«المال الأسود» يحكم البيت الأبيض
كتبت ابتهال مخلوف
مع احتدام سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يشهد وادى السيليكون – قلعة التكنولوجيا والابتكار فى العالم – صراعًا علنيًا ليس معتادًا بين أباطرة رجال الأعمال، ما بين مؤيد لدونالد ترامب المرشح الجمهورى، وكامالا هاريس المرشحة الديمقراطية، إذ تتدفق خلاله ملايين الدولارات «المال الأسود» التي قد تدفع بمرشح للوصول للبيت الأبيض لصالح حفنة من رجال الأعمال.
وما أثار حالة من الجدال، إعلان بعض المؤثرين فى صناعة التكنولوجيا مثل «إيلون ماسك»، أغنى رجل فى العالم بثروة تقدر بـ 221.4 مليار دولار، تأييده لـ»ترامب» صراحة عبر منصته «إكس» عقب محاولة اغتياله فى يونيو الماضى.
وانضم «ماسك» إلى لجنة عمل سياسى مؤيدة لـ«ترامب» تسمى America PAC، مكونة من رجال أعمال من المحافظين النافذين فى صناعة التكنولوجيا ولديهم علاقات مع «SpaceX» و«Paypal»، ومنهم التوأم وينكليفوس رواد الأعمال فى مجال العملات المشفرة «البيتكوين» الذين حاولوا التبرع بأكثر من الحد الأقصى القانونى لمختلف الكيانات المؤيدة لترامب والحزب الجمهورى.
فى المقابل، اجتمع اكثر من 700 مستثمر فى الوادى فى حركة اُطلق عليها «VCs for Kamala» لدعم المرشحة الديمقراطية فى مواجهة مؤيدى ترامب الأثرياء مثل ماسك، وكان أبرز داعمى هاريس مستثمرون فى مجال الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية وأشباه الموصلات، منهم المؤسس المشارك لـ LinkedIn الملياردير ريد هوفمان، الذي تبرع بمبلغ 10 ملايين دولار للجنة عمل سياسية مؤيدة لبايدن والتي تدعم الآن هاريس، وبعد أيام، دعاها علنًا إلى استبدال رئيس لجنة التجارة الفيدرالية، ما أثار مخاوف أنه يشترى بدولاراته النفوذ فى إدارة هاريس.
ويتمتع أثرياء أمريكا والشركات العملاقة فى وادى السيليكون نفوذًا هائلًا فى اختيار الرئيس الأمريكى وأجندة الإدارة الأمريكية، بفضل قوانين تمويل الحملات الانتخابية الضعيفة، وهى علاقة تبادلية بين المال السياسى الذي يصفه البعض بالمال الأسود وبين أصحاب النفوذ، فدعم وادى السيليكون سواء لترامب أو هاريس من أجل مصالح اقتصادية وتضخم أرباح الشركات على حساب المصلحة العامة عبر التأثير فى القرارات المناهضة لصناعة التكنولوجيا، مثل قانون مكافحة الاحتكار الأخير ضد جوجل وجلسات الاستماع فى الكونجرس بشأن الضرر الذي يلحق بالمراهقين من وسائل التواصل الاجتماعى مثل إنستجرام وفيسبوك.
ويتفاقم الانقسام فى وادى السيليكون لدرجة تبادل الاتهامات والسباب بين أباطرة «الوادي» حول ترامب وبايدن ومن منهما أفضل للابتكار التكنولوجى والظروف التي تحتاجها الشركات الناشئة للازدهار، وبعد أن كانت المناقشات السياسية تجرى فيه خلف الأبواب المغلقة أصبحت علنية عبر برودكاست ووسائل التواصل الاجتماعى، والبيانات الانتخابية على الإنترنت.
وما يثير المخاوف من تأثر العلاقات التجارية وحالة الانسجام بين شركات الوادى العملاقة، حيث بالفعل شهدت منصة إكس تلاسن لفظى بين إيلون ماسك وبين المستثمر فى التكنولوجيا المؤيد للحزب الديمقراطى، فينود خوسلا، حيث وصفه ماسك بـ«المختل» بعد انتقاده لترامب.
كما وصف آرون ليفي، الرئيس التنفيذى لشركة «Box» ومؤيد هاريس، من المستثمر ديفيد ساكس أنه تحت تأثير المخدرات لدعمه ترامب، ومستثمرو التكنولوجيا الخضراء، الذين كانوا يعجبون بماسك، وصفوه بالخائن بسبب وقوفه بجانب ترامب.
وكانت صناعة التكنولوجيا فى كاليفورنيا، معقل الديمقراطيين دومًا، فلماذا الانقلاب لصالح ترامب؟ وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، وعد ترامب المانحين بسن سياسات تعمل لصالحهم مثل خفض الضرائب على الشركات، والموافقة على تصاريح النفط، وطرد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين من الولايات المتحدة.
كما قام أيضًا بالتراجع عن موقفه المناهض للعملات المشفرة خلال فترة رئاسته الأولى حين وصفها بعمليات الاحتيال ولكن مع ترشحه تبنى الحزب الجمهورى منصة تدعم ابتكار العملات المشفرة وتعارض إنشاء عملة رقمية للبنك المركزي.
وبالفعل فى غضون بضع سنوات أصبحت صناعة العملات المشفرة «البيتكوين» أكبر ممول للحملات الانتخابية، بمعدل نصف التبرعات مثل شركة العملات المشفرة Coinbase التي قدمت أكثر من 90 مليون دولار حتى الآن فى السباق الحالى، مما أكسبها لقب ثانى أكبر مانح فى البلاد.
وتبرع أثرياء وادى السيليكون لكلا المرشحين، وكان النصيب الأكبر لحملة هاريس، بحوالى 204 ملايين دولار، و47.5 مليون دولار لدونالد ترامب.
ولعل اختيار الرئيس السابق دونالد ترامب لنائبه السيناتور عن ولاية أوهايو «جيه دى فانس» الذي يدعمه المؤسس المشارك لشركة «باى بال» الملياردير بيتر ثيل، أبرز برهان على علاقة المرشحين بالنخبة فى وادى السيليكون.
و«فانس» مستثمر سابق فى شركات التكنولوجيا والعملات المشفرة مثل تطبيق الصلاة المسيحى هولو، وشركة أندوريل إندستريز، وهى شركة دفاعية للذكاء الاصطناعى مدعومة من ثيل، ويمتلك فانس 250 ألف دولار مستثمرة فى البيتكوين.
ويوضح «ديفيد كوان»، المستثمر فى Bessemer Venture Partners، تحول بعض مليارديرات وادى السيليكون نحو تأييد ترامب بسبب إدارة «جو بايدن» وعدائها نحو الشركات الناشئة التي تمولها الشركات العملاقة، مستشهدين بالضرائب المتصاعدة التي اقترحها بايدن على الأثرياء واللوائح التي تعرقل الاستثمار فى تقنية البلوك تشين والذكاء الاصطناعى.
بينما يصف بعضهم برنامج هاريس الانتخابى أنه ذو «أفق استثمارى طويل الأجل» لأن برنامج ترامب، يعمق غياب العدالة فى الدخل ويزيد من مشكلة الاحتباس الحرارى العالمى، وليس بيئة جذابة» لتمويل الشركات الناشئة وتشجيع الاستثمار.