![البنك الاهلي البنك الاهلي](/UserFiles/Ads/8372.jpg)
![تحويل القبلة وعالمية الرسالة](/Userfiles/Writers/5349.jpg)
الحسيني عبدالله
تحويل القبلة وعالمية الرسالة
يحتفل المسلمون في النصف من شعبان من كل عام بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة. بعد أن ظل المسلمون طيلة العهد المكي يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى في رحلة الإسراء والمعراج، امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، الذي أمر باستقباله وجعله قبلةً للصلاة.
وفي تلك الأثناء كان رسول الله ﷺ يمتثل للحكم الإلهي، وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما راودته، وتتمثل في التوجه إلى الكعبة بدلاً من المسجد الأقصى. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى قصة تحويل القبلة وحب الرسول لذلك في قوله تعالى: "قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" (الآية 144، سورة البقرة).
وهو ما يثبت بالدليل القاطع أن الله سبحانه وتعالى قد جبر خاطر النبي محمد ﷺ جبراً يرضيه.
ولعل رجاء النبي ﷺ واستجابة الله له يأتي لعدة أسباب، منها أن بيت الله الحرام هو قبلة أبيه إبراهيم وهو أولى الناس به، وأوّل بيتٍ وضع للناس، ولحرصه على أن تتميز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت. ويدل على ذلك قول البراء بن عازب: "وكان يحب أن يوجَّه إلى الكعبة" (رواه البخاري). وما كان لرسول الله ﷺ أن يخالف أمر ربه، بيد أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجه إلى المسجد الأقصى بأن يصلي أمام الكعبة ولكن متجهاً إلى الشمال، كما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن عباس حيث قال: "كان رسول الله ﷺ يصلي وهو بمكة نحو المسجد الأقصى والكعبة بين يديه" (رواه أحمد).
والحقيقة أن تحويل القبلة من الدلالات الواضحة على عالمية الدعوة الإسلامية وتميز أمة الإسلام. لقد كان ﷺ متعلقًا قلبه بالمسجد الحرام طوال مدة ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا بعد هجرته إلى المدينة المنورة. عن البراء رضي الله عنه، قال: "إن النبي ﷺ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قوم. فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي ﷺ قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت". لقد كان يكنّه في صدره صلى الله عليه وسلم، وكل ما كان منه هو النظر وتقليب وجهه في السماء انتظارًا واشتياقًا لمنّة الله تعالى على هذه الأمة بإعلانها أنها الأمة المتميزة الخاتمة. ذلك أن الله تعالى قد أخبر نبيه في مكة وقت معاندة المشركين له بقوله: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا". وقوله: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا". وقوله لما اتهموه باتباع أساطير الأولين: "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما"، وقوله لما اتهموه بأنه يعلمه بشر: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" (سورة النحل، الآية 103). كل هذه نصوص من القرآن الكريم نزلت في مكة المكرمة، تشير إلى عالمية دعوة الإسلام ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه غير تابع، ودعوته ليست مقتصرة على قومه فقط كما كان من قبله من الأنبياء.