الحسيني عبدالله
حكايات مصيرية
نجاح مطلق
الحبيب المصطفى ﷺ هو أفضل الخلق على الإطلاق، ولا يختلف فى ذلك منصف ولو كان من غير المسلمين، ودليل ذلك ما كتبه الكاتب الأمريكي مايكل هارت فى كتابه "العظماء مائة وأعظمهم محمد"، إذ يقول بالنص "إن النبى محمد - ﷺ - هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستويين الدينى والدنيوى"، ولهذا السبب وضعه على رأس قائمة العظماء فى تاريخ الإنسانية.
فقد بدأ رسول الله ﷺ حياته يتيما، رعى الغنم على قراريط لقريش وتاجر لامرأة في مالها، ولقي عراقيل كثيرة، لتُختم حياته بقيادة دولة قوية فتية، أساسها ﷺ في ثلاث وعشرين سنة فالمتأمل بين مرحلتي “اقرأ” في غار حراء وبين “اليوم أكملت لكم دينكم” في حجة الوداع يجد نموذجا فريدا يجعلنا نتساءل عن أسباب هذا النجاح المطلق الذي خلق حالة فريدة غير مسبوقه في تاريخ البشرية؟ لعل جواب ذلك يكمن في العناصر الآتية: أولًا: وضوح الهدف مستوفيا شروطه: كانت وظيفة النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة هي تبيلغ رسالة الله إلى قريش وعرب الجزيرة والدُول العظمى آنئذ. وهذا الهدف بالنسبة للرسول ﷺ واضح واتخذ خطوات عملية للوصول إلى هذا الهدف السامي.
ثانيًا: الإصرار على الهدف والسعي لنيله: والمقصود من هذا ترقب الهدف ومتابعته مع التطور الزمني، وإن اختفى هذا الهدف في بادئ الأمر، أو حالت دونه بعض مغريات ومفاوضات. نجد ذلك في عرض قريش المال والجاه والنساء على النبي بشرط التخلي عن هدفه، فقال عبارته المشهورة: “أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك أن تشتعلوا لي منها بشعلة”. لو هلك النبي دونه كنّا سميناه حلما، لكن كونه تحقق المراد وانتشر دين الله القويم أصبح هدفا.
ثالثًا: تجاوز الصعاب: يقال إن طريق النجاح ليس مفروشا بسجادة ووردة حمراء، بل قد يكون محفوفا بأشواك، “ولا بُدّ دون الشَّهد من إبر النحل”، فالاستسلام للصعاب أو التخلي عن الهدف من أجل التحديات القائمة يسمى حلما وليس هدفا. ومن الصعاب التي مر بالنبي عليه الصلاة والسلام إيذاء قريش له ولأصحابه، والهجرة أو الاغتراب مِن أحب البلاد إليه.
رابعًا: توفر عنصر الحماية: إن حسن النية والرغبة في تغيير العالم إلى أفضل مكان ليس مبررا كافيا للنجاح، وذلك لتباين الرؤى والهوى والأديان، وحرص جميع الأطراف على مصالحهم. ومن هنا كثير من المصلحين يبدأون مسيراتهم برفع رايته، ويستغربون من أن يُقتل رجل لأنه قال: “ربي الله”، لكن يدركون بعد ذاك أن الحديد بالحديد يفل، وأنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولأكل الغني والقوي الفقيرَ والضعيفَ، فيُدخلون فلسفةَ “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” ويتطور الأمر إلى تبنّي “أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا”. ومن هنا يقرأ الإنسان من سيرة النبي أن حماية عمه وجده وزوجته له من أسباب نجاحه، ثم استقطابه للحلفاء من العرب، وكذا البيعة الأولى والثانية: ”وهو ما يعرف بيعة العقبة الذي بيع فيها الأوس والخزرج النبي ﷺ". أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.
خامسًا: اتخاذ الأسباب المادية للنجاح: كل ما سبق يبين أهمية اتخاذ الأسباب للنجاح، ويقال: “من لم يخطط للنجاح فقد خطط للفشل”، فتوفير العلم والصورة الكاملة لما يريد الإنسان تحقيقه مهمٌ للنجاح، وتوفير الجهات والأشخاص المناسبة والنفقات اللازمة للنجاح مهم كذلك، يتضح لنا في صداقته ﷺ مع أبي بكر الصديق، وإسلام عبد الرحمن بن عوف، وعثمان وبلال وعمر وابن أبي وقاص، والخزرج وبني هاشم وغيرها.. كما أن عامل الوقت والصبر من أهم أسباب النجاح المادية.
سادسًا: العناية الربانية: وهي من أهم دعائم نجاح النبي ﷺ، فإن العناية الربانية سبقت نجاح السببية، تامل قوله تعالى: “ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فتضى”. وقوله: “والله يعصمك من الناس”.. يدرك المدقق أن دراسة سيرته عليه السلام أفضل نموذج لاستقراء عوامل النجاح، حيث إن جميع الأسباب المادية التي اتخذها الرسول ﷺ وافقتها عناية ربانية.
قد يقال إن محمدا ﷺ كان نبيا وقد صنعه الله على عينه، فلا يُجعل نجاحه وحياته مقياسا للناس، لكن المتأمل يجد أن حقيقة النجاح هي وجود هدف، وعدم الخروج عنه بالمغريات، وتوفير خطط عملية وعلمية للهدف، وهذا ما نخرج به من دراسة سيرة النبي الأعظم.