عاجل
الأحد 29 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
قيمة معرفة النفس

فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها 10- 10

قيمة معرفة النفس

كثيرًا ما نسمع هذا اللفظ أنا، أنا، نفسي، نفسي، وكثيرًا ما نسمع في سرادقات العزاء، "يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".



ولكن السؤال المهم ما قيمة معرفة النفس؟! نقول إذا عرف الإنسان نفسه عرف ربه، لماذا؟!

 

لأن الإنسان يجمع بين جنبيه جانبين جانبًا ماديًا وآخر معنويًا.

 

أما المادي فالإنسان بطبعه وبتكوينه البيولوجي والفسيولوجي يريد أن يشبع حاجاته من مأكل ومشرب وملبس وغريزة جنسية وذلك لضمان بقاء نوعه، ولكنه يتميز عن سائر المخلوقات بميزتين هما العقل والإرادة.

 

فلو أطلق العنان لنفسه في إشباع هذه الحاجات دون روية واقتصاد لتحول من... إلى... من إنسان بما تحمله هذه الكلمة من قيم سامية راقية إلى حيوان شهواني يشبع لذاته ورغباته دون إدراك ووعي واستبصار.

 

وكذلك ثمَّ جانب آخر في الإنسان هو الجانب الروحي، إشباع رغبات الروح من تحقيق السعادة المنشودة من راحة النفس والبال والطمأنينة والهدوء والاستقرار الذي لا يتحقق إلا بالسلام الداخلي للإنسان.

 

ولكن السؤال المهم هل الإنسان يميل إلى طرف على حساب طرف آخر؟!

تتخلص الإجابة عن هذا السؤال في فلسفة الوسط المعتدل، بمعنى أن الإنسان لا يميل ولا يحيد، لا يميل بالكلية إلى طرف على حساب طرف آخر، وإنما يحاول قدر استطاعته أن يسوي بين الطرفين، يقول تعالى "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط"، فلا إفراط ولا تفريط.

 

وهذا ما وضّحه النبي- ﷺ- في حديث الثلاثة نفر أحدهم لا يتزوج النساء، والآخر يصوم ولا يفطر، والثالث يقوم الليل ولا ينام.

 

ثم يأتي من لا ينطق عن الهوى معلمًا مرشدًا موجهًا: أما أنا فأتزوج النساء، وأصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وهذه هي وسطية الإسلام.

 

وضح القرآن الكريم صنوف النفس البشرية ومنها النفس المطمئنة، واللوامة، والأمارة بالسوء، والتقية، والفاجرة، والله أعلم بحقيقة كل إنسان. فالمطمئنة التي ركنت إلى الله وعاشت مع الله وأخلصت عبادته وجعلت كل همها الله فصار ربانيا، وحقيق على الله تعالى أن يشملها بكنفه وعطفه ورحمته.

 

أما النفس الأمارة بالسوء فهي التي تقود صاحبها مدفوعة بالشيطان إلى السوء وفعل الموبقات، فهل يستطيع صاحبها إيقافها وكبح جماحها، كيف يتأتى له ذلك، عن طريق محاسبتها والوقوف لها بالمرصاد مثلما فعلت امرأة العزيز حين قالت وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء، وكذلك لحديث النبي- ﷺ- حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.

 

أيضًا النفس التقية التي هي هبة من عند الله وهي التي دائمًا ما تخشى الله وتتقه.

والنفس الفاجرة التي إذا خاصمت فجرت في خصومتها، والتي تفعل كل صنوف الموبقات المهلكات، والتي تقود صاحبها إلى التيه والضلال والعياذ بالله.

 

وإذا كان الفلاسفة- وعلى رأسهم سقراط حكيم اليونان- قد حدثنا عن مبدأ أخلاقي جميل ألا وهو اعرف نفسك بنفسك، أي تحرَّ أمور نفسك وغص في أعماقها لأنك إن وفقت في ذلك تحققت لك السعادة.

 

إذا كان الفلاسفة تحدثوا عن معرفة النفس فنحن نتفق معهم في قيمة معرفة النفس، لأن من عرف نفسه أيقن أن ثمَّ إلهًا يقف خلف هذه النفس يضمن لها الهداية والتوفيق والسداد والسعي الحثيث إلى الخير مصداقا لقوله تعالى "ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك".

 

حقًا من عرف نفسه حق معرفتها وكبح جماحها، عرف الله تعالى عرف أن هناك إلهًا أقرب إليه من حبل الوريد، يراك حين تقوم ويسمع دعاءك ونداءك ويراقب حركاتك وسكناتك فكيف تعصيه.

 

 واعلموا علم اليقين أن ألد أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه، فهذبوها وأحسنوا تهذيبها وعودوها على الطاعة وتذكروا عمر بن الخطاب الذي عاتب نفسه قائلا كلما اشتهيت اشتريت.

 

وتذكروا قول علي بن أبي طالب، النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها.

 

وتذكروا قول رابعة العدوية عندما عاتبت نفسها قائلة: يا نفسي، كم تنامين وإلى متى تنامين توشكين أن تنامي نومة لا تقومي بعدها أبدًا إلا ليوم النشور.

 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز