أيمن عبد المجيد
رسمت بدماء شهدائها ووعى وصبر وتضحيات شعبها وعمق رؤية قيادتها
الخريطة الجديدة لمصر
مصر.. ثلاثة حروف، تفيض بسيل من المعانى والصور الذهنية والحقائق التاريخية، جذور الحضارة الإنسانية، أكثر من سبعة آلاف عام ومليون كيلومتر من الجغرافيا، شعبها نسيج متماسك، غزلته خيوط ١١٠ ملايين نسمة، أشرقت على أرضها شمس الحضارة، فأضاءت ظلمات الكون، وفى أحضانها عرفت البشرية التوحيد.
تطهرت أرضها بنور الله، محفوظة برعايته، ولم لا؟ ألم يُنر الله بصيرة ملكها برؤيا صادقة، وأرسل نبيه يوسف، ليعبرها، ويعبر بمصر وشعبها بالتخطيط والعمل والإنتاج من السبع العجاف إلى السبع السمان.
مقام ومقصد الأنبياء، حيث قال سيدنا يوسف عليه السلام، لملكها: «اجعلنى على خزائن الأرض إنّى حفيظ عليم»، وإليها جاءت السيدة مريم العذراء، بوليدها نبى الله عيسى ابن مريم فوجدت الأمان الذي طلبته.
على صخرة شعبها تحطمت جيوش الغزاة، على مر التاريخ، تدفن المعتدين فى أرضها وتعيد الأمور إلى نصابها ، منذ الهكسوس والفرس والمغول والتتار.
بالأمس القريب، احتضنت العاصمة الإدارية الجديدة - حفيدة: منف وطيبة وتل العمارنة والإسكندرية، والفسطاط، وابنة القاهرة الفاطمية، والخديوية- قمة الدول الثمانى النامية.
وكالعادة مع كل حدث عظيم، تنطلق الميليشيات الإلكترونية وأبواق الجماعة الإرهابية فى حملات تزييف الوعى واقتطاع واجتزاء الأمور سياقها، أملًا فى التحريض بالعزف على أوتار الأزمات الاقتصادية، والتحديات الدولية والإقليمية.
بينما المدقق بالأرقام يكتشف بما لا يدع مجالًا لأى شك، أن مصر شهدت رسم خريطة جديدة تضاعفت فيها مساحات العمران من ٧.٥٪ تاريخيًا إلى ما يقترب من ١٤٪ خلال عشر سنوات، مدن ذكية، ورقعة زراعية ومنشآت صناعية، وبنية تحتية، وقدرة دفاعية، وحياة كريمة وعدالة اجتماعية.
الخريطة الجديدة لمصر تستهدف خفض الكثافة السكانية فى الوادى الضيق، وخلق فرص استثمارية، وقيمة اقتصادية للصحراء الجرداء، واستيعاب الزيادة السكانية التي تصل إلى 2.2 مليون نسمة سنويًا، وما يترتب عليها من احتياجات تبلغ 600 ألف وحدة سكنية سنويًا لمتوسط زيجات حديثة تقترب من 800 ألف سنويًا.
العاصمة الإدارية فكرة عبقرية، حولت الصحراء من أرض جرداء بلا قيمة مالية، إلى ثروة قومية، وبنية تحتية لحاضر تتضاعف فيه التحديات، بما يستوجب تعظيم ومضاعفة القدرة الشاملة للدولة لتحقيق تطلعات الشعب والحفاظ على الأمن القومى.
يقول العبقرى الدكتور جمال حمدان، فى كتابه «وصف مصر»: «دولة حباها الله بقدرات جيوسياسية عبقرية، وسط الكرة الأرضية، تطل دون غيرها على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، تقع فى قارة أفريقيا وتصل السمراء بآسيا فى سيناء، ذات مناخ معتدل ونيل عظيم، فإنها تعيش على ضفاف النيل فى وادٍ ضيق أشبه بأنبوب بالغ الكثافة السكانية».
منتهى التناقض يقول حمدان فى كتابه الصادر 1968: «مصر هى النيل بيئة نهرية بامتياز، البيئة الفيضية المطلقة النهر الكامل، وفى ذات الوقت هى الصحراء التامة، إحصائيًا مصر أكبر وأكثر دول العالم صحراوية بلا استثناء بما فى ذلك الجزيرة العربية».
بالتأكيد وصف الدكتور جمال حمدان رحمه الله، يثير دهشة قطاعات من شبابنا الغارقين فى طوفان السوشيال ميديا، فلا يمتد بصرهم خارج شاشات الهاتف أو قراهم ومدنهم، بلا عمق فى الاطلاع على واقع وطنهم إمكاناته وتحدياته.
يقول حمدان: مصر نيلية بالأساس، يعيش سكانها فى وادٍ ضيق كثيف، وإذا كان هذا الوصف عام 1968، فما بالنا باليوم وقد اقترب عدد السكان من 110 ملايين نسمة بخلاف نحو 10 ملايين ضيف!
لا شك أن أى مُفكر أو مسؤول مخلص لوطنه، لن يجد أمامه حلًا جذريًا للتحديات التي تتراكم مع الزيادة السكانية، إلا مضاعفة الرقعة العمرانية سكنية وزراعية، للخروج من الوادى الضيق لمساحات أرحب.
أدركت الحكومات المتعاقبة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين ذلك، ووضعت خططها التي تستهدف مضاعفة العمران السكنى والزراعي من 7% الرقعة التي تكونت على مدار تاريخ مصر، إلى 14% فى مدى زمني أقصاه 2050.
بدأت الدولة خطط العمل المستهدف إنجازه فى قرابة 50 عامًا، بخطوات قوية مطلع عام 1978، بالجيل الأول من المدن الجديدة، منها العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر، لتتوالى المراحل الثانية والثالثة قبل أن تتعثر الجهود تحت ضغط التحديات الاقتصادية، واستبدال العلاجات بالمُسكنات.
دولة 30 يونيو.. بالإرادة رسمت الخريطة الجديدة لمصر
عبرت دولة 30 يونيو، معنى الجمهورية الجديدة، من مجرد مسميات وفلسفات وشعارات، إلى تحقيق إنجازات رسمت خريطة جديدة للوطن فى كل القطاعات ومقومات مضاعفة قدرتها الشاملة.
الأرقام لا تكذب، حيث تضاعف العمران فى كل المجالات، ولنأخذ نموذجًا المدن الذكية وأثرها على تضاعف الرقعة العمرانية، وبمقارنة سريعة بين أجيال المدن الجديدة يتضح حجم الإنجاز المتحقق للخريطة العمرانية فى السنوات العشر الأخيرة:
الجيل الأول 7 مدن، مدى الإنجاز 5 سنوات من عام 1978 وحتى 1982، مساحتها 344 ألف فدان بما لحق بها من توسعات، أبرزها العاشر من رمضان والصالحية الجديدة و6 أكتوبر، والثانى 8 مدن استغرق إنشاؤها 18 عامًا، من 1982 حتى 2000، مساحتها 122 ألف فدان منها بدر والعبور، الثالث 8 مدن استغرق إنشاؤها 14 عامًا، من 2000 وحتى 2014، مساحتها 107 آلاف فدان، منها أخميم الجديدة والشروق الجديدة وهى مدن توأمة مع مدن قديمة اجمالى مساحات الأجيال الثلاثة 563 ألف فدان.
الجيل الرابع 24 مدينة فى فترة زمنية 10 سنوات من عام 2014 حتى عام 2024، بمساحة إجمالية 900 ألف فدان، أبرزها العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، ورفح الجديدة.. الملاحظ هنا بتحليل الأرقام أضيف لرقعة العمران فى ١٠ سنوات ضعف ما تحقق فى ثلاثة أجيال مدتها ٣٦ عامًا.
العاصمة الإدارية.. عبقرية التنفيذ
لم يكن أمام الحكومات المتعاقبة بديلًا لحلول أزمات وتحديات الانفجار السكانى بقاهرة الألف عام ومواكبة متطلبات الدولة الحديثة.
لكن التحديات الاقتصادية وعدم جرأة اتخاذ القرار السياسى أعاقت تنفيذها قبل عام 2014، حتى جاءت دولة 30 يونيه بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي واتخذ القرار انطلاقًا من فكرة عبقرية.
الفكرة تكمن فى تمويل المشروع ذاتيًا، اختيار الموقع، وتأسيس شركة مساهمة باسم العاصمة الإدارية الجديدة، برأسمال من جهات حكومية، 20 مليارا ثمن تخصيص أرض الإنشاءات.
تمارس الشركة مهامها فى تسويق قطع الأراضى للمطورين العقاريين، والبنوك، والسفارات وغيرها من الجهات التي بلغت اليوم 400 شركة تطوير عقاري، وفق ضوابط ومخططات عمرانية.
تضاعف رأسمال شركة العاصمة الإدارية من حصيلة تخصيص الأراضى للشركات، لتبدأ استثمارها فى إنشاء الحى الحكومى للوزارات، فيما حققت شركات التطوير العقارى أرباحا من خلال تسويق الوحدات السكنية، وعوائد الإنشاءات وقيمتها المضافة.
المنشآت الحكومية المملوكة لشركة العاصمة الإدارية، مضمونة الربحية بإيجارها لمدة 59 عامًا للحكومة بعقود تضمن زيادة القيمة الإيجارية بمعدلات تناسب التضخم.
بينما الحكومة حققت مكسبا تمثل فى الانتقال لمقرات أكثر جاهزية وعاصمة إدارية جديدة حضارية، بدون تحمل كلفة إنشاءات، بينما القيمة الإيجارية توفرها الحكومة مما تتحصل عليه وزارة المالية من قيم الضرائب التي تحصلها من أرباح شركة العاصمة التي نما رأس المال السوقى لأصولها بقرابة 300 مليار، وما يتحصل من ضريبة عقارية للأصول وأرباح شركات التطوير العقارى.. فضلًا عن عوائد استثمار الصندوق السيادى لمقرات الوزارات والمنشآت الحكومية القديمة التي تم إخلاؤها بالقاهرة.
بهذه الفكرة تحول 170 ألف فدان صحراء جرداء من صحراء مصر الممتدة غير المستغلة، إلى ثروة وطنية، وحضارية، بما تحويه من عمران وفرص استثمارية ومتاحف ومدن: رياضية والثقافة والعلوم والمركز الثقافى الإسلامي، ومقر القيادة الاستراتيجية، ودار القرآن الكريم والأكاديمية العسكرية، وغيرها من مقومات القوة المعززة للقدرة الشاملة للدولة.
ربما هذا ما أبهر ضيوف قمة الثماني، وأجهزة الدول التي أنفقت المليارات على مؤامرات ومحاولات إعاقة وتدمير مصر من الداخل، فإذا بهم يستيقظون على دولة تتعاظم قدرتها الشاملة، يواصل فيها الأحفاد التعمير والبناء والحضارة على خطى الأجداد.
بالأرقام فى مختلف المجالات، خريطة جديدة لمصر، بدماء شهدائها، ووعى وصبر وسواعد شعبها، وعمق رؤية قيادتها، لنواصل البناء وفاءً لدماء الشهداء، وعبورًا لتحديات دولية وإقليمية غير مسبوقة، فقدر مصر على مدار التاريخ أنها حصن الأمة المنيع.
بعون الله فى العام الجديد 2025 نعبر التحديات ونواصل الإنجازات..
كل عام أنتم بخير وحفظ الله مصر..