عاجل
الإثنين 27 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
عودة ترامب.. ملاحظات حول إدارة الضرورة الأمريكية

عودة ترامب.. ملاحظات حول إدارة الضرورة الأمريكية

كنا فى أحد مطاعم منطقة «جورج تاون» بالعاصمة الأمريكية واشنطن.. وكعادتها كانت واشنطن تقلب «فصول السنة الأربع» فى نفس اليوم لتعطى دلالة أن مناخها لا يختلف عن طقسها السياسى بميل نحو التغيير.. ما بين أمطار تليق بشتاء نوفمبر 2016 تقطعها شمس صيفية كاذبة تعقبها نسمة ربيع تسلمك إلى تردد الخريف. 



وكنت أتجاذب أطراف الحديث مع سفير مصر لدى الولايات المتحدة آنذاك السفير ياسر رضا - أحد قامات مصر الدبلوماسية- حول حظوظ رجل الأعمال دونالد ترامب أمام هيلارى كلينتون التي كانت تقول كل استطلاعات الرأى إنها الفائزة، بينما كانت حركة المجتمع الأمريكى تقود كل مدقق فى بيان الحال الأمريكى إلى أن الإجابة «ترامب دون جدال».

خرج «ترامب» من البيت الأبيض بعد خسارته أمام «بايدن» فى انتخابات رئاسية كنت شاهدا على مجرياتها الاستثنائية.. خرج الشخص ولم يخرج «التيار» من حركة المجتمع.. وعلى مدار السنوات الماضية وقع الحزب الديمقراطى فى فخ سياسى واضح.. تمثل فى عملية مستمرة للتحقير والتنكيل بـ «الترامبيست» التي تحولت سريعًا إلى تيار «ميجا» ولم يبحث الحزب الديمقراطى فى العوامل المجتمعية التي خلقت هذا التيار سواء من الجغرافيا السكانية وإرث عرقى من الصعب تجاوزه فى المجتمع الأمريكى رغم قوة القانون والدستور، فضلاً عن الحاضنة الرئيسية لهذا التيار وهى «الرأسمالية الأمريكية» التي تمثل النواة الرئيسية للنموذج الأمريكى، كذلك التركيبة المحافظة الغالبة لهذا المجتمع التي تميزه عن أوروبا.

لشخصية ترامب محددات واضحة وهى الهجوم والإنكار وعدم الاعتراف بالهزيمة واعتزاز كبير بوطنه وللنموذج الرأسمالى الذي خلق إمبراطوريته وهو النموذج الذي تفوق عليه وتلاعب به ترامب نفسه وهى الحقيقة التي تكتشفها من كتابه «فن العودة».

خذ هذه الأبعاد والأمور كلها بعين الاعتبار وامنح عقلك فرصة تدبرها ولنذهب سويا مرة أخرى إلى أرض الحدث.. مبنى الكابيتول حيث جرت مراسم تنصيب ترامب، ستجد الآتى:

أولا: الحاضنة الرأسمالية كامل العدد.

ثانيا: الخطاب «انتصار» لتيار «ميجا».

ثالثا: أن هذه الإدارة ترى فى نفسها أنها قامت بتحرير الولايات المتحدة.

رابعا: الأولوية خارجيا للمجال الحيوى المباشر للأمن القومى الأمريكى منطقتى «أمريكا الوسطى».. «أمريكا الجنوبية».

خامسا: الأولوية الداخلية للمجتمع الذي يريده ويعبر عنه «ميجا» مجتمع يستعيد حريات ما قبل سبتمبر 2011 غاضب من فرض المثلية غاضب من ارتداد طلقة العولمة فى صدره التي تمثلت فى الارتكان لعدم التصنيع على حساب الربحية ويريد الانقلاب على العولمة نفسها بأفق جديد من الصعب منافسته.

 وهنا يأتى اختلاف إدارة ترامب الحالية عن إدارته السابقة، ففى إدارته السابقة كان يريد أن يمرر فكرًا لتيار دون وجود الأدوات والحاضنة ومن ثم شهدت إدارته الأولى تغيير عدد كبير من الموظفين فى فترة قليلة لا أظن أنها ستكون بنفس المعدل فى إدارته الجديدة، ولكن سيقوم بالتغيير لأن هذه تركيبته.. اعتمد ترامب فى الفترة الأولى على فريق محدود قريب منه، حاول خلق سياق مواز للعمل المؤسسى وبالتالى استنزف كثيرا.. ولكن فى هذه المرة يعتمد على فريق «ثقة» من التيار، هذا الفريق يحكم أمريكا بالفعل منذ شهرين منذ فوز ترامب فى انتخابات الرئاسة وقبل تنصيبه الذي جرى يوم الاثنين الماضى.

إطلاق الأحكام على هذه الإدارة الجديدة بشكل مبكر هو بمثابة قراءة الطالع أو التنجيم السياسى.. ولكن بعض الشواهد تفرض نفسها وحسبى أن للشرق الأوسط نصيبا منها وعليه التعامل الذكى معها.

بداية هذه الإدارة عبرت أمام العالم كيف تنظر لنفسها، فالسؤال هو كيف ينظر الشرق لنفسه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟

أهمية الإجابة على هذا السؤال تؤدى إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب والفرص مع إدارة تنظر لنفسها على كونها إدارة الضرورة الأمريكية لكى تتجنب مصير الإمبراطوريات التاريخية وقررت أن تأخذ منحى مختلفا عن الإدارات السابقة التي كانت تسعى دائما لخلق عدو استراتيجى يستنفر محفزات البقاء لدى الأمة الأمريكية.

وإجابة هذا السؤال فى دوائر الفكر والسياسة فى الشرق الأوسط قبل أن تكون سياسات لحكومات.

 البعد الآخر هو عنصر الوقت وفى اعتقادى أن الوقت يشكل «الجهاز العصبى» لهذه الإدارة لأنها لا تمتلك رفاهية الوقت بل بدأ العد التنازلى بالنسبة لها وهو أمر ظهر بوضوح بتوقيع ترامب عددا من الأوامر التنفيذية فور حلفه القسم رغم علمه أن بعضها له أبعاد دستورية والآخر ستعترض عليه الولايات الزرقاء، ولكن الرسالة الواضحة هى أننا لا نملك الوقت.. وبالتالى عنصر الوقت هو ما سيشعر هذه الإدارة بالإخفاق أو بالإنجاز ومن هنا تكون نقطة قوة إدارة الضرورة هى نقطة ضعفها..

وللحديث بقية.

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز