عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: للزواج معايير أخرى

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

أمر مهم وخطير يجب أن تتم معالجته باهتمام شديد باعتباره شاغلًا أساسيًا لكل شاب سوف يقبل على الزواج. نعم هو أمر لو تعلمون خطير، ربما دفع البعض نحو رفض فكرة الزواج نهائيًا، وأعرف بعض من فعلوا ذلك، أو في أفضل الأحوال الإحجام عن الفكرة مؤقتًا إلى أن يستقر تفكيره ويرسو على شاطئ الأمان الذي قد تطول مدته ويجد الشخص نفسه وقد فاته القطار كما يقولون. 



المسألة وما فيها هي العلاقة بين الرجل والمرأة، الأسلوب الذي ينبغي أن تدار به الأمور خلال رحلتهما سويًا، التزامات وواجبات كل منهما خلال تلك الرحلة التي يفترض أن تستمر مدى الحياة. قدرة كل طرف على استيعاب الآخر واستعداده للالتزام والتضحية وترتيب أولوياته من أجل نجاح تلك الأسرة. 

ولا أقول إن الأمر يجب أن يبدأ منذ لحظة التعارف الأولى وليس بعد الزواج، ولكن أقول منذ لحظة الميلاد، فهي ثقافة يا سادة يجب أن يتربى عليها أبناؤنا منذ الصغر. أسلوب حياة يجب أن نربي أبناءنا في ظله حتى لا تصيبهم الحيرة فيما بعد. 

حديثي هنا لا ينصرف إلى معضلة من يسود الآخر، من يحكم ويتحكم في مصير الأسرة، تلك المعضلة التي مالت كل الميل فيما مضى إلى السيادة المطلقة للرجل، وكانت نتيجتها كفاحًا طويلًا لنصرة مبادئ المساواة وحقوق المرأة. 

وبالفعل حصلت المرأة على جزء كبير من تلك السيادة. لكن ظهرت أمامها فكرة مضادة وهي "المرأة تسود"، لنرى بعض الرجال وقد بدءوا يشعرون بعدم وجود المرأة وفقدان دورها الأساسي والمحوري في بناء الأسرة، فاتجه البعض من الرجال- وقد شاهدت ذلك بنفسي خلال عملي في أوروبا- إلى الزواج من نساء من آسيا وأفريقيا، ممن لا تزال فكرة بناء الأسرة تندرج ضمن اهتماماتهن.

رأيي المتواضع أن سؤالًا مهمًا يمكن أن يضبط الميزان ويوضح للطرفين طبيعة العلاقة التعاونية التي يجب تبنيها لإقامة أسرة ناجحة: ماذا لو سأل كل منهما نفسه وأجاب بمنتهى الصراحة: هل إذا رجع الزمان وتقدم لي نفس الشخص وعلم بصفاتي التي رآني عليها خلال السنوات الماضية، هل كان يقبل الزواج مني؟ هل إذا رجع الزمان وتقدمت لخطبتها وعلمت بطباعي التي عرفتها خلال السنوات الماضية، هل كانت تقبلني زوجًا لها؟

لكن يا ليت الأمر توقف عند هذا الحد، لقد تغيرت المعايير وانحرفت انحرافًا تقشعر له الأبدان، ويكفي أن نزور المحلات التي يرتادها المقبلون على الزواج لشراء مستلزماتهم لنعلم إلى أين نحن ذاهبون! 

حكى لي صديق يعمل في مجال الأدوات المنزلية أنه لما رأى ارتفاع الأسعار لم يتردد في توجيه النصح للآباء بشراء أشياء جيدة ذات سعر جيد، لتفاجئه العروسة بابتسامة تملأ وجهها وكلمات رقيقة قائلة له: وأنت مالك، أنت هتدفع حاجة من جيبك؟!

إذا كانت تلك هي سياسة العروسة مع أبيها فما بالنا عن شروطها في العريس الذي سوف يتقدم للزواج منها؟ نقول لأبنائنا دائمًا أننا بدأنا من الصفر بل ربما من تحت الصفر وأكرمنا الله بفضله ونجحنا، لنفاجأ بهم يتحدثون عن واقع غريب، جعلني شخصيًا أتصور أنني أعيش على كوكب آخر. ما بال الفتيات في هذا العصر لا يردن إلا من يملك المال، بل المال الوفير؟ زمان، وكان ياما كان، كانت هناك من تبحث عن ذلك ايضًا، لكن كانت هناك الكثيرات من الباحثات عن الفتى الطموح المجاهد المعافر الذي ترى في وجهه مستقبلًا مشرقًا تتحقق فيه كل آمالها. وكانت في سبيل ذلك على استعداد لتحمل كافة الصعاب معه حتى يشعروا في نهاية الرحلة بثمرة كفاحهم.

لا أنكر أن من حق الفتاة أن تؤمن مستقبلها، لكن ليس ذلك بالملايين ولا الشقق الفارهة، كل ذلك يمكن أن يتحقق إذا وقع اختيارك على شخص طموح لديه خطة واضحة لإدارة حياته. أسمع صوتًا يقول لي: وماذا لو لم ينجح هذا الشخص؟ أقول إنه في تلك الحالة لن ينكر عليهم أحد أنهم قد فعلوا الصواب وبذلوا الجهد، وربما يكون منع المال الكثير عنهم خيرًا من الله لو كانوا يعلمون، لكن المؤكد أن رحلتهم لم تذهب هباء، قد يكون العوض في أبناء صالحين أو صحة جيدة، أو الرضاء بالحال، ومأ أعظمها من نعمة. 

لا أملك إلا نقل الخبرات والتجارب التي رأيتها وتعلمت منها على مدار حياتي. رأيت من لا تقبله أي فتاة لفقره وظروفه المتهالكة، وبعد سنوات يصبح هذا الشخص بجده واجتهاده نجمًا لامعًا تتطلع إليه عيون نادمة رفضته فيما مضى. 

ورأينا من تهافتت حوله العيون ولم تنل منه في النهاية شيئًا إلا الكسل والإسراف والفشل.

فكروًا كثيرًا قبل أن تندموا.. الأمر خطير.

 

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز