عاجل
الأحد 6 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: في واحة سيوة.. إكرام الضيف دفنه

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

رحلة متميزة لا تغيب تفاصيلها عن بالي أبدًا، كتبت عنها ولا تزال لدي الرغبة في الكتابة مرات ومرات كثيرة! الشيء الغريب أنني لم تراودني تلك الرغبة من قبل! رغم زياراتي وجولاتي في العديد والعديد من البلدان بما لها من تميز وخصوصية هي الأخرى. يبدو أن للأمر سحرًا خاصًا ترك بوجداني وعقلي ما ترك دون استئذان ولا رحمة.



عزيزي القارئ، عن واحة سيوة أتحدث.

احترت وتساءلت كثيرًا عن سبب تعلقي بهذا المكان، هل هو التفرد في كل شيء الذي تركه في نفسي منذ اللحظة الأولى؟ 

هل هو الجلباب السيوي بتصميمه وألوانه المميزة الذي يرتديه الجميع صغارًا وكبارًا؟ 

هل هي اللغة الأمازيغية التي تشعرك- عندما يتحدثون بها سويًا- بوجودك على أرض لها ثقافة وتميز وخصوصية؟ 

أم مبانيها التي تأخذك بعيدًا لتشعر أنك تعيش أحداث فيلم قديم جدًا، البيوت الصغيرة البسيطة البناء، الشوارع والطرقات التي تشتاق إلى الأسفلت فلا تجده إلا ما ندر. رائحة زيت الزيتون التي تقتحمك من كل مكان. النخيل الذي يوشك أن يغطي الواحة بأكملها في مشهد رائع تراه أبهى ما يكون من فوق قمة جبل الدكرور الشهير.

لا أدري لماذا أستعيد تلك الذكرى الآن؟ هل اشتياقًا للعودة؟ أم رغبة في أن يعرف الجميع ذلك الكنز الموجود على أرض مصر ويذهب لرؤيته والاستمتاع به؟ 

كانت رحلتي بغرض تجربة العلاج على الطريقة السيوية، والتي تبدأ بالدخول إلى كهوف ملح صناعية معدة ومجهزة بأنظمة إضاءة خافتة شاعرية، حيث ترقد على أرضيتها المليئة بقطع الملح، ويتم تغطية الأرجل والأيدي بها، ثم يطلبون منك أن تغمض عينيك لمدة نصف الساعة وتحاول أن تتخلص من كل الأفكار والذكريات التي تعكر مزاجك.

هكذا سوف يؤكدون عليك قبل الجلسة العلاجية حتى يمكن أن تتخلص من الطاقة السلبية.

ثم تأتي زيارة بحيرات الملح، منطقة شاسعة مليئة بالبحيرات شديدة الملوحة، أخبرونا أن الملح يتزايد في قاع تلك البحيرات حتى تمتلئ به ثم يتم إزالته، وبعد شهور قليلة تمتلئ البحيرة بكميات مماثلة مرة أخرى، لتتكرر نفس الرحلة.

 

أثناء ذلك يذهب الزائرون للاستحمام في بحيرات الملح والاستفادة منها. لكن احذر، وأكرر وأحذر أن تتسرب المياه إلى عينيك فسوف تجرب "حرقانًا" ليس له مثيل.

على فكرة، في تلك المياه لا أحد يغرق، هي مياه شديدة الملوحة تحملك لأعلى دائمًا فلا تقلق إن كنت لا تعرف العوم.

ثم تأتي اللحظة الحاسمة لحظة إكرام الضيف، في واحة سيوة يكرم الضيف بدفنه في الرمال.. ضحكت كثيرًا عندما سمعت ذلك من الصديق السيوي وهو يهيل الرمال فوقى، ثم أدركت أنها الحقيقة. والمضحك والمثير أن وصيتك لهم سوف تكون: مش هاوصيك، عايز دفنه تمام، دفنه على مزاجك!

عندما ترقد في الحفرة التي أعدوها لك سوف تشعر بسخونة الرمال ولسعتها الشديدة في اللحظة الأولى ثم يصبح الأمر عاديًا جدًا بعد تغطية كامل الجسم بالرمال، بل قد يحلو الأمر لك وتطلب إطالة فترة وجودك في الحفرة. 

عملية الدفن في الرمال قد لا تستغرق عشر دقائق، بعدها يغطيك المرافق ببطانية ثم يضعك في خيمة صغيرة يكون عليك الجلوس بداخلها في وضع القرفصاء أو النوم على جانبك في وضع "الجنين" أو على ظهرك أو بطنك للاستفادة من حرارة الرمال. لن تتصور كميات العرق التي سوف يتخلص منها جسمك.

اللحظة الصعبة فعلًا هي لحظة نفاد الأوكسجين من الخيمة الصغيرة وما يتبعه من صعوبة التنفس في حين أنهم نبهوا وحذروا أن تفتح باب الخيمة إطلاقًا أثناء الجلسة، عامة تكون المعاناة في اليوم الأول فقط وبعدها تعتاد الأمر.

بعد انتهاء جلسة الدفن في الرمال، يجب عليك البقاء بالرمال على جسمك دون استحمام طول فترة العلاج التي تستمر من ثلاثة أيام إلى خمسة أو سبعة حسب كل حالة.

هذا هو الجزء الأصعب خاصة أن الدفن لا يكون إلا في أشهر الصيف شديدة الحرارة. واعلم أنه لا وجود للمكيفات أو المراوح في الغرف، ممنوع تناول المرطبات أو المياه الساقعة حرصًا على صحتك، هم سوف يأتون إليك بطبق الشوربة اللذيذ ومعه كوب الليمون "برضه مش ساقع" فور عودتك من الدفن.   بعد انتهاء رحلتك لا تتصور أنك قد ترحل دون شراء كميات من زيت الزيتون وأيضًا الزيتون والأعشاب المميزة في ذلك المكان، الذي لن يترك ذاكرتك دون أن يحفر فيها بصمته المميزة. 

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز