عاجل
الإثنين 8 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ريان.. الرسائل والعبر 

ريان.. الرسائل والعبر 

في غيابة الجُب، قضى ريان خمسة أيام، يُصارع الموت والحياة، بينما أنظار الملايين- عبر دول العالم- ترقب جهود محاولات الإنقاذ، وتحيطه الدعوات بين الأمل والرجاء.



لكن قضاء الله كان أسبق إليه من أيادي فرق الإنقاذ، فلم تدم فرحة إخراجه من ظلمات الجُب دقائق، حتى أسدل خبر وفاته ستائر الحزن والأسى.

وفي المئة ساعة الأخيرة، من حياة ريان القصيرة، عظات وعبر، فكأن ذلك الطفل، الذي لم يتجاوز خمس سنوات من عمره، رسول جديد للإنسانية، ألقى برسائله والعظات والعبر، ونفض يديه ورحل.

يقول ريان في صمته، في ظلمات الجُب، بعمُق 32 مترًا:

١-  عندما يكون لديك وطن، دولة متماسكة، باسطة نفوذها على أرضها، فإنها ستحرك جبلًا سعيًا لإنقاذ طفلها، وعندما تكون في اللادولة، نتيجة الصراعات والانقسامات، فإن آلاف الأطفال سيقتلون جوعًا، وفقرًا، وفي مخيمات اللجوء، متجمدين، أو في المحيطات والبحار غرقًا، في رحلات اللجوء، دون أن يشعر بهم أحد، أو تذرف عين- غير عيون ذويهم- دمعة.

فهل نعي قيمة الدولة الراسخة، ونتصدى لمؤامرات هدم الدول الوطنية، حماية للبسطاء ومن أجل مستقبل الأبناء الذين يدفعون الثمن؟

٢-  على اتساع العالم للجميع، تتصاعد الصراعات، وتتضاعف أعداد القتلى، وعلى ضيق البئر، التي التقمت ريان، فاضت الإنسانية بتعاطف ودعم للطفل في محنته، رجاء وأملًا في نجاته، فما زال لدى الإنسانية مشترك يجمعها على الخير.

فهل تستطيع الإنسانية وأد الصراعات وتعظيم المُشترك؟

٣-  في الوقت الذي رفع فيه الملايين أكفهم يدعون الله أن ينجي ريان، باحثين عن كل خبر يحمل جديدًا على مدار الخمسة أيام، كان هناك من يتاجر بأمواج التعاطف تلك، لجني آلاف الدولارات؛ عبر بث مباشر على مواقع السوشيال.

تحوّلت محنة ريان- لدى البعض- لمجرد "ترند"، يستثمرونه لتعظيم أرباحهم، دون جديد يقدمونه، ولا مصادر يستندون إليها.

فهل من مواثيق شرف إعلامية موحدة إقليمية وعالمية، تتسع لتشمل مُنتجي المحتوى على السوشيال، تحترم المحن الإنسانية؟

وهل تستطيع إدارة فيس بوك ويوتيوب، خصم جزء من أرباح مشاهدات مثل هذا المحتوى، لتوجيهه إلى دور رعاية الأيتام، ودعم الأطفال بلا مأوى، المُقيمين بالدولة التي تشهد الحادث، ودولة مُنتج المحتوى؟ هذا مُقترح أطرحه لمن يهمه الأمر.

٤-  الطفل ريان جاء مندوبًا عن أطفال العالم، يطرق جرس إنذار، لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال، في مواجهة إهمال الأسر، قبل الحكومات، فكما مات في ظلمات البئر، التي ترُكت بلا إجراءات احترازية، يموت آلاف الأطفال يوميًا، خنقًا بالغاز، أو غرقًا في البانيو، أو صعقًا بالكهرباء، أو نتيجة إهمال طبي.

فهل حان الوقت ليؤدي كلٌ دوره في حماية الأطفال، الأسرة لرعايتهم، والإعلام للتوعية، والبرلمانات لمراجعة القوانين، والحكومات لتقديم الدعم وضمان سلامة الإجراءات وردع التجاوزات؟

يبقى السؤال: لماذا رحل ريان إلى دار البقاء؟ الإجابة: لأنه سلم رسائله للعرب، على مرأى ومسمع من العالم، من عمُق البئر صرخ بصوته المنهك، صرخة صامتة سمعتها أرجاء الكرة الأرضية.

لكن هل وجد أنين ورسائل ريان آذانًا صاغية، والأهم هل هناك أفئدة تعي مضامين تلك الرسائل التي بعث بها؟ لقد رحل ريان عن عمر خمس سنوات، لكنه سيبقى في ذاكرة العالم، وستبقى رسائله لم يتخذ منها العبرة، والعظة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز