د. حسام الإمام يكتب: فيلم قديم جدًا جدًا جدًا
الظلم في حياة الإنسان هو قصة قديمة لا تمل التكرار، نرى المظلوم فنبكي ونتحسر على حاله، ونرقب الظالم ونحتار لسلوكه وأفعاله، ونتساءل بمنتهى الانفعال: أين ضميره؟ ألا يفكر في عقاب الله له؟ فلا يهدئ من روعنا إلا قناعتنا وإيماننا أن الخير سوف ينتصر حتمًا في النهاية.
أنا هنا لا أحكي فيلمًا قديمًا مما اعتدنا مشاهدته عن الظالم والمظلوم، بل واقعًا عايشته بنفسي وعايشه ويعايشه الكثيرون يوميًا، فهذا الشخص الظالم موجود بيننا بالفعل. السؤال المحير: هل لا بد من وجود هذا الظالم في حياتنا، هل لا بد أن يظلمنا الآخرون حتى نتقدم وننتصر؟ هل يجب أن نعتبر الظلم هو الحافز للجد والاجتهاد؟
"مش عايزك تنسى إن أنا خدمتك خدمة كبيرة، تعتقد لو مكنتش دخلت السجن كنت هتبقى بالذكاء اللي أنت فيه ده؟ أبدًا، كنت هتبقى مجرد سكيوريتي تافه متعرفش تاخد قرار واحد في حياتك"... آخر كلمات الراحل عزت أبو عوف لكريم عبد العزيز في آخر مشهد من فيلم "واحد من الناس".
ما هذا الكلام؟ هل لا بد من التعرض للظلم حتى يتحول الشخص من الذكاء المحدود إلى هذا المستوى من التفكير، بل وقيادة أشخاص ما كان ليجرؤ- بالفعل- على إلقاء التحية عليهم فيما مضى؟ هل لا بد من ذلك حتى ينتقل الإنسان من حال إلى حال أفضل؟
الظلم موجود وسيظل طالما وجد الإنسان، ولن ينتهي وجوده إلا بانتهاء الحياة الإنسانية. التعرض للظلم هو أمر متكرر وبأشكال متنوعة ومختلفة، هناك ظلم بمجرد كلمة أو نظرة وربما ابتسامة، نعم ابتسامة ساخرة من الشخص وحاله يمكن أن تسبب له ظلمًا. هناك من قد يهزمه هذا الظلم وهناك أيضًا من اعتبر ذلك الظلم تحديًا وحافزًا للنجاح وإثبات الذات. وقد تتراكم لدى المظلوم الرغبة في الانتقام ويتحقق له ما يريد، وإن كنت قد رأيت كثيرًا رغبة الانتقام وهي تتقلص وتتحول إلى مجرد ابتسامة عند رؤية الظالم وهو يحترق لما حققه المظلوم وما صار هو إليه، واكتفاء المظلوم برؤية الظالم وهو يسير نحوه طوعًا ليلقي عليه بالتحية، وقد أصبح المظلوم الشخصية الرئيسية في اللقاء.
رغم ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن نتفق أو نوافق على اعتبار الظلم شرطًا للنجاح والتفوق في العمل، ولا أن يكون الحافز الطبيعي للبعض، ولا بد أن يكون هناك عقاب للظالم، اللهم إلا أن سامحه المظلوم وعفا عنه، فهذا له شأن آخر.
في فيلم "واحد من الناس" إذا عاد الزمن فما هو الاختيار الأفضل لهذا الشخص المظلوم؟
أن يحيا مع زوجته وابنه في أمان في شقتهم البسيطة، ويعمل سيكيوريتي راتبه لا يصل إلى ألف جنيه في الشهر ويذهب لمساعدة والده في محل العطارة مساءً. يخرج للفسحة مع أسرته يوم إجازته ويمضي الليل بجوار زوجته يفكران كيف يدبران المصاريف لاستكمال باقي الشهر، ثم ينامان تعبًا من التفكير والعجز عن الوصول لحل، ويظل يحلم بالأفضل ويعمل على تحقيق حلمه.
أم يصبح على ما هو عليه الآن؟ سوابق خارج من السجن، لكن أصبح له علاقات واسعة مع أكبر رجال الأعمال، يعرفونه ويطلبونه في مهمات صعبة، وبمقابل كبير. يلبس أفضل الثياب ويركب سيارة ويذهب إلى النوادي الكبيرة مع ابنه، ويساعد والده بالمال، لكن تموت زوجته ويصبح ابنه يتيمًا ويفتقد إلى الأبد حب حياته الوحيد؟
ماذا يختار؟
ما لا يجب أن ننساه أن من يتعب ويجتهد يصل دون شك إلى ما يريد، لأن الله- سبحانه وتعالى- كتب على نفسه أنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا. لا يشترط أن يكون العائد مالًا، ربما راحة بال وسعادة، ربما نعمة الرضا التي لا تضاهيها نعمة، ربما العيال الصالحة أو الزوجة الحنونة. ليس الظلم إذن شرطًا للنجاح كما ادعى الظالم في حواره السابق مع بطل الفيلم، ولا يبرر له ظلمه ما وصل إليه المظلوم من تفوق ونجاح.
مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]