02:35 ص - الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
عقد الجامع الأزهر اليوم، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "الصلاة بين الشرع والطب" وذلك بحضور كل من؛ أ.د محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث، وأ.د رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، وأدار الحوار فضيلة الدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال الدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث: إن الصلاة فيها من الأسرار التي تحفظ البدن والروح " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وهذا النهي يترتب عليه حفظ للجسد والروح معًا، لأن الفواحش فيها مضرة لجسد الإنسان وروحه "لَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" لأن أثارها الظاهرية تظهر على جوارح الإنسان، أما الباطنة فهي أمراض القلوب، ولا يوجد رادع أكبر من الصلاة تردع الإنسان، كما أن الصلاة شرعت لإزالة الوحشة من قلب وروح الإنسان التي تكون سببًا في الهم والحزن، فالطب مهما بلغ من تقدم يظل عاجزًا أمام الهم لكن الصلاة قادرة على أن تؤنس قلب الإنسان وروحه فيذهب همه وحزنه، لذلك يجب على من يستعد للصلاة أن يستحضر عظمة الله سبحانه وتعالى وأن يستحضر الحالة الروحية التي تناسب هذه العلاقة المقدسة، لكي تكون الصلاة مؤنسة وشافيه لكل همومه وأحزانه، كما أن الصلاة هي أعظم وأهم موعد في تاريخ البشرية هو موعد لعلاقة بين العبد وربه، فالصلاة هي السبيل للقضاء على الأمراض التي تمنع صفاء النفس وتعيق راحة البال والتي يعجز الطب النفسي عن إيجاد حل لها.
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الحق سبحانه وتعالى عندما تحدث عن الصلاة كونها دعاء وصف تاركها بأنه متكبر " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم"، وسيدنا علي عندما سئل عن أشد جنود الله قال هي عشر: "جبال الرواسي، والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخّر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب أو بالشيء ويمضي لحاجته، والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السُّكْر، والهمّ يغلب النوم" فجاء أشدها الهم ولا يمكن أن يزول الهم إلا بالصلاة، كما أن الهم يتعدى خطره النفسي إلى مخاطر عضوية على الجسد، ولا يمكن التخلص منه إلا بنفس مطمئنة، كما أن الصلاة تكون سببًا في صلاح المجتمع وانضباطه، لأنها توجه مسار الإنسان في الحياة في كل شيء في حياته بداية من علاقته بربه وصولا إلى علاقته بكل شيء حوله.
وبين نائب رئيس جامعة الأزهر، أن تأثير الصلاة على جوارح الإنسان كبير لأن التعبد لله خمس مرات في اليوم يؤثر إيجابًا على الجهاز الحركي للإنسان، فحركات الصلاة تغير حالة هذا الجهاز بسرعة مما يجدد نشاط الإنسان، فلو نظرنا إلى صلاة الصبح نجد أن لها تأثيرا عظيا على الإنسان، كما أن بها طهارة للجسد من خلال الوضوء، تمثل وقاية للإنسان من الميكروبات والجراثيم، كما أن الصلاة يكون لها تأثير على شخصية الإنسان من خلال تعوده على حسن الاستماع وحسن الانتظام وحسن القيام بواجبه، كما أن الحقد الذي يكمن في قلب بعض الناس ويكون خطرًا على صاحبه وعلى المجتمع، هو نتيجة للبعد عن الله والبعد عن الصلاة، موضحًا أن ما يعانيه منه كثير من الناس من أمراض القلب والاضطراب النفسي، والأمراض النفسية الأخرى التي تكون سببًا في وصول بعض الشباب إلى الإلحاد، وكل هذا بسبب البعد عن الصلاة، لأن البعد عن الصلاة هو بعد عن الله وبعد عن الفطرة السليمة التي أمرنا الله بها.
من جانبه قال أ.د رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري: إن الصلاة عبادة تصل العبد بربه، لذلك من الإعجاز أن الصلاة بين العبد وربه ممتدة ومستمرة طوال ساعات اليوم فما انقطعت في منطقة جغرافية إلا ونجدها قد بدأت في منطقة أخرى، فلا تمر ثانية إلا وهناك ركوع وسجود لله في هذا العالم، لذلك حددت الصلاة بالعلامات، كما أن الصلاة أول فريضة لله على عبادة لذلك نجدها في جميع الشرائع، فقال سيدنا إبراهيم عليه السلام " رب اجعلني مقيم الصلاة" وأوحى الله إلى سيدنا موسى وأخيه هارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا"، كما أمر سيدنا اسماعيل أهله "وكان يأمر أهله بالصلاة" ووصى بها عيسى عليه السلام "وأوصاني بالصلاة" وهي أخر وصايا رسولنا الكريم صلى عليه وسلم "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" وهو دليل على مكانة هذه الفريضة لذلك جعلها الحق سبحانه وتعالى مقياس القرب يقول الحق تعالى "وأسجد واقترب".
وأضاف الدكتور رمضان الصاوي، أن الحق سبحانه وتعالى قسم الصلاة بينه وبين عبده، ففي الحديث القدسي " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل" فهي من الفوائد العظيمة التي تحصل للعبد، والصلاة فيها راحة للجسد وراحة للنفس لذلك قال النبي ﷺ "أرحنا بها يا بلال"، ولمكانة الصلاة شرعها الحق سبحانه وتعالى في السماء في ليلة الإسراء والمعراج، وذلك دليل على مكانتها العظيمة، ولمكانة الصلاة العظيمة وفوائدها الجليلة جعلها الله سبحانه وتعالى تؤدى على أية حال فرخص فيها الحق سبحانه وتعالى ليمكن الإنسان من أدائها سواء كان في صحة أو مرض أو سفر، فعن عمران بن حصين قال: "كانت بي بواسير ، فسألت النبي ﷺ عن الصلاة فقال : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك"، وهو دليل على ضرورة أداء الصلاة على أية حال.
وحذر الدكتور رمضان الصاوي من التهاون في أداء الصلاة، لأنها عماد الدين، وهي الحد الفاصل بين الشرك والإيمان، كما أن الصلاة تنقي الإنسان من الخطايا، فعن عبد الله بن مسعود قال "قال رسول الله - ﷺ: "تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا".
واختتم الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، الملتقى قائلًا: عندما نتكلم عن الصلاة نتذكر المسجد الحرام الذي أقامه سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء" لأن الصلاة بها من المقاصد العليا التي بينها ربنا في القرآن الكريم، كما بينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أن الصلاة تحقق الصحة البدنية للإنسان من خلال حركاتها التي تحدث نشاطًا في جسد الإنسان، بما ينشط الدورة الدموية للإنسان، إضافة إلى علاجها للأمراض القلبية التي حذر منها الإسلام، وتحقق للإنسان الصحة النفسية من خلال التزامه بالصلاة، إضافة إلى قدرة الصلاة على تحقيق التوازن المجتمعي من خلال ما يحصل للفرد من الالتزام بواجبه تجاه ربه والحفاظ على علاقته مع الآخرين من خلال الانضباط المجتمعي.
وبين عودة أن الآيات الكونية تدل على استمرارية قيام الصلاة ما بقي وجود هذا الكون، لأن مواقيت الصلاة محددة بعلامات، وما اختفت هذه العلامات من مكان إلا وظهرت في مكان آخر، وهذا الاتصال في قيام الصلاة دليل على المكانة العظيمة لهذه العبادة، كما أن الحملات التي تعمل على صرف شبابنا عن الصلاة، تهدف إلى فساد مجتمعاتنا وغياب أهم الضوابط الحاكمة لها وهي الصلاة، لتحدث جفوة بين شبابنا ودينه، فلا يوجد ما يمنعه عن الانحراف، كما أن التشكيك في رحلة الإسراء والمعراج الهدف الأساسي منه هو التشكيك في الصلاة، وعلى الشباب المسلم أن يتأمل في نفسه وما يصيبه من أثر التزامه بالصلاة، موصيًا الشباب بضرورة الالتزام بالصلاة لأن سعادتهم مرهونة بعلاقتهم بربهم ولا باب لهذه العلاقة إلا بالصلاة، وعلينا أن نعظم مواقيت الصلاة إذا كنا نريد التقدم والاستقرار لمجتمعاتنا، لأن المعاني المتحققة في نفس المصلي تجعله شخصا منضبطا وملتزما تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.