عاجل
الخميس 20 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الحج المبرور
البنك الاهلي
خواطر من مناسك الحج (١-٢)

خواطر من مناسك الحج (١-٢)

على مشعر عرفات، يؤدي حجاج بيت الله الحرام، ركن الحج الأعظم اليوم، متساوون في الملبس وفي المشاعر التي يؤدونها، تلتف أجسادهم بإحرام أبيض، أشبه ما يكون بالكفن الذي سيذهب به الجميع إلى دار البقاء.



يتساوى الجميع في طلب رحمة الله، تلهث ألسنتهم بالدعاء وطلب الرحمة والمغفرة، تقبلهم الله وغفر ذنوبهم، وأعادهم مأجورين مقبولين وألحقنا بهم في الصالحين.

أنعم الله عليّ بأن رزقني، زيارة المساجد الثلاثة التي يُشد إليها الرحال، ففي العام 2013 بصحبة اتحاد الصحفيين العرب مشاركًا في “دورة القدس” زرت المسجد الأقصى فكَّ الله أسره.

هناك تحت الصخرة المعلقة بمسجد قبة الصخرة، دعوت الله أن ينعم عليّ بزيارة بيته العتيق ونبيه الكريم ﷺ.

في العام 2016، الموافق 1437 هجرية، كتب الله لي حج بيته العتيق، وأكرمني أن كنت في خدمة والدتي واثنين من آباء وأمهات زملاء أصدقاء أعزاء، فكانت أعظم وأجمل أيام حياتي التي لا تنسى.

لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك.. بتلك التلبية بدأنا رحلتنا من منزلنا الذي أحرمنا منه بقريتنا في محافظة الشرقية.

خلال الطريق في الاستراحات بين التكبير والتقاط الأنفاس، سبحت بعقلي في المعاني، ودلالات المناسك، فهي ليست مجرد كلمات ولا هي مجرد حركات وتنقلات بل هي معانٍ ودلالات.

في قديم الزمان، أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام، أن يرفع قواعد البيت العتيق، وأن ينادي في الناس، أن لله بيتًا فحجوا، قال تعالى: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» الحج (27). يقول العلماء، أخذ أبو الأنبياء بأسباب الطاعة فأذن وكان على الله البلاغ، فسمع نداءه من في أرحام أمهاتهم وأصلاب آبائهم، ومن لبى كتب الله له الحج.

وهنا المعنى، لبيك اللهم لبيك.. أي نلبي نداء أبانا إبراهيم الذي أذن بأمرك يا الله، لبيك لا شريك لك لبيك، أنت الواحد الأحد الذي نعبده بلا شريك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لك الحمد والنعمة والملك يا الله، وحدك لا شريك لك.

في الطريق من مطار جدة إلى مكة المكرمة، كان الأمل والرجاء، وانتظار النظرة الأولى للكعبة المُشرفة، بمجرد دخول مكة والسير في طرقاتها ورؤية جبالها، شعرت بزلزال داخلي، خشوع وبكاء، تداعت ذكريات ما طالعته ودرسته من السيرة النبوية، هنا كانت تعطر الأرض أقدام خير البرية.

في أم القرى نزل النور والوحي وسيدنا جبريل على خاتم الأنبياء في غار حراء، في تلك البقعة الطاهرة جاهد نبي الهدى لنشر الرسالة وهداية البشرية، فيها عانى ومن آمن معه، هاجر وعاد فاتحًا.

خليط من مشاعر الرهبة، والسعادة الممزوجة بالدموع، تصافح عيناي بيت الله العتيق لأول مرة في حياتي، عند الاقتراب أوصي من معي بأن يدعو بكل الخير عند رؤية الكعبة المشرفة للمرة الأولى.

اللهم زد هذا البيت تشريفًا، وتعظيمًا واجعله مثابة للناس، دعوت بها قبل أن أدعو بما تيسر لي ومن أوصاني بالدعاء له.

بدأنا الطواف غير مصدقين أننا في بيت الله العتيق، نشير بأيدنا للحجر الأسعد: «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا لكتابك، واتباعًا لسنة نبيك سيدنا محمد ﷺ»، هكذا ندعو مع بداية كل شوط طواف.

فالطواف حول البيت العتيق به من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله، راحة نفسية غريبة، نسيان لكل مشاغل الحياة، وتركيز في مناجاة الله، فما الطواف إلا إيمان بالله الذي فرض الحج، وتصديقًا لأوامر الله الواردة في كتابه الكريم، وسنة النبي ﷺ.

سر السبعة أشواط، الطواف ذاته سر، فالذرة تدور إلكتروناتها حول النواة، كما الطواف، والأرض والكواكب تطوف بالفضاء، ورقم 7 سر في ذاته، 7 أشواط طواف، والسماوات سبع، وألوان الطيف سبعة، والسلم الموسيقي سبعة، والطفل غير مكتمل لا يعيش إلا عمر سبعة أشهر.

في الصفا والمروة، ليست مجرد سبعة أشواط، بل محاكاة لرحلة بحث السيدة هاجر المصرية، عن الماء لتروي ظمأها ورضيعها، «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» إبراهيم  (37).

ففي وادٍ غير ذي زرع ترك سيدنا إبراهيم، طاعة لأمر الله، زوجته السيدة هاجر وابنه إسماعيل، وعندما اشتد الجوع والعطش، أخذت تهرول بين جبلي الصفا والمروة بحثًا عن ماء وطعام، ذهابًا وإيابًا، فإذا بالرضيع يضرب بقدميه الأرض فتخرج ماء، تحيطها الأم وتردد «زم- زم»، تجمعي فكانت ماء بئر زمزم المباركة التي يرتوي بها المعتمرون والحجاج إلى يومنا هذا.

وعلى خطى السيدة هاجر ومحاكاة لها، يسير المعتمرون والحجاج في مناسك السعي بين الصفا والمروة، داعين الله طالبين رحمته ومغفرته وسعة رزقه.

وفي ذلك الركن عظة وعبرة، فقد صدق أبانا إبراهيم أمر ربه ووضع زوجته وطفله في وادٍ غير ذي زرع عند بيته المحرم، وتكفلهم الله، كان بالإمكان أن تتفجر مياه زمزم من دون سعي ولا جهد من السيدة هاجر، فقد انفجرت بأمر الله، لكنها سعت بين الصفا والمروة، أخذت بأسباب البحث عن الرزق، وكذلك علينا أن نسعى في دورة الحياة متوكلين على الله لا متواكلين.

إلى مشعر مزدلفة ذهبنا مع غروب شمس وقفة عرفات.. للحديث إن شاء الله بقية.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز