ناهد إمام
همس الكلمات
الضمير والرحمة!
كلما سمعنا عن "طبيب الغلابة"، في أي محافظة، نقول دائما إن الدنيا لا يزال فيها الخيرون، الذين لا يشغلهم اكتناز الأموال، ولكن الله سبحانه وتعالى، زرع الرأفة في قلوبهم للشعور بمن حولهم.
وتعد مهنة الطب في المقام الأول، مهنة الرحمة وكانوا دائما يطلقون على الأطباء والممرضين والممرضات "ملائكة الرحمة".
ودائما يظهر لنا طبيب الغلابة، حيث شدني مؤخرا، طبيب بمحافظة الشرقية، وهو الدكتور يحيى النجار، رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، حيث قام بإطلاق مبادرة طبية مجانية للفقراء والمساكين.. والسبب في ذلك دخول امرأة للكشف عنده وهي فقيرة جدا وترتدي حذاء من البلاستيك رغم اشتداد برودة الجو.
ومنذ تلك الواقعة، قرر الكشف بعيادته على الفقير والطفل واليتيم مجانا، بل وكتب الدكتور يحيى، على روشته الطبية، عبارة مؤثرة قال فيها: "عندما تقف امرأة فقيرة بحذاء بلاستيك بعيادتي، ونأخذ منها في خمس دقائق أجرة أسبوع زوجها، فهذا عمل تستحي منه الإنسانية، لذلك الكشف بعيادتي على الفقير والطفل واليتيم مجانا، ويرجى الاتصال قبل الحضور، حفاظا على حياء المريض وخصوصيته"، بعدها ترك أرقام عيادته.
كما تأثرت كثيرا بمصرع طبيب الغلابة في محافظة بورسعيد خلال شهر نوفمبر الجاري، الدكتور زكي صالح طبيب العظام.. ولا شك أن الموت حق علينا جميعا، ولكن الذي شدني هي حالة الحزن الشديدة التي سادت بين أهالي المحافظة بعد انتشار خبر وفاته، حيث لقي حتفه في حادث نتيجة سقوطه من المصعد "في بئر الأسانسير" عند ذهابه لأداء صلاة الفجر بالمسجد.
وفوجئت باتشاح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالحزن، لما كان يتمتع به من سمعة حسنة وسيرة طيبة، حيث كان يفتح العيادة الخاصة به للكشف على البسطاء بالمجان في كل يوم ثلاثاء، وكان يقبل طوال أيام الأسبوع الحالات التي لا تستطيع دفع قيمة الكشف والعلاج، واشتهر بحبه لعمل الخير ومساعدته الفقراء والمحتاجين، ولذلك أطلق عليه لقب "طبيب الغلابة"، ورغم رحيله ظلت سيرته العطرة والخير الذي كان يؤديه هو الباقي له.
وغيرهم من أطباء الرحمة في الكثير من المدن والمحافظات الذين يستحقون مننا الشكر والثناء على عطائهم.
وفي الواقع، بدأت أردد أننا ما أحوجنا في تلك الفترة إلى بث الرحمة في قلوب الجميع وليس فقط على مستوى الأطباء، وفي مقدمتها التاجر الشريف، الذي يراعي ربه في البضاعة التي يبيعها، فليس من المعقول أن يتفانى البعض من التجار البائعين في العمل على غش الزبون بأن يضع الثمرة العطبة وسط السليمة في غفلة منه، بحجة تكملة الميزان، وأحيانا يرفض البائع أن يختار "ينقي" المشتري الفاكهة أو الخضار الذي يريده، ويصر البائع على أنه هو الذي سيضع له الكمية التي يريدها حتى يتسنى له خلط السليم بالمعطوب، رغم الإصرار على البيع بالثمن الذي يحدده دون أي تنازل.. لتفاجأ ربة المنزل أو المشتري بأن نصف الكمية التي اشتراها لا تصلح للطعام.
بالإضافة إلى تفاني كل بائع في البيع بسعر مغالى ومخالف للبائع الآخر، الذي قد لا يبعد عنه أمتارا قليلة، ليقع الزبون فريسة لتباين الأسعار والتي لا يعرف حقيقة السعر المطلوب للسلعة.
ألستم تتفقون معي، أننا في حاجة إلى مراعاة الضمير وزرع الرحمة في قلوب كل الفئات والتعامل مع الآخرين بصورة أكثر إنسانية، حتى نواجه التحديات الخارجية التي تلقي بظلالها علينا جميعا؟!