د. حسام الإمام يكتب: أين ذهبت البساطة؟
البساطة والتلقائية.. كلمات تعرفها الأذن جيدًا، لكنها رغم ذلك تعتبر مفتقدة بشكل ملموس في حياتنا بشكل عام، وبشكل خاص فيما نشاهده من أعمال فنية كنا ننتظرها دائمًا لتخرجنا قليلًا من روتين الحياة الممل. وفي وسط ذلك الكم الرهيب من الأعمال المصطنعة "الملفقة" على غير استحياء، وبشكل لا يخفى على أحد، تسهل المقارنة بين تلك الأعمال وأعمال قديمة كثيرة ربما يأتي في مقدمتها فيلم ابن حميدو، الذي أعتبره رمزًا للبساطة والتلقائية في أبهى صورها. لا أدرى السبب في متابعتي لهذا الفيلم كلما تم عرضه، علمًا بأنه من أكثر الأفلام التي تتم إعادتها على كثير من القنوات.
في كل مرة لا أقول إنني أضحك، بل أقول إنني أضحك كثيرًا ومن قلبي، رغم أنني أعلم مسبقًا كل الإيفيهات والنكات التي سوف يلقيها الممثلون! فما سر ذلك؟
منذ اللحظة الأولى لبدء الفيلم وأنت تضحك، لكن تأتي القنبلة التي تبكيني ضحكًا عندما أرى الباز أفندي يدخل مكتبه على الدراجة وسكرتيره الخاص يجري خلفه؟ كيف لا نبكي ضحكًا ونحن نقرأ يافطة الباز أفندي، تلك اليافطة العجيبة "ساقط توجيهية ووكيل الأعمال وسمسار مراكب وقباني.. وبالعكس"! يعنى كما قال عبد الفتاح القصرى "شهر عقاري متنقل". وأتساءل دائمًا من الذي دار بباله ذلك الإيفيه الرهيب؟
فيلم عجيب مثله مثل أفلام كثيرة قديمة، تثيرك فتكتب عنها بدل المرة ألف مرة دون ملل. عبقرية كتاب السيناريو والحوار تصل بك إلى تصور استحالة وجود سيناريو ولا حوار! فمن يقدر على كتابة كل هذا الكم من الإيفيهات العجيبة؟ نشعر بأن كل ممثل قد أخبروه فقط عن دوره من دون تفاصيل ولا حوار، ثم ألقوا به أمام الكاميرا ليرتجل كيفما شاء، سباق إيفيهات بين الممثلين، وترى دومًا حولهم الممثلين غير الكوميديين لا يتمالكون أنفسهم من الضحك، وربما تعطل التصوير بسبب عدم قدرتهم على التوقف عن الضحك بسبب إسماعيل ياسين وزينات صدقي والقصرى.
هي البساطة وما أدراك ما البساطة، وصفوا أعمال عبد الحليم حافظ بالبساطة، وأيضًا محمد فوزي وكأنها تهمة بشعة، لم يعلموا أن البساطة "مش حاجة سهلة"، ولا يجيدها إلا القليلون.
تلك البساطة هي التي تجعلنا نرى أجيالًا لم تعاصر حليم ولا فوزي ولا إسماعيل ياسين، لكنهم يعجبون بأعمالهم بل ويعشقونها وتعلق بأذهانهم، هي البساطة والتلقائية لا شك.
بالنسبة لي أصبحت البساطة أسلوب حياة، أتبعها في كل أموري، حتى عند تقديم المادة العلمية للطلاب والمتدربين. أصبح بيننا عشق خاص، يزداد هذا العشق كلما تلقيت ردود فعل إيجابية ممن يتلقون عني خبراتي ومعلوماتي، وأتذكر منذ فترة قريبة جدًا عندما كدت أن أبكي وأنا أجد أحد المتدربين من الأشقاء المغاربة يترك مقعده فجأة ويتقدم ناحيتي ليقبل رأسي أمام كل زملائه قائلًا بلكنته المميزة "ما شاء الله تبارك الله دكتور حسام".
ولا أجد تفسيرًا عندما يسألونني عن سر تلك البساطة إلا رغبتي الأكيدة في توصيل المعلومة إليهم، وبما يجعلني أحرص كل الحرص على توظيف كل إمكانياتي وأدواتي لتوصيل المعلومة.
يقيني أن التميز في التخصص لا يكفي لتوصيل المعلومة للآخرين، وأفضل طريقة لتوصيل المعلومة هي تبسيط المعلومة. لطالما عاصرنا أساتذة عظامًا في علمهم، لكنهم لا يمتلكون مهارة نقل المعلومة. وآخرون يلقون بما لديهم إليك وكأنه حمل ثقيل يريدون أن يتخلصوا منه ويفرون بمنتهى السرعة!
يا عزيزي إن كنت لا تستمتع بما تقدمه فلا تنتظر أن يستمتع به الآخرون. تلك المتعة يمكن أن نراها في أي مجال، ليس فقط الفنون ولكن في شخص يقدم محاضرة بطريقة مميزة وربما صانع يؤدي حرفته بمهارة.
مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]