![البنك الاهلي البنك الاهلي](/UserFiles/Ads/8372.jpg)
![بطولات نادرة](/Userfiles/Writers/5349.jpg)
الحسيني عبدالله
حكايات مصيرية
بطولات نادرة
وصفها الرئيس الراحل محمد أنور السادات بقوله "إن السويس في 24 أكتوبر عام 1973 لم تكن تدافع عن نفسها، ولكن كانت تدافع عن مصر كلها"، بعدما أظهر شعبها بطولات نادرة.
ففي السويس.. دارت آخر معركة كبرى في حرب أكتوبر المجيدة، قبل بدء سريان وقف إطلاق النار.. المعركة التي منعت تحول نصر أكتوبر إلى هزيمة.. وفقاً لرأي القادة العسكريين. يقول المؤرخ العسكري اللواء جمال حماد في كتابه «المعارك الحربية على الجبهة المصرية».. في وصف معركة السويس.. كانت الساعة الثانية صباح 24 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1973، حين تلقى الجنرال إبراهام أدان، قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية، التي تحاصر السويس، رسالة لاسلكية من الجنرال جونين، قائد القيادة الجنوبية، يسأله إذا كان بمقدوره احتلال السويس خلال ساعتين ونصف الساعة، في الفترة بين الساعة الرابعة والنصف فجرا، وموعد السريان الثاني لوقف إطلاق النار في السابعة صباحا. رد «أدان» بأن هذا يتوقف على عدد المصريين المقاتلين بالمدينة، ومدى تصميمهم على القتال، وأنه يستطيع الاستيلاء على جزء من المدينة على أسوأ الفروض، يؤكد «حماد» في كتابه أن «جونين» تردد قليلا ثم قال: «حسنا، إذا كانت بئر السبع، فتقدم على الفور، وإذا كانت ستالينجراد، فلا تدخلها»، ويشرح اللواء «حماد» معنى الرد، فإن كان الدخول بسهولة استيلاء الإسرائيليين على بئر السبع الفلسطينية في 20 أكتوبر 1948، فإنه يوافق على الهجوم، وإذا كان سيجد مقاومة كتلك التي صادفها الجنرال الألماني «فون باولوس» عند محاولته اقتحام ستالينجراد الروسية عام 1942، فينبغي عدوله عن المحاولة. اعتقد الجنرال آدان أن الأمر سيكون مثل «بئر السبع»، فأمر قواته بالهجوم صباح 24 أكتوبر.
يؤكد «حماد» أن المدينة سهرت في انتظار وصول الأعداء، وعندما نادى المؤذن لصلاة الفجر، اكتظت المساجد بالناس، وفي مسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة، أم المصلين الشيخ حافظ سلامة، رئيس جمعية الهداية الإسلامية، وعقب الصلاة، ألقى المحافظ بدوي الخولي كلمة قصيرة، أوضح فيها أن العدو يستعد لدخول المدينة، وطالب بالهدوء وضبط الأعصاب، وأن يسهم كل فرد بما يستطيعه، وهتف: «الله أكبر.. الله أكبر».
في الساعة السادسة صباحا بدأت الطائرات الإسرائيلية في قصف الأحياء لثلاث ساعات متواصلة وبشدة، وفي التاسعة والنصف تقدمت كتيبة مدرعة من لواء العقيد آرييه، وعندما حاولت سرية المقدمة عبور الكوبري للوصول إلى شارع مصطفى كامل، تصدى لها كمين قوي من رجال القوات المسلحة بصواريخ مضادة للدبابات، فأصيبت الدبابة الأولى، وتعطلت فوق الكوبري الضيق، فاستدارت باقي الدبابات إلى الخلف، وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا وصلت كتيبة مدرعة من لواء العقيد جابي إلى منطقة المحافظة دون مقاومة، وبعدها بخمسين دقيقة تقدمت كتيبة مدرعة مدعمة بكتيبة مظلات، ووصلت الموجة الأولى إلى ميدان الأربعين في السويس.
ويكشف «حماد» أنهم كانوا فى كمائنهم، ويشير إلى الفعل العظيم لرجال منظمة سيناء العربية، بإطلاق محمود عواد قذيفتين آر بى جى، أعقبه إبراهيم سليمان في كمين آخر بقذيفتين، واحدة أصابت دبابة، والثانية أحرقت عربة بمظليين إسرائيليين، ويؤكد: «كانت هذه اللحظات نقطة التحول في المعركة، ففي الوقت الذي توقفت فيه مدرعات الموجة الأولى بتأثير ضربتي «إبراهيم سليمان» خرج آلاف إلى الميدان والشوارع المحيطة بقسم الشرطة يهتفون: «الله أكبر، الله أكبر»، وأطلقوا نيران بنادقهم ورشاشاتهم على أطقم الدبابات، بينما ألقى البعض بقنابل يدوية داخل أبراج الدبابات التي أخذت تنفجر، ويشتعل بعضها بالنار حتى تحولت المنطقة إلى قطعة من الجحيم، وقفز الإسرائيليون من الدبابات والعربات المدرعة، وهم في حالة عارمة من الذعر والارتباك، وأسرعوا في مجموعات يحتمون بمبان مجاورة لقسم الشرطة، وحاول بعضهم الدخول إلى سينما رويال، ولكنهم ضربوا عند مدخل السينما».
يذكر «حماد»، أن نحو 25 فردا إسرائيليا نجحوا في دخول قسم شرطة الأربعين، واستطاعوا بنيران رشاشاتهم السيطرة عليه، وكان في داخله ضباط شرطة وجنود، وتمكن خمسة إسرائيليين من الصعود إلى سطح عمارة مجاورة، وبدأوا في مواجهة أي محاولة لدخول القسم لتحريره.
بذلت محاولتان بطوليتان من قبل رجال الشرطة لاقتحام القسم، قاد الرائد نبيل شرف، الأولى، وقاد النقيب عاصم حمودة، الأخرى، لكنهما استشهدا ومعهما ستة من ضباط الصف والجنود، وفي الساعة الرابعة مساء قررت مجموعة «إبراهيم سليمان، وأشرف عبدالدايم وفايز أمين، وإبراهيم يوسف» اقتحام القسم.
تسلق «سليمان» السور الخلفي حاملا مدفعا رشاشا في يديه، ولمحه قناص إسرائيلي مختفيا في الطابق الثاني فأطلق عليه النيران، وسقط شهيدا، وظل جثمانه معلقا على سور القسم حتى فجر اليوم التالي، كما سقط الشهداء إبراهيم سليمان وأشرف عبدالدايم وفايز أمين عند محاولتهم الاقتحام، وأخيرا صعد جنود ورجال المقاومة الشعبية إلى سطح العمارة المجاورة للقسم، وتمكنوا من الفتك بالخمسة الإسرائيليين الموجودين عليه.
وعن هذه الحرب والبطولات يقول المؤرخ السويسي، حسين العشي، في كتابه «خفايا حصار السويس.. 100 يوم مجهولة فى حرب أكتوبر 1973»: «كان الإسرائيليين لا يتخيلون أن هناك في السويس من سيحاول إطلاق رصاصة واحدة عليهم، وأن المصريين سيرفعون راية التسليم خوفا وهلعا». يذكر «العشي»، أن أبطال المقاومة توقعوا خطة اقتحام العدو.. وهو ما كان واضحا أثناء سير المعركة ومن اللحظة الأولى، فبمجرد دخوله السويس، تعرض اللواء الإسرائيلي لكمين تكبد على إثره خسائر فادحة، كما أُمطرت قوات المظليين بوابل كثيف من النيران، جعلتها محاصرة داخل المباني السكنية التي لاذت بها.
وعبر تلاحم بديع مع قوات الجيش الثالث والشرطة المدنية بالسويس، نجح أبطال المقاومة الشعبية في تدمير 67 دبابة إسرائيلية في غضون 3 ساعات.
أهل السويس كانوا صائمين في هذا اليوم من شهر رمضان المبارك، فإن أحدا لم يحس بالجوع أو العطش ولم يهتم بتناول طعام أو شراب إلا النذر اليسير، فقد كانت المعركة ضد الأعداء هي محور اهتمام جميع المواطنين.