزول الملايين إلى الميادين في جمعة 20 أكتوبر الماضي، تعزيزًا لموقف الدولة المصرية الداعم لفلسطين الرافض للتهجير القسري، وتفويض الرئيس ومؤسسات الدولة لاتخاذ ما يلزم لحماية التراب الوطني.. وجاء هذا التحرك لاحقًا على إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي موقف مصر الواضح والحاسم في هذا الشأن خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أولاف شولتس المستشار الألماني.

 

٢- التفويض السابق لاتخاذ ما يلزم في مواجهة تحديات مُحدقة، ويمكن وصفه بـ«الاستئذان التفويضي الشعبي».

 

وهذا النزول الجماهيري للميدان يسبق اتخاذ قرار مرتقب، وتفويض لاتخاذ إجراء مستقبلي لازم لمجابهة تحدٍ.

 

مثال: جمعة 26 يوليو 2014، لتفويض الفريق أول عبد الفتاح السيسي- وزير الدفاع آنذاك- باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة الإرهاب والعنف المُحتمل.

 

وقد أثبتت الأيام اللاحقة، أن التهديد المحتمل، واقع، فقد شهدت مصر موجة إرهاب هي الأعنف، في محاولة لكسر إرادة الشعب، وكان لهذا التفويض والإسناد الشعبي، وتضحيات أبطال معركة مكافحة الإرهاب وأسر الشهداء بالغ الأثر في بلوغ الانتصار واقتلاع الإرهاب من جذوره، بمقاربة مصرية خالصة وشاملة.

 

الحالة الثانية: الاحتجاج ضد قرارات سياسية أو مطالبة سلطة اتخاذ القرار بإصلاحات مرجوة:

 

وتتوقف كل حالة على مدى عمومية المطلب وشرعيته، ومدى التزام المطالبين به بالإجراءات القانونية، بل والشرعية الدستورية للقرار ذاته المعترض عليه أو المطالب باتخاذه.

 

 

الحالة الثالثة: اصطناع فصيل حالة فوضى؛ سعيًا لفرض أمر واقع غير شرعي:

 

وهذا النموذج شاهدناه في اعتصامات رابعة والنهضة، التي تبناها فيصل، حاول مواجهة إرادة الملايين التي خرجت في 30 يونيو، ثم تحول قطاع منه إلى استخدام العنف، وفي هذه الحالات لا يكون الخروج جماهيريًا، بل فصيل له أهداف تناقض الصالح العام.

 

الحالة الرابعة: خروج الملايين لتغيير نظام الحكم:

 

وهذا هو الأخطر، لما يخلقه من حالة فراغ سياسي، وحالة من السيولة التي تسمح بتحرك لاعبين وأطراف معادية، للتحكم في درجة حرارة المعادلة السياسية، لبلوغ نواتج مغايرة تمامًا لما يستهدفه الشعب.

 

لكن بلوغ تلك الحالة يسبقه عوامل عدة:

 

- انغلاق قنوات الحوار والتواصل السياسي.

- فقدان الشعب الثقة في مصداقية النظام الحاكم والأمل في الإصلاح.. فيَخرج مطالبًا بسقوط النظام.

 

- شهدت مصر نموذجين لهذا الخروج للميادين:

 

أ- النموذج الأول في 25 يناير 2011: بدأ بخروج يطالب السلطة بإصلاحات، في احتجاجات 25 يناير، وسرعان ما تدخل لاعبون للتحكم في درجة حرارة المعادلة، ليتحول إلى ثورة مطالبة بإسقاط النظام في 28 يناير من ذات الشهر (جمعة الغضب).

 

- مصطلح (جمعة الغضب)، يلخص مضمونها، حراك انفعالي نابع من مؤثرات عدة، منها ما له علاقة بأداء السلطة، وما له علاقة بمشروعية المطالب، وما له علاقة بأطراف الحراك، ومنها الساعون لإشعال الموقف لتحقيق مآربهم.

 

- نزول الملايين للشوارع، وجَد في مصر، استجابة إيجابية، للحفاظ على بنيان الدولة، تولى المجلس العسكري مسؤولية الفترة الانتقالية، بينما في دول محيطة بنا لم يجد الحراك الجماهيري، أيًا كانت أسبابه، وشرعيته من عدمها؛ الاستجابة المناسبة للتعاطي معه، فأصيب بنيان الدول بشروخ عميقة ما زالت تتسع، اليمن وليبيا والسودان نموذجًا.

 

- استثمر فصيل يعزف على وتر الدين، حالة الغضب، والفراغ السياسي الذي خلّفه نزول الجماهير للميدان، لينقض على السلطة في ظل ضعف الأحزاب والقوى السياسية.

 

- انتهى بسلطة حاكمة تسعى لتحقيق أهداف تناقض ما خرجت من أجله الجماهير إلى الميدان، بل محاولات احتكار تام للسلطة بإعلان دستوري يرسخ للديكتاتورية، تردٍّ للأوضاع ومحاولات طمس الهوية الوطنية.

 

ب- النموذج الثاني: النزول الواعي للميادين ( 30 يونيو 2013):

 

عامان وبضعة أشهر، من الأحداث السياسية بالغة السخونة والخطورة، كانت كفيلة بايقاظ الوعي العام، خرجت الملايين في ثورة 30 يونيو 2013 إلى الميادين لإسقاط حكم "المرشد".

 

وهنا الفارق كبير:

 

- الخروج إلى الميادين، محدد الهدف، إسقاط حكم انقلب على الشرعية الدستورية، وتحول من حكم مؤسسات دستورية، إلى حكم جماعة ذات أيديولوجية تناقض الهوية الوطنية الجامعة.

- الهدف، استعادة الدولة الوطنية بوعي، والنهوض بقدرتها الشاملة، تحقيقًا للإصلاح المنشود.

 

لكن الخروج الجماهيري للميادين في كل الحالات، استثناء للقاعدة السياسية، والآليات الديمقراطية، ينطوي على مخاطر عدة، وتأثيرات تتباين معدلاتها، من آثار اقتصادية إلى سيولة سياسية، إلى مخاطر أمنية، وصولًا إلى تهديد بنيان الدولة ذاته، ويتوقف الأثر على عوامل عدة منها: نسب الوعي، والقوى المحركة وأهدافها..

 

لذلك كان الهدف الاستراتيجي الأول، تثبيت أركان الدولة، وتقويتها، وتعزيز دفاعاتها الذاتية في مواجهة تهديدات التدمير من الداخل الذي تعرضت له دول عدة بالمنطقة.

 

ولتحقيق ذلك الهدف سارت مصر حافية القدمين على أشواك لأكثر من ثلاث سنوات، فقد أدت الأزمات السياسية، وحالة الاضطراب الأمني، والمؤامرات الخارجية، إلى تعاظم الضغوط الاقتصادية، والتهديدات المصيرية، فكان التحدي الانتقال من الميدان إلى اللجان، كآلية لتحقيق خارطة طريق سياسي، تنتقل بالدولة إلى ترسيخ الديمقراطية.

 

وعن الإجراءات التنفيذية.. للحديث إن شاء الله بقية..

 

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز