عاجل
الأحد 29 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها (6- 10)

قيمنا الخلقية إلى أين

فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها (6- 10)

إذا حاولنا أن نقدم تعريفًا لعلم الأخلاق، نقول هو علم يهتم بما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، في معاملاته مع بني جلدته، ليس هذا وحسب، بل في معاملاته مع البيئة المحيطة به، بما تحويه هذه الكلمة من معان، في معاملاته مع الحيوان، مع الجماد، مع النبات، مع كل مكونات البيئة المحيطة به.



 

إذن علم الأخلاق ليس علمًا وصفيًا يصف حالة أو واقعة أو ظاهرة، وإنما علم معياري يضع الضوابط والمعايير التي ينبغي أن يكون عليه الفعل الخلقي، لماذا؟! لأنني كما ذكرت آنفًا هي أفعال متعدية لا تلزم صاحبها فقط وإنما تتعدى ليصل أثرها إلى الآخرين.

 

ومن هنا ينبغي علينا أن نفرق بين مصطلحين أولهما الإلزام والثاني الالتزام، الإلزام، حالة فردية يفرضها عليك الضمير الفردي، أما الالتزام فهو هل ستلتزم بهذه الإلزامات؟ فإذا ما التزمت ستدخل دائرة نطاق الحكم الأخلاقي ونقول عنك أنت أخلاقي أو لاأخلاقي، أو أكثر أخلاقية أو أكثر لاأخلاقية وفقا لمدى التزامك بما هو مفروض عليك، وهنا يتدخل على الفور الضمير الجمعي بمعنى أننا نعيش في مجتمع والإنسان مدني بطبعه يحب العيش في جماعة لذا لقب بأنه حيوان ناطق عاقل اجتماعي أخلاقي.

 

وهذا يقودنا إلى قضية طالما كثر حولها الخلاف والجدال: هل القيم الخلقية متغيرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان أم أنها ثابتة تتعدى وتتخطى نطاق الزمكانية.

 

نعم هي قضية شائكة واختلفت حولها التوجهات، فهناك من يقول بنسبية القيم لاختلاف العصور، ومن يقول ذلك نجابهه بسؤال: هل معنى أن المظهر متغير، هل يعني ذلك انعكاسه على الجوهر، أليس ثمة فرق بين المظهر السلوكي والجوهر، هل قيمة مثل قيمة العفة متغيرة، الرأي عندي أن العفيف أو العفيفة مهما تغيرت الأمكنة والأزمنة ستظل على عفتها عملا بمبدأي الإلزام وكذلك الالتزام بالنسبة للآخرين.

 

وهذا الرأي لاقى رواجًا قديمًا عند السوفسطائية ومن شايعهم وسار على نهجهم، وهذا ليس غريبًا على من ينكر وجود حقائق مطلقًا، ليس غريبًا على من يقول بأنه لا يوجد شيء على الإطلاق.

 

وهناك رأي آخر عضده بعض فلاسفة الشرق أمثال كونفوشيوس، حكيم الصين، الذي تحدث عن العفة والشجاعة والكرم وفضيلة العدل والاعتدال أو ما عرف بعد ذلك عند حكيم اليونان العقلاني أرسطو بالوسط العدل المحمود، وإن كان أرسطو تراخى بعض الشيء قائلا إذا ما خير الإنسان بين الصحة والمرض سيختار الصحة.

 

فهؤلاء يرون أن القيم الخلقية مطلقة لا تتغير بتغير العصر، ليس هذا وحسب بل عضد هذا الرأي حكماء مصر القديمة عندما تحدثوا عن الدوافع والانفعالات والعواطف الحارة، كذلك فلاسفة الهند عندما تحدثوا عن الأخلاق في جانبيها السلبي والإيجابي، افعل ولا تفعل، افعل الخير، ولا تفعل الشر.

 

نعم واقعنا المعاصر يعج بالمتناقضات والمتغيرات، يعج بالنزعات المادية، وإنسان اليوم ليس إنسان الماضي، ولن يكون إنسان المستقبل، لكن ضرورة ملحة أن نبقي الخيط والرابط القيمي ثابتًا لا يتغير ولا تنفصل عراه وإلا سنتحول من الأنسية إلى البهائمية، وسنعود إلى شريعة الغاب وسيكون البقاء للأقوى لا البقاء للأصلح صاحب الفضائل الخلقية ومن هذا المنطلق بات الأمر ملحًا ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين أن نعلّم من نعول في البيت أو المدرسة أو الجامعة أو أي منبر من المنابر الإرشادية أن قيمنا ثابتة لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان.

 

وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه وسيحدث انسحاق قيمي سيهوي بالإنسان في بئر سحيقة ماؤها آسن لا يستطيع الخروج منه، وسيغرق في براثن الرذيلة وأتمنى ألا يحدث ذلك، مهما حدث تغير وإن كان لاح في الأفق المؤشرات الأولية، فهل أنقذنا ما يمكن إنقاذه.

 

سيظل الخير هو الخير، والحق هو الحق، والجمال هو الجمال، فمهما علا صوت الشر حتما سينتصر الخير، ومهما علا الباطل وارتفع فبالحتمية المنطقية سيتعالى صوت الحق وسيجد من يصرخ منتصرا له، ومهما مشي القبح متبخترا بقبحه فحتما سينظر ويزول ويحل محله الجميل.

 

فإذا لم نفق من سباتنا فسيحدث ما لا يحمد عقباه وسيحدث انسحاق قيمي سيهوي بالإنسان في بئر سحيقة ماؤها آسن لا يستطيع الخروج منه وسيغرق في براثن الرذيلة، وأتمنى ألا يحدث ذلك وإن كان لاح في الأفق المؤشرات التي تنذر بوقوع خطر قادم، فقد رأينا بأم أعيننا المناكير عيانا بيانا في وضح النهار والجميع شاهد بعينه ولم ينكر وما خفي كان أعظم.

 

أنقذوا البقية المتبقية لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

هذه مقالتي فهل من مجيب؟!

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز