طارق الشناوى
لماذا فتح بيرم النيران ضد عبدالوهاب؟
هذه الأيام نحتفل بعيد (الفلاح)، أكثر أغنية تحيرنى وهى تتغنى بالفلاح، (محلاها عيشة الفلاح)، هناك تناقض بين عمق الأغنية الشاعرى كما كتبه بيرم التونسى، وبين الرؤية الموسيقية لعبدالوهاب، تأمل البداية (محلاها عيشة الفلاح/ مطمن قلبه ومرتاح/ يتمرغ على أرض براح/ والخيمة الزرقا ساتراه) ياهى ياه.
بلا مأوى ولا سقف ولا مال، ورغم ذلك يغنى سعيدًا (ياهى ياه)، اللحن يُعبر عن الكلمات بروح كلها انتشاء (مطمن قلبه وفرحان)، هل هكذا أرادها بيرم؟ وإذا كان ذلك صحيحًا طبقًا للموقف الدرامى فى فيلم (يوم سعيد) 1939، فكيف ينهى الأغنية (يا ريف أعيانك جهلوك/ وعزالهم شالوه وهجروك/ لمداين مزروعة شوك/ ياما بكرا يقولوا يا ندماه) ياهى ياه. تابع الفارق بين ياهى ياه، الأولى فرحًا، والثانية التي تمتلئ بمشاعر الانتقام، ولكن عبدالوهاب أثناء التلحين لم يسمح أبدًا بوصول المعنى الثانى.
لم تتغير حالة البهجة والانتشاء فى موسيقى عبدالوهاب مع المقطع الأخير، وهو ما أدى إلى أن الأغنية لم يتبق منها سوى الرضا والقبول والبغددة، الصوت لأسمهان بينما الصورة لمطربة أخرى هى بديعة صادق.
مسألة محيرة، لن تجد وثيقة تحمل إجابة، هل سجلت بديعة أولًا اللحن، وبعد ذلك رأى محمد كريم مخرج الفيلم أن الأداء غير مقنع فأعاده بالدوبلاج بصوت أسمهان، وبعد ذلك ردد أيضًا عبدالوهاب اللحن بصوته، وبعد أربعين عامًا أعادت نجاة (محلاها عيشة الفلاح) فجعلتنا نحسد الفلاح على مرمغته فى التراب؟
لماذا كان هذا هو اللحن الوحيد الذي يجمع بين موسيقى عبدالوهاب وكلمات بيرم؟.. بيرم شاعر عتويل، وعبدالوهاب موسيقار فذ، حمل لواء التجديد، يتطلع إليه أى شاعر يريد لكلماته الذيوع والانتشار.
كتب بيرم فى فترة موازية (يا أهل المغنى دماغنا وجعنا/ دقيقة سكوت لله)، الكل يعتقد أن بيرم كان يقصد مهاجمة الأغانى الخليعة على شاكلة (ارخى الستارة إللى فى ريحنا) و(هات الإزازة واقعد لاعبنى) و(شفتى بتاكلنى أنا فى عرضك) وغيرها. الحقيقة الموثقة كانت عكس ذلك تمامًا، فهو يقصد السخرية من أغانى عبدالوهاب، خاصة تلك التي كتبها منافسه التقليدى الشاعر أحمد رامى، هكذا غناها ولحنها الشيخ زكريا أحمد ليجسد التهكم (وانت كمان يا وابور الوادى/ قل له إياك يرتاح يا وابوره/ ويريحنا معاه).
وفى تلك الأثناء كانت أغنية (يا وابور قلى رايح على فين) لعبدالوهاب وكلمات رامى، هى الأكثر نجاحًا، الصراع كما يبدو كان بين فريقى عبدالوهاب ورامى من ناحية، والشيخ زكريا أحمد وبيرم من ناحية أخرى، عندما سألوا الشيخ زكريا: لماذا فى انتخابات نقابة الموسيقيين منح صوته لأم كلثوم ولم يعطه لمنافسها على مقعد النقابة عبدالوهاب؟، أجابهم (أم كلثوم أرجل منه)!.
ليس لدى تفاصيل مؤكدة، لماذا كل هذا العداء بين زكريا وعبدالوهاب؟ ولماذا لم يتجدد اللقاء بين بيرم وعبدالوهاب؟، وقبل ذلك، ما السر الذي دفع عبدالوهاب ليحيل أغنية ثورية لتصبح مستكينة مستسلمة؟.
الفلاح سعيد بكل هذا الضنك الذي يعيش فيه، يفترش الأرض،ويلتحف السماء، ويغنى (ياهى ياه... ياهى ياه)، كل عام وكل «فلاحين» مصر سعداء!.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف