عاجل
الأحد 6 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: شياطين الدراما المصرية

ليس تقديم دور الشيطان على شاشات التليفزيون أمرًا جديدًا، فقد اجتهد الكثيرون منذ أمدٍ بعيد في تقديم صورة الشيطان، كنوع من تنبيه وتحذير الناس إلى هذا العدو اللدود، والإشارة إلى أسلحته وأدواته التي يحرص على تطويرها وتحديثها أولًا بأول، حتى يتمكن من سحق الإنسان والإيقاع به وفاءً لعهده أمام رب العالمين. 



 

وبمرور الوقت أصبح هذا اللعين نجمًا ساطعًا ينال اهتمامًا كبيرًا ودراسة وافية لكل أبعاد شخصيته حتى يمكن تقديمه إلى المشاهدين بشكل يناسب كل عصر. 

وفقًا لمعلوماتي ومشاهداتي يعتبر يوسف وهبي أول من نفذ فيلمًا كاملًا كانت بطولته للشيطان، سخر في هذا الفيلم كل طاقاته التمثيلية ليقدم لنا الشيطان شكلًا وموضوعًا. استخدم لتوصيل رؤيته كل ما أتيح له في ذلك الوقت من ماكياج وديكور ومؤثرات، إضافة إلى أدائه وصوته المميز لتجسيد الشيطان كما ينبغي. ولا أنكر أنه من تلك الزاوية قد نجح بالفعل في زرع الخوف في عقل كل من شاهده، حتى الأجيال الحديثة التي شاهدت الفيلم أقرت بموهبة هذا الفنان في استخدام صوته وتعبيرات وجهه وماكياجه في تجسيد دور الشيطان. حرص يوسف وهبى على إظهار صورة الشيطان الحقيقية المرعبة إلى جانب صورته "المودرن" عندما يظهر للإنسان. 

ثم أتى العملاق محمود المليجى بوجهة نظر أخرى مختلفة للشيطان، حيث لا ماكياج مرعب ولا مؤثرات، لم يرتدِ ملابس سوداء ولم يضع قرونًا على رأسه، واكتفى بتوظيف نظرات العين، وبالنسبة للمليجى يكفيه ذلك ويزيد. عندما يجحظ المليجى عينيه ويصرخ في وجهك لن تشك أبدًا في أن روح الشيطان قد لبسته بالفعل. استطاع المليجى أن ينتقل بالمشاهد إلى مرحلة جديدة للشيطان "المودرن" الذي يظهر بالبدلة والكرافتة وينطق بمعسول الكلام، بمعنى آخر الشيطان النصاب الذي غير شكله وحديثه واستغنى عن القرون والعباءات والعصي وارتدى زي العصر.

لكن المخرجين يصرون على البحث عن شيطان جديد في زي جديد، فيظهر واحد من أفضل من قدموا هذا الدور على الإطلاق، يخرج علينا عادل أدهم بتعبيرات وجه غريبة، لا تدري هل تبتسم عندما تراها أم يجب أن تخشاها؟ هل تحب صاحبها أم تكرهه؟ هل هو شيطان أم ملاك؟ وهذا أمر من الخطورة بمكان لأنه أقرب ما يكون إلى سلوك الشيطان الفعلي الذي يمكن أن يجذبك إليه جذبًا ثم يلقي بك إلى هاوية سحيقة. مع عادل أدهم نرى الشيطان في زيه الحقيقي المخادع. يحقق المعادلة الصعبة حين يجبرك أن تحب مشاهدته وهو يمثل دور الشيطان، ويتقن تمثيله حتى يقنعك أن تفرح وهو يحترق في نهاية الفيلم. 

أما جميل راتب فقد كان أكثر ممثل يعايشه الجمهور وهو يؤدي دور الشيطان في مسلسل "الكعبة المشرفة"، حيث وجب عليه أن يقدم دور الشيطان منذ بدء صراعه مع الإنسان وحتى ظهور سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. صراع طويل وممتد اتخذ أشكالًا وألوانًا من الفتنة والإغراء. قدم جميل راتب كل ذلك بطريقة إلقاء مميزة، لكنته المعروفة التي يهوى المشاهد سماعها، أسلوبه المتعالي بطبيعته الذي يتفق إلى حد كبير مع إحساس الشيطان بالكبر.

ثم يأتي عادل إمام بأداء هادئ ليقدم دورًا من أفضل أدواره، استخدم فيه المؤثرات الضوئية وتعبيرات الوجه ليقدم بعدًا آخر للشيطان العاشق، لم يقدم شيطانًا يغوى ويضل البشر ولكن شيطانًا عاشقًا أهلكه عشقه لتلك الإنسية. المشكلة أن عادل إمام نجح في كسب تعاطف المشاهد معه كشيطان عاشق اختار أن يتمرد ويحترق من أجل حبه.

وتمر الأيام ويخرج علينا العبقري يحيى الفخراني ليعيد تحقيق المعادلة الصعبة التي قام بها عادل أدهم من قبل، ولكن بطريقته الخاصة. دعونا نقر أن الفخراني قد وصل في التمثيل إلى نقطة في منتهى الخطورة، فمن يشاهده على الشاشة لا بد أن يحبه ويقبل منه أي شيء وهو أمر يصعب معه تقديم دور الشيطان الذي يفترض أن يكرهه المشاهد. ما فعله الفخراني هو الصعب الممتنع كما يقولون، كان مطلوبًا منه أن يبدع في تقديم دور الشيطان بأسلوبه المميز الذي يحبه ويعشقه الجمهور، لكن دون أن يحب الجمهور هذا الشيطان أو يتعاطفوا معه. كان لزامًا عليه أن يحافظ على ذلك الخيط الرفيع جدًا بين يحيى الفخراني الممثل المحبوب الذي ينتظره جمهوره بمنتهى الشغف، وبين ونوس ذلك الشيطان الذي يشيع الفساد في كل من حوله.

قبل أن أشاهد فتحي عبد الوهاب في دور الشيطان توقعت له النجاح، ممثل شاطر يدرس أدوراه بعناية وله قدرة على توظيف قسمات وجهه للتعبير عن أي شخصية بمنتهى المهارة وبشكل يفوق أي ممثل من ابناء جيله. حرص على الخروج من عباءة من سبقوه إلى تجسيد دور الشيطان فترك لوجهه وتعبيراته الحرية وأطلق لهما العنان لعكس فهمه لشخصية الشيطان ليقدم أجمل أدوار عمره. لكنني لاحظت أنني رغم كرهي للشيطان الذي قدمه كل هؤلاء إلا أنني أبتسم رغمًا عني وأنا أشاهد أداء عادل أدهم ويحيى الفخراني وأخيرًا فتحي عبد الوهاب، فقط هؤلاء يجبرون المشاهد على تلقي أدائهم بابتسامة إعجاب بأسلوبهم المميز وتعجبًا من نجاحهم في تحقيق المعادلة الصعبة.

مدير المركز الإقليمى لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز