عاجل
الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أفيقوا يرحمكم الله

أفيقوا يرحمكم الله

بقلم : عاطف حلمي

·  تابعت ردود الفعل المتشنجة تارة والمحبطة تارة آخرى وحتى الشامتة في الهزيمة الثقيلة التي مني بها المنتخب الوطني لكرة القدم، وهي ردود فعل طبيعية وفقاً لموروث أسود على مدار عقود مضت تم خلالها توظيف الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص لاغراض سياسية.



 
حنفية عمارة
· ولعل فترة حكم المخلوع حسني مبارك خير مثال على هذا التوظيف السيء للرياضة وكلنا نتذكر رائد هذا المجال في العهد البائد الدكتور عبد المنعم عمارة الذي أصبح في فترة من الفترات مقرر دائم الحضور في كل وسائل الإعلام حتى كاد المرء يفتح الحنفية فيجد عمارة يتدفق إليه بدلاً من الماء، بل أن ظهور الأخوين علاء وجمال مبارك وتقديمها للشعب المصري تم من خلال كرة القدم برعاية عبدالمنعم عمارة... والأمثلة هنا كثيرة يعلمها الجميع.
 
الإخوان والرياضة
· ولأن تنظيم الإخوان ونظام مبارك وجهان لعملة واحدة، لم تسلم الرياضة من استغلالها من جانب الجماعة فأختلط استغلال الدين بالرياضة، وظهرت لنا نماذج مثل ربيع ياسين ومختار مختار وغيرهما من نجوم كرة القدم الذين تسربلوا بمسحة دينية، لياتي بعد ذلك جيل هادي خشبة ثم أبوتريكة وآخرين، وليس شرطاً أن يكون هؤلاء أعضاءً في تنظيم الإخوان ولكنهم على الأقل يحملون فكراً قريباً من الجماعة بشكل أو بآخر يتم توظيفه عند الحاجة، وكلنا نتذكر هوجة "الشرط" الشرعي الذي يصل إلى الركبة ويشبه ذلك الذي يرتديه لاعبو كرة السلة وكان يرتديه بعض لاعبي كرة القدم انطلاقاً من أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة.
 
اللاعبون "البركة"
· وهناك أيضاً من أستغل المسحة الدينية في الرياضة مثل المدير الفني السابق للمنتخب الوطني حسن شحاتة الذي كان يتهم بأنه يفضل اللاعب المواظب على الصلاة على من لايواظب، رغم أن الصلاة والصوم يحاسب عليهما رب العباد ولا دخل لهما بالموهبة طالما التزم اللاعب بالخلق الرياضي داخل الملاعب وخارجها.
 
عقود مظلمة
· وخلال تلك العقود المظلمة التي عانى خلالها المصريون من الشعور بالمرارة والاحباط نتيجة تفشي الفساد وانعدام معايير العدالة وفشل الدولة في مختلف المجالات، عمد نظام مبارك إلى تخدير الشارع بانجازات رياضية وهمية وتم استغلال الرياضة أسوأ استغلال ولنا في مباراة مصر والجزائر الشهيرة التي أقيمت بالسودان في تصفيات كأس العالم أسوأ مثال على ذلك، ولم يجد المصريون متنفساً يشعرهم بتحقيق أي انجاز سوى الرياضة بينما كنا نتراجع في مختلف المجالات.
 
أفيون المصريين
· هذه المقدمة الطويلة العريضة أريد منها أن نصل إلى أصل الحكاية بل الكارثة التي يعاني منها الشعب المصري نتيجة الحملات الإعلامية الممنهجة التي قام بها نظام مبارك حتى تحولت الرياضة إلى "أفيون شعبي" ومسكن ظاهري لآلالم أمة تعاني الانكسار والهزيمة الداخلية.
 
أنصاف المتعلمين
· وكنت أتمنى ممن يثورون ويقيمون الدنيا ولايقعدونها على هزيمة في مبارة لكرة القدم مهما كان قدرها، يثورون على النظام التعليمي الذي يخرج أنصاف المتعلمين الذين يعانون من تجهيل متعمد، أو أن يثوروا على تردي الخدمات الصحية وتفشي الفقر والبطالة.
 
ثورة شاملة
· وحتى الرياضة التي أدمونها مثل "الأفيون"، تستحق ثورة شاملة، فتحقيق البطولات ليس مقياساً للتقدم الرياضي، فكيف تصرف الدولة ورجال الأعمال ملايين الجنيهات على فرق محدودة في حين أن القرى والنجوع، بل والمدن الكبرى لايوجد بها متنفس رياضي للشباب، فالرياضة ليست مجرد بطولات، بل أسلوب حياة وفعل على أرض الواقع وثقافة يجب أن يتشبع بها الشعب المصري، ، والمؤسف أن الكثير من المشجعين المتعصبين لاتمت اجسامهم ولا اخلاقهم إلى الرياضة بأي صلة.
 
سبوبة
· لقد تحولت الرياضة إلى "سبوبة" سياسية ودينية لتخدير الشعب حتى لايشعر بغياب ضروريات العيش الكريم، فهل نسيتم يوم غرق العبارة التي راح ضحيتها مئات المصريين بينما كان مبارك وحاشيته يجلسون في المقصورة الرئيسية باستاد القاهرة يحتفلون بفوز مصر بكأس الأمم الأفريقية للتغطية على هذه الكارثة؟.
 
انحدار واسفاف
· وحتى الأغنية الوطنية عانت من الانحدار والاسفاف بسبب الرياضة، ففي العصر الناصري عندما كان لدينا مشروعات قومية وانجازات حقيقية كانت أغانينا تعكس هذا الواقع فغنى عبدالحليم حافظ أغنية "صورة" التي تمجد قيم العمل والبناء، وفي عهد "أفيون الرياضة" أصبح شعارنا الوطني في عصر مبارك مرتبط بمباريات كرة القدم فجاءت أغنية "المصريين أهما"، التي صدعنا بها التليفزيون المصري احتفالاً بانتصارات وهمية في بطولات كروية بينما الفساد يرتع في مختلف مؤسسات الدولة والجوع والفقر والجهل ينهشون في جسد الوطن، والمؤسف أن هناك من صدق وتأثر بحملات التغييب فأصبح لدينا روابط مشجعين تستخدم البلطجة والعنف والصوت العالي، وباتت الرياضة نموذجاً للتعصب الأعمى وفقدان لغة الحوار.
 
تغييب الوعي
· لقد بلغت حالة تغييب الوعي أقصى مدى لها، فنسينا أن الدول المتقدمة ليست بالضرورة صاحبة جولات وحائزة بطولات رياضية، ومنها على سبيل المثال سويسرا التي يحتل أحد مواطنيها "جوزيف بلاتر" منصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ورغم ذلك فأن مشاركاتها في كأس العالم أو انجازاتها في البطولات الاوروبية ليست ذي شأن كبير، ولم نسمع أن شعبها ثار على حكومته الاتحادية لأن أحد منتخباتها فشل في التأهل لكأس العالم، ورغم ذلك فأن المواطن السويسري يتخذ من الرياضة أسلوب حياة يمارسها ضمن أنشطته اليومية.
 
 أيها السادة أفيقوا وانزعوا عن عقولكم جهاز الغيبوبة الذي يتحكم في تصرفاتنا منذ أكثر من ثلاثة عقود وأرحموا مصر يرحمكم الله.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز