
فن الدبلوماسية .. سمات وكاريزما الصحفيين والإعلاميين
القنوات الإعلاميَّة العالميَّة بمختلف أنواعها (المرئيَّة، المسموعة، والمقروءة).. وغيرها من وسائل التَّواصُل الإعلاميَّة لا تُوافق على تعيين الصحفيِّين أو الإعلاميِّين دُونَ تقديم لهم وثيقة أكاديميَّة مجتازين بدرجة لا تقلُّ عن (75%) برنامجًا يشمل (مفاهيم البروتوكول والإتيكيت)؛ لكونه يمسُّ عمل الصحفي والإعلامي اليومي، بالإضافة إلى الخبرات الأخرى من حيث تحرير وكتابة الخبر الصحفي النَّموذجي بعيدًا عن الرَّتابة والنَّسق الرِّوائي الكلاسيكي المعتاد والمتعارف عَلَيْه منذُ سبعينيَّات القرن الماضي.
وتُعَدُّ مفاهيم البروتوكول والإتيكيت من أهمِّ مفردات نجاح وتميُّز سِمات الصحفي أو الإعلامي، بل هي الحجر الأساس للتَّأثير على الطَّرف الآخر أثناء اللِّقاءات الصحفيَّة أو الفعاليَّات الرَّسميَّة داخل البلد أو خارجه، كما ترَى المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة أنَّ الصحفي هو واجهة الدَّولة؛ لكونه يغطِّي جميع الأنشطة الرَّسميَّة، وبالتَّالي فهو الواجهة الرَّئيسة والأماميَّة للوزارة أو الجهة الَّتي يعمل تحت ظلِّها الصحفي أو الإعلامي.
يؤسفنا أن نقولَ إنَّ أغْلَبَ دوَل العالَم الثَّالث وبعض الدوَل الأخرى لا تُعير أهميَّة لمفاهيم البروتوكول والإتيكيت، ولا يزال في مخيِّلتها أنَّ هذه المفاهيم تقتصر على الأكل (الشَّوكة والسّكين والملعقة) وهذا هو بسبب قلَّة المعرفة بأهميَّة هذه المفاهيم، ولا نقول بأنَّ الجهلَ يخيِّم على عقولهم بسبب عدم اطِّلاعهم بأهميَّة مفاهيم البروتوكول والإتيكيت، وإنَّما هو عدم إدراكهم بهذا الفنِّ الرَّاقي.. وكم من صحفي أو إعلامي سبَّبَ أزمةً إعلاميَّة بسبب سُوء التَّصرُّف أو عدم مهنيَّة الأسئلة مع الضَّيف.
تتفاخر المدارس الدبلوماسيَّة البريطانيَّة وبعض الدوَل الغربيَّة بإضافة المهارات وفنِّ الدبلوماسيَّة إلى كُليَّات الإعلام والصحافة؛ لِمَا لها من أهميَّة كبيرة في إيصال المعلومة بكُلِّ سلاسة وحرفيَّة، حيثُ إنَّ مفاهيم البروتوكول والإتيكيت لا تقتصر على المفردات المتعارف عَلَيْها، وإنَّما أدخلتْ محاور جديدة ومهمَّة للصحفي والإعلامي ومِنْها: (فنُّ إدارة الحديث، فنُّ المجاملة، الأحاديث المحظورة، عِلم المعنى، تسلسل الأفكار المطروحة، عِلم الوظيفة، تكتيك الأسئلة المطروحة، فنُّ الاستماع والإنصات، عِلم النَّحْوَ، رحابة الصدر وبُعد النَّظر).. وغيرها من المفردات والمحاور الأكاديميَّة المستحدثة والمطوَّرة لكَيْ تواكبَ الطَّفرات التكنولوجيَّة الحاصلة في مجال الإعلام، ومِنْها (البودكاست) والدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الَّتي غزَتِ العالَم بسرعة البرق.
فعلى سبيل المثال، مسؤول أو مدير عام يحضر فعاليَّة رسميَّة تخصُّ عمله يُمكِن بالشَّهر مرَّة واحدة أو حسب الاحتياج، ولكنَّ الصحفي والإعلامي قد يحضر ويغطِّي أكثر من فعاليَّة رسميَّة باليوم الواحد، وبالتَّالي هنا تكمن أهميَّة الصحفي أكثر من المسؤول وهو ما تؤكد عَلَيْه المدرسة والأكاديميَّة الملكيَّة البريطانيَّة بضرورة تطوير مهارات الصحفي الإعلامي سنويًّا بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت؛ لكَيْ لا يتسبَّبَ بأيِّ إحراج لدائرته أو الجهة الَّتي يعمل فيها.
نحن لا نلوم الصحفي أو الَّذي يعمل في هذا المجال، وإنَّما النَّقد والمسؤوليَّة يتحمله مباشرة مديرو التَّدريب والموارد البَشَريَّة والمسؤولون على حقيبة التَّدريب والَّذين لا يُعيرون أهميَّة محاور المهارات الدبلوماسيَّة بالنِّسبة للعمل الصحفي، ونستثني من ذلك الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الَّتي لها تأثير على الرَّأي العامِّ ونَشْر الخبر بسرعة رمش العين، لذلك على مسؤولي التَّدريب أن يضعوا في أجندتهم أهميَّة هذه المحاور لِمَا لها من أثَرٍ بالغ في تحسين صورة الجهة أو الوزارة.
وتؤكد المدارس الصحفيَّة المُتخصِّصة أنَّ المهارات الدبلوماسيَّة ومفاهيم البروتوكول والإتيكيت هي من أهمِّ كاريزما وسِمات العاملين في القِطاع الصحفي، وهي مكملة للعمل الورقي من تحرير وكتابة الخبر ونَوعيَّة الصِّياغة، وصولًا إلى الفقرات والمحتوى والتَّدقيق والموافقة والبثّ، وإضافة محاور أخرى أهمُّها: إدارة الوقت، الهندام الخارجي، مستوى نبرة الصَّوت، إتيكيت المصافحة والمسافات البَيْنِيَّة والرَّسميَّة، اختيار العطور، اختيار ألوان الملابس أثناء النَّهار واللَّيل، وكذلك اختيار البدلات بتغطية الأنشطة خارج البلد، نَوعيَّة وزوايا التَّصوير الضَّوئي، مهارة كتابة الخبر استنادًا إلى عِلم اللُّغة العام، الابتعاد عن الكلمات باللَّهجة العاميَّة أو من لُغات أخرى، الابتعاد عن النَّسق الرِّوائي في صياغة الخبر، تجنُّب تحرير الخبر المُمل، إتيكيت الجلوس والمَشي، إتيكيت تناول الطَّعام، تبادل البطاقة الشَّخصيَّة.. وغيرها من النقاط الَّتي سوف نتطرق إِلَيْها لاحقًا. وبالنِّسبة للمرأة الصحفيَّة عَلَيْها الاهتمام بالنّقاط الآتية: عدم المبالغة بالمكياج، عدم المبالغة بالإكسسوارات والذَّهب والتَّباهي، عدم ارتداء الكعب العالي تجنُّبًا للمواقف المُحرِجة، الابتعاد عن ألوان الملابس الشعاعيَّة مِثل: الأحمر والأزرق والأصفر، الانتباه إلى حجم الحقيبة ونَوعها وألونها، تنسيق ألوان الملابس النَّهاريَّة أو اللَّيليَّة بحيثُ ما تزيد عن ثلاثة ألوان، وهناك محاور وسِمات أخرى في غاية الأهميَّة الَّتي تزيد من هيبة ووقار المرأة الصحفيَّة والإعلاميَّة والَّتي تعكسُ اسم دائرتها وجهة العمل، لذلك أيضًا عَلَيْها الاهتمام بالمحاور المُشار لها بالمقال.
ختامًا، فإنَّ الدبلوماسي والإعلامي هما عملة واحدة ذات وجهَيْنِ كلاهما يُمثِّلان الدَّولة في جميع الأنشطة والفعاليَّات وبكُلِّ الأوقات والأماكن.
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت