دكتور حسام الإمام: لغتنا جميلة.. والله جميلة
لا ولم ولن أجد عذرًا لمن يحرصون على التشدق ببعض الكلمات الأجنبية دون داعٍ، وبخاصة إن لم يكونوا من خريجي مدارس اللغات الذين تعودوا على التحدث بلغة مدرستهم طول الوقت، رغم أنني أعرف من الزملاء من يتقنون عدة لغات ولا يتفوهون بكلمة أجنبية واحدة عند حديثهم باللغة العربية.
على الجانب الآخر تجدها أو تجده وقد نظر إليك بكل ثقة ثم فتح فمه قائلا: أوكاااااااااى، فاين فاين.. يقولها بمنتهى الثقة وينطقها وكأنه قد ولد وتربى في نيويورك، ثم يفاجئك عندما يتطلب الأمر بأنه لا يعرف سوى بعض الكلمات التي لا تغني من فقر ولا تشبع من جوع!
لمَ إذن يحرصون على فعل ذلك، هل أخبرهم أحد أن لغتنا العربية تفتقر إلى تلك المفردات؟ أم همس إليهم شيطانهم بأن الحديث بها أصبح جالبًا للعار؟ لست أفهم.
كان هناك جيل من الفنانين يجيدون أكثر من لغة، ونحن لم نعلم عن ذلك شيئًا إلا بالصدفة، ببساطة لأنهم لم يحاولوا إظهار ذلك طالما لم يتطلب الامر الحديث بلغة أجنبية. ولعل أشهرهم كان رشدي أباظة وعمر الشريف، لم نر أحدهما "يحشر" أي مصطلح أجنبي في حديثه باللغة العربية، بل نعلم جميعًا أن رشدي أباظة كان لا يخجل أن ينطق كلمة تليفون كما ينطقها أهل الريف "تلفون". وربما أن هناك من نبهه إلى ذلك لكنه لم يغيرها فهل نقص ذلك من شأنه شيء؟ على العكس ها نحن نشيد به وبلهجته الأصيلة، وأنه لم يكن "محدث نعمة" يحرص في كل محفل على استعراض لغاته الأجنبية.
بالطبع رأينا جميعًا عمر الشريف في لقاءات متنوعة يتحدث بالعديد من اللغات، لكنه أبدًا لم يتفوه بكلمة إنجليزية عندما يتحدث العربية ولا فرنسية عندما يتحدث الإيطالية أو الاسبانية، ما الحاجة لذلك؟
أنا لا أدعو إلى مقاطعة اللغات الأجنبية، فديننا يرشدنا إلى أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم، لكن أقول إن كان الحديث باللغة العربية فلم لا نحرص على أن نتحدثها بشكل جيد، وكذلك الحال بالنسبة للغات الأخرى إن كنا نجيدها.
صدقني لن يفيدك أن تتفوه ببعض الكلمات الأجنبية لأنك ببساطة سوف تتعرى وتنكشف على حقيقتك إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن غدًا لناظره قريب!
استفزني للحديث عن هذا الأمر مرارًا وتكرارًا ما أشهده كثيرًا من العديد من الزملاء، قد يكون لك مبرر أن تتحدث ببعض الكلمات من لغة أجنبية مع أهل تلك اللغة ليعرفوا أنك على دراية ببعض مفرداتها، لكن أن تفعل ذلك مع أهلك الذين يتحدثون لغتك، لماذا؟ ما المبرر؟
هل تعلمون أيها السادة أن اللغة العربية هي أثرى اللغات بمعانيها ومفرداتها؟ هل تعلمون أنها تحوي نحو 16000 جذر لغوي يشتق منها العديد والعديد من المعاني في حين تقف اللغات الأخرى أمامها حائرة، عاجزة تمامًا عن مجاراتها لفقرها وعدم احتوائها إلا على بعض المئات وربما في أفضل حال ألف أو ألفي جذر لغوي تتكرر معها المعاني، فنجد الكلمة الواحدة وقد بات لها عشرون معنى ومقصدًا في حين نجد لكل منها مقابلًا مستقلًا في اللغة العربية.
أقول ذلك ليعرف من لا يعرف أن لغته العربية هي الأجدر بأن نتباهى بها. تمسكوا بجذوركم، احتموا بها أمام الرياح العاتية التي لا همّ لها إلا أن تقتلع تلك الجذور وتترككم عرايا أمام أنفسكم.
مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]