عاجل
الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإستراتيجية ... المفهوم والتطور (2)

الإستراتيجية ... المفهوم والتطور (2)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

توقفنا في المقال السابق عند تعريف تطور الإستراتيجية وأنواعها الرئيسية الثلاثة والمتدرجة في مستويات الديمقراطية النفسية والمادية للمعنيين بها هي (العقلانية - التوجيهية - السياسية الإدارية) ، وأكدنا أن أية إستراتيجية لابد لنجاحها من المزج الواعي والدقيق بين الأنواع الثلاثة ، حيث تتباين نوعيات المعنيين والمهام والعقبات وظروف التنفيذ المكانية والزمانية والنفسية كثيرا ، وهو ما يحدد احترافية وجودة التخطيط الاستراتيجي ويفرق بينه وبين غيره في قابليته للتنفيذ ونسب نجاحه المنتظرة والمحققة فعليا ، وقلنا أن لكل منا على مستواه الشخصي لابد وأن له إستراتيجيته الخاصة في حياته حتى ولو كانت سطحية ومهلكة كالحصول على أقصى درجات وأنواع المتعة ، وهي للأسف إستراتيجية الكثير من البشر في عالمنا خاصة تجار الدين والمضيعين من شبابنا ، رغم أننا أقدم شعب على وجه الأرض عرف ومارس معان ومراحل وخطوات الإستراتيجية بكل مستوياتها بداية من إستراتيجية الفلاح الفصيح منذ خمسة آلاف عام وحتى الإستراتيجية القومية والدولية التي مارسها مينا موحد القطرين وبعده مئات الملوك والقادة العسكريين من قدماء المصريين .



وفي معرض الحديث عن تعريف الإستراتيجية ذكرنا سباعية المهام الأساسية والتي أميل لتسميتها بمراحل الإستراتيجية لتتابعها الزمني (التخطيط - التدبير - التنظيم - الإدارة - المتابعة - التقييم - التقويم) وهي سلسلة متدرجة من المهام التي تبنى عليها الإستراتيجية والتي تتماثل مع مهام القائد وهيئة قيادته بل وكذلك مهام الإدارة الواعية في مختلف المستويات والمؤسسات ، والتي يجب أن يلتزم بها واضعي ومنفذي الإستراتيجية في جميع مستوياتهم ، بل هي بالفعل المهام الأساسية التي ننفذها كأسلوب حياة لإنجاز أعمالنا المستقبلية مع التفاوت في بعض المهام أو التغافل عن بعضها تبعا لمستوياتنا وقدراتنا العلمية والثقافية والعقلية والنفسية وكذلك أهمية ومصداقية العمل وما نستهدفه منه مستقبلا ، وتعتبر القوات المسلحة هي أكثر المؤسسات ممارسة لسباعية المهام بترتيباتها وتنوعاتها خاصة عند تنفيذ المهام القتالية والتي تحتاج لدقة عالية في تنفيذ المهام وتتابعها وتداخلها وحاجتها للمناورة واتخاذ القرارات السريعة والمحسوبة مسبقا بكل احتمالاتها المتوقعة والمحتملة بل والغير محتملة ، ولذلك دوما نرى فارق قدرات كبير بين العسكريين والمدنيين في مجالات الإدارة خاصة في الظروف الغير تقليدية والمتوترة والتي تحتاج لقدور عالية من ضبط النفس وتحمل الضغوط وسرعة اتخاذ القرار وحسم الأمور والقدرة على إدارة البشر والموارد في الظروف الحادة والخطيرة والغير مستقرة .

وتعد مرحلة التخطيط هي المرحلة النظرية البحتة والتي تبدأ بفكرة لها هدف نهائي أو مجموعة من الأهداف النهائية يتم تقسيمها لأهداف مرحلية تبعا لظروف التنفيذ التي يقدرها المخطط ، ويبدأ مرحلة التخطيط بخطوة مبدئية هي التأمل والتخيل المنطلق لكل خطوات تنفيذ الفكرة وأهدافها ، وتنتهي هذه الخطوة بوضع الإطار الفكري العام للإستراتيجية وكيفية تنفيذها في مراحل رئيسية محددة مع وضع الإطار العام فكريا لكل مرحلة ومواردها وكيفية السيطرة عليها وتوجيهها للهدف النهائي وتجنب العقبات وحل المشاكل ، مع التحديد المبدئي للكوادر والموارد البشرية والمادية الأساسية واللازمة للتنفيذ ، ثم يتم الانتقال سريعا من التأمل للخطوة التالية والتي نسميها بصلب التخطيط وفيها يتم تدقيق الفكرة ووضعها في إطارها القابل للتنفيذ حيث يتم تسجيل وحساب المخطط ووضع برامج التنفيذ الزمنية في إطارها النظري وصياغتها في صورتها الشبه نهائية ، باستخدام الحواسب والكوادر البشرية القادرة على فهم وتخيل وحبك فكرة تنفيذ الفكرة ، ثم يتم الانتقال من التخطيط إلى مرحلتان متقاربتان بل وأحيانا متداخلتان هما التنظيم والتدبير حيث يتم تقدير ما يمكن تدبيره من موارد بشرية ومادية خلال عملية التنظيم التي التي يتم فيها إعادة تنظيم المراحل والموارد والكوادر المنفذة في ظل الظروف الفعلية والمنتظرة والمحتملة وتدقيق البرامج وتحديد المسئوليات بدقة مع التنسيق بين المشاركين والفاعلين وهي المرحلة التي يطلقون عليها في القوات المسلحة بمرحلة تقدير الموقف والتي تنتهي باتخاذ القرار النهائي بكل تفاصيل تنفيذه ومحددة جميع مسئوليات التنفيذ اللازمة وخطوات ومراحل وتفاصيل التعاون والتنسيق بين العناصر والموارد لتحقيق سلاسة التنفيذ والتغلب على العقبات المنتظرة والمحتملة .

وتعتبر مهمتي التنظيم والتدبير هي أخطر مراحل الإستراتيجية الاستاتيكية التي تسبق الانطلاق للتنفيذ وبالتالي تحتاج لكثير من القدرات والمهارات الشخصية للمشاركين في هاتين المرحلتين الدقيقتين والتي يعتمد عليهما تدفق عمليات التنفيذ فيما بعد ، وقد يتم خلالهما بعض الإجراءات التمهيدية التي تمهد لتحقيق بداية قوية للتنفيذ والتي غالبا ما تكون إجراءات نفسية مع بعض الإجراءات المادية المحدودة لتوجيه الموارد وتخصيصها وتعظيم دورها في التنفيذ ، وكذلك لابد من التنسيق القوي بين مختلف الجهات والمشاركين والموارد مع التحديد الدقيق للمسئوليات وأخيرا لابد من تحديد أساليب التقييم والمراجعة ومسئولياتها لغلق دائرة التنفيذ ومنع تفاقم المشاكل والعقبات وفقدان الرؤية التي تحدث كثيرا كنتيجة مباشرة لعدم وجود مسئول عن أعمال بعينها تعتبر مشاعا بين المنفذين ، ولكن تأثيراتها السلبية خطيرة على مسار التنفيذ لدرجة أنها غالبا ما تكون هي أشهر أسباب فشل تنفيذ الاستراتيجيات البراقة والكبيرة .

وتعتبر آخر إجراءات التدبير والتنظيم هو أسلوب الحشد للموارد البشرية والمادية والتي يعد من أهمها هو الحشد النفسي للمعنيين والمشاركين لتوليد الدوافع المناسبة والاستعداد النفسي لبدء التنفيذ بكل دقة وانضباط ، وقد يكون إخفاء الموضوع عن العامة هو أهم أسباب النجاح لتنفيذ الإستراتيجية خاصة في الأهداف المرحلية والتي قد تتأثر كثيرا باللغط والتداول الإعلامي للموضوع ، ويعد أبز الأمثلة لذلك هو اتفاقية تيران وصنافير والتي لو أعلنت قبلها لباءت بالفشل مثلما فشلت في تسعينات القرن الماضي ، ولذلك فكل الخيارات متاحة ومشروعة أمام المخطط ومن يدير الإستراتيجية ، والتي تدار كثير من مراحلها كأزمة ، حيث يعتبر علم إدارة الأزمات هو أحد أهم العلوم الحديثة التي تدار بها الدول المتقدمة والواعدة ، حيث تدار معظم القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية كأزمة توضع لها مسبقا العديد من سيناريوهات الإدارة تبعا للمتغيرات المنتظرة والمحتملة وغير المحتملة تجنبا للمفاجآت الصادمة ، ويعد أسلوب إدارة الأزمات بالأزمات هو أسلوب هجومي على الأزمات المحتملة ليصبح المخطط هو صاحب الفعل وليس ردود الأفعال ، وتنقسم أنواع إدارة الأزمة بأزمة مصطنعة لنوعين رئيسيين هما (الأزمة الإيجابية - الأزمة السلبية) ، ونعني بالإيجابية أن تكون صاحبة رد فعل إيجابي ومفرح يغطي على الأزمة الحقيقية ، أما السلبية فهي ما تكون نتيجتها سلبية أو محزنة تغطي على الأزمة الحقيقية ، ولعلي أذكر بعضا من إدارة القيادة السياسية المصرية مع بدايات القرن الحالي لبعض الأزمات في مصر بطريق علاج الأزمة بأزمة مصطنعة ، وأشهرها انتصار الأهلي على ريال مدريد بهدف لمحمد عباس في الدقيقة السابعة من الشوط الثاني ، فقد تم التخطيط لصناعة فرحة جماهيرية عارمة يتم خلال زخمها رفع أسعار بعض السلع الهامة والشعب غارق في غمرة الفرحة لتجنب ردود الأفعال الغاضبة والغير مرغوب فيها وهو ما تم بمنتهى البساطة والسلاسة ، وهكذا تدار كل شعوب الدنيا منذ عشرات السنين وهي لا تدري ولكن يبقى الضمان الوحيد هو ضمائر من يدير هذه الأزمات خاصة لو كانت سلبية مثل إطلاق الغرب وأمريكا لبعض الأوبئة على شعوب بعينها فقط بغرض التسويق لمنتج دوائي معين يحصدون من وراءه مليارات الدولارات لتدعيم دولهم على جثث شعوب أخرى ، وبالوصول لإدارة الأزمات بالأزمات وتخطيط سيناريوهاتها المتعددة مسبقا خلال مرحلتي التنظيم والتدبير نكون قد انتهينا من التعرض المختصر لأول ثلاثة مهام أو مراحل من مراحل الإستراتيجية ويتبقى لنا مراحل تنفيذ الإستراتيجية (الإدارة - المتابعة - التقييم والتقويم ) وهو ما سوف نتناوله لاحقا ..

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز