عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
عيد الشرطة
البنك الاهلي
الشرطة المصرية.. بطولات الأحفاد على خطى الأجداد "١"

الشرطة المصرية.. بطولات الأحفاد على خطى الأجداد "١"

في الوقت الذي كانت فيه قوات الكوبرا، تقطع مسافة ٢ كيلومتر في الظلام الدامس بالصحراء القاحلة، قاصدة وكر أخطر التشكيلات الإجرامية من مهربي المخدرات؛ كانت قوات مكافحة الإرهاب تقطع ٢ كيلومتر سباحة وغوصًا في مياه النيل، لمداهمة سفينة تحوي أطنانًا من مخدر الحشيش.



 

العملية شديدة الخطورة والحساسية، ثمرة جهود طويلة من البحث والتحري، والمراقبة والتخطيط لتنفيذ مداهمة ناجحة بأقل الخسائر، في مواجهة تشكيل عصابي شديد الخطورة والتسليح.

 

البداية كانت برصد معلومات تفيد بمحاولة إغراق السوق المصرية بكميات من المخدرات، قادمة من الخارج، لتسفر جهود التحري عن إحباط محاولة تهريب ٦ أطنان من مخدر الحشيش، في حاوية قادمة من الخارج إلى مصر، عبر ميناء دمياط، عن طريق إخفائها في شحنة ألواح خشب.

 

الضربة الأمنية القوية، التي حمت شباب مصر، المستهدف، كبدت المهربين خسارة قيمتها ٤٨٠ مليون جنيه، قيمة المخدرات المضبوطة، لتواصل مراقبة دوائر التشكيل، لتكتشف أن ما خفي كان أعظم.

 

العصابة تشتري مركبًا نيلية متهالكة، لإعادة صيانتها واستخدامها في التهريب، والتشكيل العصابي اتخذ من منطقة صحراوية وعرة في كهف مصنعًا لإعداد المواد المخدرة للتوزيع والتهريب، وسط تحصينات رصد وتأمين للوكر، عبر مجموعات مسلحة.

 

بيد أن قوات الكوبرا بالشرطة المصرية، مسلحة بالإيمان والعزيمة وأحدث الأجهزة والأسلحة، تمكنت من اقتحام الوكر والسيطرة على العناصر الإجرامية، في ذات التوقيت الذي استطاعت فيه القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب، السيطرة على المركب، قبل أن يشعر مستقلوها من عناصر التنظيم، ليضبط في تلك العملية ١٥ طن حشيش أخرى، قيمتها نحو ١٥٠ مليون جنيه.

 

تلك العملية الاحترافية، لقوات مكافحة المخدرات، ليست هي الوحيدة، فقد ضبطت الشرطة المصرية ٩٠ ألفًا و٧٠٤ قضايا مخدرات خلال العام ٢٠٢١، إلى جانب ٢١ طن حشيش، ضبطت ٢.٣ طن هيروين و٨٠٥ كيلوجرامات من مخدر الاستروكس، و٢٤ مليون قرص لعقار الكبتاجون، تقدر القيمة المالية للمواد المخدرة المضبوطة بـ٥ مليارات و٨٣٤ مليون جنيه.

 

هذه أرقام ذات دلالات كبيرة، ليست صماء، فهذا يعني أن ٥ مليارات جنيه كانت ستخرج من جيوب أبناء الشعب لحساب تجار المخدرات، وأضعافها ستنفق على علاج المدمنين، وآلاف الجرائم قد يرتكبها متعاطو تلك المخدرات، حال لم يتم ضبط المهربين والتجار.

 

هؤلاء الأبطال من أبناء الشرطة المصرية، هم أحفاد لجيل من الأبطال الذين سطروا أسماءهم بأحرف من نور في سجلات الخلود، ليحتفي بتضحياتهم ويفتخر ببطولاتهم أجيال المصريين، جيلًا بعد جيل، ففي ذلك اليوم، ٢٥ يناير، من العام ١٩٥٢، وجهت قوات الاحتلال البريطاني إنذارًا إلى الشرطة المصرية بمحافظة الإسماعيلية، بضرورة إخلاء الأقسام والانسحاب من مدن القناة إلى القاهرة.

 

هذا الإنذار كان ردًا على تعاون بين الشرطة والمقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال البريطاني، بيد أن أبطال الشرطة المصرية رفضوا الإنذار وقرروا التمسك بمواقعهم حتى آخر نفس، لتبدأ المواجهة باتصال هاتفي من اللواء أحمد رائف قائد قوات الشرطة بالإسماعيلية بوزير الداخلية حينها فؤاد باشا سراج الدين، يخطره بالإنذار وقرارهم برفضه والمقاومة، وانتظار تعليمات الوزير، فكان رده: "حتقدروا يا أحمد؟"، "يا فندم مش هنسيب الإسماعيلية حتى آخر نفس فينا".. "ربنا معاكم استمروا في المقاومة".

 

وكانت البطولة التي سطرها التاريخ: عدد محدود من الرجال بأسلحة خفيفة وذخيرة محدودة، يقررون الدفاع عن أرضهم وكرامتهم وشعبهم حتى آخر نقطة دماء، في مواجهة جيش بريطانيا، أقوى إمبراطوريات الاحتلال في ذلك الوقت، بأحدث أسلحة ثقيلة، لكنها إرادة المصريين وعزيمتهم وعقيدتهم، التي دائمًا ما تقهر المستحيل.

 

حاصرت القوات البريطانية مبنى محافظة الإسماعيلية، ووجهت إنذارًا جديدًا إلى اليوزباشي مصطفى رفعت، قائد بلوكات النظام المتواجدة بمبنى محافظة الإسماعيلية، بإخلاء مبنى المحافظة خلال 5 دقائق، وترك أسلحتهم بداخل المبنى، محذرين من أنهم سيقتحمون المبنى بالأسلحة الثقيلة في حال عدم الاستجابة وإخلاء المبنى.

 

فكان رد البطل مصطفى رفعت: هذه أرضنا وأنتم من ينبغي أن ترحلوا. خاب ظن المحتلين، فقد واجهوا رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لتبدأ المعركة بقذيفة من قوات الاحتلال، ليكون عامل السويتش أول الشهداء، وتنقطع الاتصالات لتتواصل البطولات.

 

دارت معارك عنيفة، سطر فيها أبناء مصر بطولات سجلها التاريخ، مكبدين الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح في معركة استمرت ساعات تمكن فيها أبناء الشعب بالإسماعيلية من التسلل، رغم الحصار، لتقديم دعم الغذاء للمقاتلين الأبطال، الذين صمدوا حتى آخر رصاصة في ذخيرتهم.

 

ومع استحالة مواصلة القتال تفاوض اليوزباشي مصطفى رفعت مع الجنرال "ماتيوس"، قائد قوات الاحتلال في جميع مدن القناة، الذي حضر لإدارة المعركة، وعبّر عن انبهاره ببسالة وشجاعة الشرطة المصرية، مؤديًا التحية لليوزباشي مصطفى رفعت، الذي تمسك بإخلاء المصابين وتوفير العلاج لهم وإخلاء الشهداء، والخروج منظمين مرفوعي الهامة بأسلحتهم التي نفدت ذخيرتها، فكان له ما أراد.

 

ليحتفل المصريون في هذا اليوم- على مدار ٧٠ عامًا- بعيد الشرطة، عيد الكرامة والتضحية والفداء، عيد يتضح فيه أن بطولات الأحفاد التي تسطر اليوم هي امتداد لبطولات الأجداد، تلك التضحيات التي تتواصل جيلًا بعد جيل في سبيل حفظ أمن الوطن وشعبه.

 

ولعل الاحتفال اليوم بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي كان حافلًا بالرسائل البليغة، فقد غلب عليه الحرفية في عرض جهود وزارة الداخلية، وإظهار جهودها العظيمة وتضحيات أبطالها في سبيل أمن وسلامة الوطن، ويمكن إيجاز ملاحظات في النقاط التالية:

 

١- علاقة الشرطة المصرية وثيقة الصلة بالشعب منذ الميلاد، واستخراج شهادة الميلاد، وحتى شهادة الوفاة.

 

٢- الشرطة متنوعة التخصصات: مكافحة الجريمة الجنائية والاقتصادية، والأموال العامة، وحماية الملكية الفكرية، ومكافحة الإرهاب، وحماية أبناء الوطن من استهداف تجار المخدرات، فهي تحمي الشعب وتستهدف حياة آمنة بالمفهوم الشامل.

 

٣- الشرطة تتعامل بمفهوم جديد، ينحاز لحقوق الإنسان، فالأمن حق من حقوق الإنسان، وتطوير فلسفة العقاب، المؤسسات العقابية إنجازات محققة فعليًا على أرض الواقع، وهذا المفهوم يتسق مع فكر الجمهورية الجديدة.

 

٤- احترافية تنظيم الحفل تستحق الإشادة، بما حواه من تخطيط وتنظيم وتنوع في المحتوى والرسائل والوسائل، ما بين إحصائيات ومحاكاة لعمليات المداهمات الاحترافية، والإشارة إلى تطوير البنية الأساسية للمؤسسة الشرطية، والتأهيل والتدريب لرفع كفاءة العناصر البشرية، فضلًا على إبداع توظيف الوسائل الفنية.

 

٥- احترافية مقدم الحفل، الدكتور عميد أشرف أبو المجد، تستحق الإشادة، ثبات انفعالي، نبرة صوت قوية، بلاغة لغوية ومخارج ألفاظ دقيقة، وتناسق وتناغم مع فقرات الحفل الفنية والمعلوماتية.

 

وتبقى التحية لأرواح الشهداء، الذين اختاروا البقاء أحياء عند ربهم يرزقون، في سبيل رفعة وطنهم وأمن شعبهم، وتحية لأسرهم وتحية للأبطال بالشرطة المصرية، الذين يواصلون العطاء لحماية وطنهم.

 

وللحديث بقية إن شاء الله.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز