عاجل
الأحد 1 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: من أجل أبنائنا

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

سعدت كثيرًا عندما وجدت عددًا ليس بقليل من الزملاء يبدون ليس فقط إعجابهم بل وتأييدهم الشديد وتطبيقهم بالفعل للفكرة التي طرحتها منذ سنوات في أحد مقالاتي تحت عنوان "الميزانية مخرفة". لم يكن المقال سردًا فقط لحدوته أو أحداث عايشتها، ولكنه بالأحرى ترويج لفكرة اعتنقتها منذ زمن طويل وطبقتها في حياتي وأراها مهمة وضرورية لصلاح الأسرة. 



أكدت أنه كان يثيرني- ولا يزال- إصرار البعض على خوض الحياة بأسلوب "مش عايزين نحسس أولادنا بهمومنا ومشاكلنا، فليس لهم ذنب فيها، نريدهم أن يعيشوا حياتهم دون أن يحسوا أنهم أقل من زملائهم"، أسلوب يتبعه الكثيرون بمنتهى القناعة، حتى إن دفعوا ثمنه من صحتهم وأعصابهم.

لم أخفِ اختلافي واعتراضي على هذا الأسلوب في يوم من الأيام، رغم ما لاقيته من سخرية شديدة تعقبها العبارة الشهيرة "غدًا تتزوج ونرى ماذا سوف تفعل عندما ترزق بأولاد، عندها فقط سوف تفهم وتفعل نفس الشيء، فلا تتعجل".

وبعد سنوات تزوجت وأنجبت وعشت التجربة بتفاصيلها، لكن أقسم أنني لم أفعل فعلتهم، لقناعتي أنني ما تزوجت إلا لتكوين أسرة، والأسرة كما أفهمها عبارة عن منظومة لا بد أن يعيش جميع أفرادها ظروفها بحلوها ومرها.

  بالطبع لم أبادر وأتحدث بصحة نظريتي إلا عندما وجدت هؤلاء يصرخون بأعلى الصوت ويعانون أشد المعاناة من أولادهم، منددين بأفعالهم الجاحدة ونكرانهم للجميل، وبصراحة وصلت إلى حد الوقاحة كنت أواجههم وأقول أنتم السبب في كل ما يحدث، أنتم من عودتم أبناءكم على الحياة المرفهة دون أن تشعروهم بمشكلاتكم، فكيف تطالبونهم الآن بتقدير معاناتكم؟  ذكرت من قبل خبرتي مع هذا الأمر، عندما كنت صغيرًا وسمعت للمرة الأولى أبي يتحدث إلى أمي حول مصروف الشهر، وسمعته يقول "ميزانية هذا الشهر مخرفة"! وأنفقت وقتًا أتساءل ما معنى تلك الكلمة؟ كل ما دار بعقلي الصغير- من سياق الكلام- أن المصروفات المطلوبة للبيت تزيد عن المتاح لدى أبى من المال. وكانت الأم الطيبة تقول دائمًا لا تقلق ربنا يسهل.

وبعد أن فهمت مقصد أبي من تلك الكلمة قررت أن أشارك في حل المشكلة، فلم أعد أطلب مصروفي اليومي، وإن أصرت أمي كنت أبقيه معي حتى أرجع من المدرسة ثم أدسه تحت مخدتها، فكانت تقبلني وتقول لي ربنا يرضى عليك. وعندما كبرت وتزوجت وأنجبت لم تفارقني ذكرى عبارة "الميزانية مخرفة"، بل أيقنت أنها قاعدة تربوية لا بد من تطبيقها مع أولادي بشكل أو بآخر في المستقبل حتى لو كانت ظروفي المادية أفضل من والدي.

 

إذا وجد الابن كل شيء متاحًا بيسر وسهولة فلن يقدر له قيمة عندما يكبر، وسوف تصبح تلبية طلباته أمرًا عاديا وطبيعيًا يجب أن يحدث بأي شكل، ولا شأن له بذلك.

 

  لم أتعود أو أتعمد أن أقول الميزانية مخرفة أمام أولادي لكي أعلمهم تحمل المسؤولية، لكنني عودتهم بأشكال مختلفة أن يأخذوا من المال ما يكفي احتياجاتهم فقط دون إسراف أو تبذير، وأيضًا دون حرمان. لذلك عندما كبروا أصبحت أترك لهم النقود وأتابعهم فأجدهم يأخذون على قدر احتياجاتهم فقط، وعندما أطلب منهم أن يأخذوا أكثر يقولون "هذا يكفي، إن احتجنا أكتر سوف نقول لحضرتك". 

 

أكرر أنني لا أدعو الآباء إلى البخل على أولادهم لكنني أطالبهم بأن يشركوا أبناءهم في ظروفهم ومشكلاتهم لكي يتعلموا، يتعلموا أن الدنيا لا تبقى على حالٍ واحد، وكم من نموذج رأيته أمامي يبكي دمًا لسلوك ابنه اللامبالي لظروف والديه، يطالبهم بالمال كل شهر ليفي باحتياجات أسرته رغم راتبه الكبير، لكن لم يفعل ذلك وقد تعود أن ينفق دون حساب ودون تفكير، تعود أن يأمر فتجاب كل طلباته.

 

على فكرة هؤلاء يملكون ما يكفي من المال لسد كل احتياجات هذا الابن، لكنهم يبكون على فساد حاله، ويرددون دومًا ماذا سوف يفعل بعد موتنا؟  لذلك لن أملّ من دعوة الآباء والأمهات إلى تطبيق قاعدة "الميزانية مخرفة" في الصغر، حتى لو كانت ظروفهم المادية جيدة، فالأمر لا يتعلق بوفرة المال ويسر الحال، لكن يتعلق ببناء الأسرة التي كان الزواج والإنجاب أولى خطواتها وليس آخرها. اجعلوا أولادكم قادرين على تحمل المسؤولية بأي شكل ترونه، اقترحت عليكم فكرة "الميزانية مخرفة" لما رأيته حولي من تداعيات كان السبب فيها توفير المال للأبناء حتى وإن كان "بالسلف والدين"، هي مجرد فكرة إن ناسبتكم طبقوها وإن لم تناسبكم فابحثوا عن بديل لها. علموهم قبل أن تعلمهم الأيام، فأنتم تعلمون قسوة دروسها.

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز