عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
أساتذة الإعلام الصحفي في عيدهم

85 عاما.. صحافة 2

أساتذة الإعلام الصحفي في عيدهم

تكررت زياراتي للدكتور عبد اللطيف حمزة لأنهل من علمه الفن الصحفي قبل انتدابه للتدريس بجامعة بغداد، وجامعة أم درمان. وقتها كان أخي يدرس بقسم صحافة كلية الإعلام وتعرفت على زملائه فؤاد سليم سليل جيل الرواد في تدريس الإعلام، ومنهم خليل يوسف صابات وأحمد حسين الصاوي أستاذ الإخراج الصحفي الذي تخصص على يديه لتصبح له مدرسة أكاديمية في مجال الإخراج الصحفي، وحارس مرمى كرة القدم الشهير عادل هيكل الذي تخرج وعمل بمجلة الجيل الجديد، والأنوار اللبنانية قبل أن يتفرغ للكرة السحرية، وكذلك المذيع الكبير مصطفى لبيب أحد نجوم الإذاعة المصرية في تاريخها الذهبي، والإعلامي حسن أبو العلا الذي عمل بعد تخرجه قرابة الثلاثين عاماً مذيعاً بارزاً في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، ومعه زوجته عفاف جلال خريجة نفس القسم بكلية الآداب، وكانت بداية حياتها في "إذاعة صوت العرب".



وصادف أن زاملت أبو العلا العمل فى مجلة "هنا لندن" و"المشاهد السياسي" التي كانت تصدر عن BBC بلندن.

                                                                               

عندما تتحدث وتستعرض محطات تاريخية لا يمكن تجاهل شخصيات حتى لو اختلفت معها فكرياً وعقائدياً، وهو واحد ممن شملهم الدكتور طه حسين برعايته وعطفه في معهد الصحافة الذي كان قد استقطب أستاذاً آخر من جيل عميد الأدب العربي هو الكتور محمود عزمي، فارتبط اسم دكتور إبراهيم عبده بالأستاذين طه حسين ومحمود عزمي بروابط لا تقل في قيمتها العلمية عن ارتباطه بأستاذه استاذ التاريخ الأشهر محمد شفيق غربال.

 دكتور إبراهيم عبده لا يمكن تجاهله ونحن نتحدث عن تدريس الصحافة والإعلام، فهو من أعلام الصحافة الرواد في مصر، درس في أمريكا إبان ثورة يوليو 1952م، وعقد هناك مؤتمرات مُتحدثًا باسم الثورة وداعيًا لها، عاد بعدها إلي مصر.

كتب في جريدة كوكب الشرق ومجلة بنت النيل، سافر للعمل عدة سنوات في السعودية والكويت، ثم عاد ليؤسس دار نشر ثقافية، وتطورت هذه الدار حتى ضمت نحو ثلأثين أستاذًا جامعيًا تخصصو في إصدار الكتب والموسوعات، وحصل على العديد من الشهادات العلمية كان أستاذًا للفن الصحفي، ودرّس تاريخ الصحافة، وهو أول عميد لمعهد التحرير والترجمة والصحافة، قبل إنشاء كلية الإعلام، كما إختارته جامعة القاهرة أستاذًا غير متفرغ بكلية الإعلام عام 1981، وجدير بالذكر أن ظهور أول دراسة أكاديمية تؤرخ للصحافة المصرية تمثلت في رسالة الماجستير التي تقدم بها د. إبراهيم عبده عام 1940م، وكانت عن «تاريخ الصحافة المصرية (1798-1882م)»، ثم تلتها رسالته للدكتوراه عن «تطور الصحافة المصرية وأثرها في النهضتين الفكرية والاجتماعية» في عام 1943م. 

                                                     

ولما كان التدريب بالنسبة لطلاب الإعلام مهما فى صناعة الصحفي، من صناعة الخبر الصحفي، حيث يُضفي التدريب مزيداً من القوة والثقة في أدائهم ببناء القدرات وأخذ الخبرات والمهارات المتراكمة من اساتذة متمرسين، ويُعزز أخلاقيات المهنة لديهم ويزوّدهم بالمعلومات اللازمة لمواكبة التطور المتلاحق في الصحافة، فمن الضرورة أن يكون الصحفي مُلمًّا بتخصصات الصحافة المتنوعة، بالإضافة للمهارات وادوات الصنعة.. من أهل الصنعة ،كما انه تتيح للصحفي الناشئ الفرصة بالعمل فى المؤسسة الاعلامية التي تعلم بها.

وهنا يحكي الكاتب الصحفي عزت السعدني، رحمه الله وطيب ثراه في مقال له بجريدة الأهرام "دخلت الأهرام بعد نحو عامين من تولي الأستاذ هيكل رئاسة تحرير الأهرام.. بطلب منه إلى الدكتور خليل صابات أستاذ الصحافة ومعلمي في قسم الصحافة في كلية الآداب.. أن يرسل له خمسة من نجب ـ برفع النون والجيم ـ الطلبة ونجيباتها.. لكي يجدد دم الأهرام ويحرك مياهه ويجدد شبابه.. وكان اختيار الدكتور خليل صابات لي ومعي جيهان رشتي التي أصبحت فيما بعد أول عميدة لكلية الإعلام جامعة القاهرة وليليان مرقص التي جلست فيما بعد على كرسي الأستاذة فتحية بهيج في قسم المرأة وعبدالمنعم سليم سكرتير تحرير أخبار اليوم أيام مجدها ومحمد فريد عزت أستاذ الصحافة في الجامعات العربية.. فيما بعد.. الكتور خليل صابات الذي يحكي عنه السعدني تعرفت اليه من خلال تدريب طلاب قسم صحافة، فقد كان مؤمن بأهمية تدريب طلابها عملياً فى الدور الصحفية، وروزاليوسف كانت المدرسة المفضلة لديها، د. صابات استقبلته الحياة مع أحداث 1919 . ليحصل على ليسانس آداب قسم اللغة الفرنسية عام 1931، ودبلوم معهد التحرير والترجمة والصحافة، ودبلوم معهد التربية العالي، ودكتوراه في الآداب من معهد التحرير والترجمة والصحافة بجامعة القاهرة. عمل مدرسا للغة الفرنسية بالمدارس الثانوية الحكومية منذ عام 1942 وحتى عام 1950م. عمل مدرسا مساعدا بمعهد التحرير والترجمة والصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1954 وحتى عام 1993م.

تدرج بوظائف هيئة التدريس حتى وصل إلى درجة أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة اختير عضوا بالمجلس الأعلى للصحافة، وعضوا بالمجالس القومية المتخصصة شعبة الإعلام، وعضوا بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وعضوا للجنة الاقتصادية باتحاد الإذاعة والتليفزيون. تخرج على يديه المئات من الإعلاميين والصحفيين المصريين والعرب.

أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وله العديد من المؤلفات، حصل على وسام الاستحقاق الوطني من درجة فارس من رئيس الجمهورية الفرنسية عام 198 وعلى على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1982.  د. صابات كان متواضعاً رغم مظهره  الجاد حنوناً ومحباً لتلاميذه، ومن الفصول الجميلة في كتاب "ذكريات حمدي قنديل مع الصحافة"، وهو شاب وتجربته فيها، وعن سنوات دراسته للصحافة وعدم حضوره للمحاضرات واللف على الصحف، حتى إن الدكتور خليل صابات أستاذ الصحافة كان يمازح قنديل بعد ما ذاعت شهرته قائلاً له: "هذا حمدي قنديل.. فلح لأنه لم يحضر محاضرة واحدة لي".

ونقلاً عن رواية للكاتب اللبناني جورج كلاس عميد كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية في مقال نشره بـ "أسواق العرب": في زمن الهناءة اللبنانية، كان الدكتور خليل صابات، يقضي إجازة الصيف في بلدة ضهور الشوير، وغالباً ما كان يتردّدُ لزيارة صديقهِ مُثَلّث الّرحمة، المطران يوحنا منصور، في المقرّ البطريركي للروم الكاثوليك في الربوة، حيثُ روى لنا الدكتور صابات ذات يوم هذه الحلاوة الملأى بالعِبَر والدلالات، قال: إنّه بعدَ حصوله على شهادة الدكتوراه في الآداب، ألْحَقَهُ عميدُ الأدب العربي، الدكتور طَهَ حُسَيْن، للتدريس في كليّةِ الآداب في جامعة القاهرة، في بداياتِ خمسيناتِ القرن الماضي.

ويروي صاباتُ، أنه بعدَ مُضيِّ نحواً من سِتَّة ِ أشهرٍ على انتظامِه في هَيئةِ التدريس، سألَهُ الدكتور طهَ حسين، عَنْ سببِ عدمِ مرورهِ الى مكتب القيِّمِ المالي للجامعة، لقَبْضِ المُسْتَحِقّاتِ الواجِبَة له؟ ولماذا لا يَسْأَل عَنْ موعِدِ قَبْضِ ما لَهُ مَنْ جُنَيْهات؟ فأجابه الدكتور خليل: “يا سيادةَ العميد، أنا أفتخِرُ بثلاثة:

١-أنَّني ابنُ مِصْر، ٢-أنَّني إبنُ أبي، ٣-وأنَّني أستاذٌ في جامعة القاهِرة..!

وأنا يا سيِّدي العميد،أَعْتَزُّ كثيراً، أننّي أُعاوِنُ والدي في صِنْعَتِه، وأُلاحِقُ حُقوقَ زَبائِننا، وأُتابِعُ خِدْمَة المِهْنَة التي نَعتاشُ منها، وأحرَصُ على تَجْويدِ نَوْعِيّتها، إحْتراماً لأصُولِ المِهْنَةِ أَوّلاً، وحِرْصاً على كرامةِ النَّاسِ من زاويةٍ أُخْرَى، وأنا يا سيّدي العميد، لا أتورَّعُ، هناكَ، في دُكّانَةِ أبي، أنْ أسألَ عَنْ ألأجرِ وأُطالِبَ بهِ، وأُلاحِقَ حَقّي ما إسْتَطَعَت، ذلك لأَنَّنِي أُقَّدِمُ خِدْمَةً وعملاً مأجوراً؛ ومن واجِبي أنْ أتَصَرَّفَ، كعامِلٍ و(صنايعي)، ولي في ذَلِكَ كُلُّ الفَخْرِ والعِزَّة..!! أمَّا هنا في الجامِعة، فأنا أرى نفسي أستاذاً، أقومُ برِسالةِ التعليمِ والتثقيفِ ونشر المعارفِ والقِيَم، وأحافِظُ على كرامة الأستاذ ومَوْقِعِه. هناك، أنا أأكُلُ عَيْشي بِعَرَقِ يدي وتَعِبِ جَبيني…! وهنا، أنا أبْني مُسْتَقبلي وكِياني بِعَرَقِ قَلمي وجُهْدِ فِكْري..! وفي الحالتين ، عَلّْمني أبوايَ أن اكونَ إبْنَ ضميري، وأن أكونَ مواطِناً تستحِقُّهُ مِصْرُ..!

أمَّا، عَنْ (فِعْلَتي)، فإنّني أرى، ولا أزال، أنَّ إدارة الجامعة هي التي عليها أن تبحثَ عن الأستاذ وتلاحِقَهُ لتدفعَ له اجْرَهُ، وتدافعَ عَنْ حقوقه…لا أنْ يركُضَ الأستاذُ وراء أَجْرِهِ، ويقِفَ بالصَّفِ أمامَ موظّفِ المحاسبة، وكأنّه يستجدي حَقّه، ويَطْلُبُ رِضى ماسِك المالِ ومأمور الدَفْع..!

يُضيفُ صابات، مُسْتَحْضِراً تلكَ اللحْظَة… نَعَم يا سيادةَ المطران، قلتُ ذَلِكَ وتهيّبتُ الموقِف، في حضْرَةِ أميرِ الأدب العربي طه حسين، الضَرير الذي هابَهُ المُبْصرُون، والذي رَبَتَ عَلى كَتفي وتحدَّثَ إليَّ بتقدير فيهِ كِبَر، وهنّأني على سلوكي الحافِظِ لرسوليّةِ التعليم، والمُحَرِّضِ منْ أَجْلِ كرامة الأستاذ الجامعي، وأعطى تعليماته بأن تُدْفَعَ مُسْتَحِقّاتُ الأستاذ، في الصفّ أو في مكتب عميدِ الكُلّيّةُ، لا في شبابيك ودوائر إدارةِ الجامعة..!

ويُرْدِفُ خليل صابات: “عِنْدَها أَحْسَسْتُ فِعلاً أنني إبنُ مِصْر، وإبنُ أبي، وإبنُ الجامعة.. من دون أيِّ شعورٍ بالطبَقِيَّة والتَمْييزِ الاجتماعي، ذَلِكَ أنني أَعْتَزُّ بأنّني إبنُ إسكافيٍّ يحترمُ مهنةَ أبيهِ وعمَلَهُ هناك..! وأستاذٌ يفْخَرُ بمقامِهِ ،ويحترم موْقِعَهُ ورسالتَهُ الأكاديميّة هنا ..!هناكَ تَعَلَّمْتُ من الحياة، وهنا أُعَلِّمُ للحياة!”.

وأنا تَعَلَّمْتُ ولَمَّا أَزَلْ، منَ الأَيَّامِ وكِبارِ النفوسِ وعُلاةِ الرؤوس، أَنّ الحياة َ رَفْعَةُ رَأسٍ…! }                                                                               

إن لكبار النفوس، وأساتذة الإعلام الصحفي أصحاب الفضل على أجيال من الكتاب والمثقفين والمفكرين في صحافة مصر والعالم العربي، قصص وحكايات.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز