عاجل
الثلاثاء 14 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
أسئلة الثقافة المصرية.. قراءة في صفحة رئاسة مجلس الوزراء

أسئلة الثقافة المصرية.. قراءة في صفحة رئاسة مجلس الوزراء

يعجبني في د. أحمد هنو وزير الثقافة المصري دقته وسلوكه العملي، فقد حدد في اللقاء الأخير مع د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء رقماً حقيقياً أراه هو بداية ممكنة للحديث عن الإصلاح الثقافي، وتفعيل المبادرة الرئاسية المهمة بداية جديدة لبناء الإنسان.



إذ ذكر تصريحاً حدد فيه أعداد المستفيدين من أنشطة وزارة الثقافة في الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2024 بمليون وفاصل ثمانية من عشرة مليون (1.8) مليون مستفيد. وفي ذلك أستعرض الرؤية المستقبلية لوزارة الثقافة المصرية وذلك في ما هو منشور 23 ديسمبر الجاري على الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء. بينما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر وصول عدد السكان داخل البلاد وفقاً لأحدث مطالعة لي لصفحة الساعة السكانية التي أطلقها الجهاز إلى "117.430.448"، وهي ملايين مصر الكبيرة التي تجاوزت المئة مليون بسبعة عشر مليون ونصف المليون تقريباً. مما يشير حقاً إلى الفجوة الكبيرة بين تعداد وزارة الثقافة في رصد المستفيدين من أنشطتها بمليون وفاصل من عشرة وثمانية مليون "1.8" كما جاء في صفحة رئاسة مجلس الوزراء، وبين التعداد الفعلي للسكان. وبقراءة رؤية الوزارة والتي أطلقت مشروعاً مهماً، وهو مشروع ثقافة مصر لتثقيف كل مواطن، يمكن رؤية الفارق الكبير في الأعداد المستهدفة والأعداد المصرية الكبيرة. دعنا نستثنى المواليد الجدد، ودعنا نؤكد أن هذه الكتلة السكانية هي كتلة شابة في معظمها، إذ أن الشباب في مصر هم ثروتها التي تشكل ستين بالمائة (60%) تقريباً من مجموع السكان، مما يجعلها أمة شابة. وتلك الكتلة وامتدادها الأول من الأطفال والناشئة يجب تحديدها بدقة، فهي التي يمكن أن تثمر في المستقبل والحاضر، إذا ما علمنا حقاً على تثقيفها في بداية جديدة لبناء الإنسان، وبالتالي أرى أهمية أن تكون هذه الكتلة هي الكتلة الحية المستهدفة في رؤيتنا الثقافية للمستقبل. وفيها ما يسعدنا من وجود أربعة وخمسين مشروعاً أعلنت عنها الوزارة للإنشاء والتطوير ما بين مؤسسات ثقافية وقصور ثقافية ومسارح ومكتبات ومتاحف ومراكز حرفية وتعليمية. وهو ما نود معرفته على خريطة مصر من أجل رؤية العدالة الثقافية. إذ إنني ممن يرون أن وزارة الثقافة المصرية لا تحتاج إلى بنة تحتية جديدة، إلا فيما هو متعلق بالعدالة الثقافية، فليست مشكلة وزارة الثقافة في غياب البنية التحتية بل في حسن إدارتها وتحقيق العوائد المستهدفة منها على الصعيدين الرمزي والمادي معاً. بل وإعادة النظر في المباني الزائدة عن الحاجة، فلدينا في أكاديمية الفنون على سبيل المثال معهدين للسنيما أحدهما مجهور، ولدينا دار تاريخية للعروض الأدائية هي قاعة سيد درويش، وهي غير مستغلة ومغلقة أمام الجمهور العام، وهي الدار التي شهدت الأمجاد الكبرى لفرق معاهد أكاديمية الفنون، التي إقتصرت الآن على أنشطة الطلاب ونشاط الهواة الجدد دون الاستفادة الحقيقية من خبرات أسانذتها التاريخية. بينما أعلنت الوزارة عن إنشاء مسرح جديد ودار للعرض السينمائي بها، بينما يجاورها المبنى فائق الجودة لقصر ثقافة الجيزة بلا عوائد ملحوظة، وبها ما يزيد عن الحاجة من القاعات ودور العرض المسرحي. بالتأكيد إن إضافة المباني الجديدة مسألة مهمة، ولكن مع عدالة التوزيع وفقاً لخريطة مصر وإعادة  إطلاق المبان التاريخية وإعادة هيكلتها لأغراض تتصل بالتواصل مع الجمهور العام. كما أنني ألاحظ بكل دهشة كل تلك البنايات التي تبدو مغلقة في عملية تجديد قصور الثقافة المصرية وإنشاء القصور الجديدة منذ منتصف التسعينيات حتى الآن، وهي المباني التي تغادر صيغة المباني التي كانت بسيطة وجدرانها زجاجية شفافة، يرى داخلها المواطن البسيط، مواطنا مثله يسير داخلها، فلا يهاب يدخلها، إنها القصور التي كانت مفتوحة يحرسها غفير واحد وكانت متاحة لتجول الجمهور داخلها، بلا سؤال عن سبب تواجده وبدون أبوابها المغلقة ذات الحوائط الرخامية بالغة الفخامة. هذا وحقاً يجب في إطار الهوية البصرية التي تطلقها وزارة الثقافة مجدداً، العمل على استعادة تلك المباني الصديقة للفقراء والبسطاء والذين لم يحصلوا على فرص التعليم النظامي المتقدم، هكذا كانت وهكذا يجب أن تعود. كما أتصور أن الخلط الحادث الآن بين أهداف المؤسسات الثقافية الكبرى، والحديث عن الاستثمار بها في ظل قرارات إنشاء يعود بعضها إلى أوائل الستينيات ويكبل يد القيادات الثقافية في الإنفاق أو الترويج الاستثماري، وهو خلط يجب أن ينتهي. بينما يبقى الأغلبية العظمى من فناني مصر ومبدعيها في أقاليمها خارج القاهرة والإسكندرية في خجل من نوع ما، لأن أنشطتهم غير تجارية ولأنهم لا يمكن استخدامهم للاستثمار أو للأرباح التجارية، بينما فقط يحتاج الأمر إلى مناقشة قرار الإنشاء، وتفعيل طرق جديدة لعمل الهيئة العامة لقصور الثقافة على سبيل المثال. أما إعادة تشغيل دور العرض السينمائي التابعة للوزارة والتي هي في حوزة الشركة القابضة فهي مسألة بالغة الأهمية، يجب أن تمتد إلى دعم دور العرض السينمائي المغلقة المملوكة لأفراد عبر شراكة مع الدولة، لأن إغلاق دور العرض الخاصة وهدمها وإهمال المملوكة للدولة هي قضية تتجدد كل عام، وكم تمنينا الدخول فيها عبر إرادة قوية للدولة المصرية. أما إطلاق الموقع الإلكتروني الجديد للوزارة فتنظره بكل اهتمام، أما عن مكانة مصر الثقافية كدولة عظمى ثقافياً، فهي مجدداً لا يمكن أن تحضر بقوة دون الآثار المصرية، ودون إعادة الفهم الفاعل لمسألة السياحة الثقافية في الداخل، وإرسالها للخارج. أما في الفنون التعبيرية فكم ننتظر تغييراً في أسلوب وميزانية الإنتاج والدعاية، حتى تقدر الوزارة على المنافسة الفعلية، وللوصول إلى الجمهور العام. أما عن هويتنا البصرية فهو أمل كبير نتمنى البدء فيه في تصور مستقبلي، ذلك أن الفضاء العام حقاً، هو المؤثر الأول في السلوك البشري. وما يبقى لنا هو انتظار وضع الخطة التنفيذية لهذه الرؤية والإعلان عنها وعن تفاصيلها، حتى يتمكن المثقفون من إبداء الآراء بشأنها، ولديهم حقاً من التجربة العملية والتفاصيل الكثير والكثير.

أمنيات كبيرة ننتظرها مع مقدم عام جديد سعيد على مصر الوطن الذي نحب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز