عاجل
السبت 29 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تجربة كاتب داخل المجتمع الإسرائيلي

تجربة كاتب داخل المجتمع الإسرائيلي

تضاربت الأخبار الأسبوع الماضي حول شائعة وفاة المفكر وعالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي، أحد أكثر المثقفين تأثيرا في العقود الأخيرة، بعد انتشار معلومات من دون مصدر عبر شبكات التواصل الاجتماعي ادّعت أن المثقف البالغ 95 عاماً توفي.



 وكتبت زوجته، فاليريا تشومسكي، ردا على رسالة عبر البريد الإلكتروني من وكالة فرانس برس، أن الشائعات المتداولة “ليست صحيحة، إنه بخير”.  وخرج من مستشفى في ساو باولو، الثلاثاء الماضي، وسيستكمل “علاجه” في المنزل، وفق ما أعلن المستشفى في نفي لشائعات متداولة عبر الإنترنت ادّعت وفاته. 

وذكرت صحيفة “فوليا دي ساو باولو” أن تشومسكي نُقل إلى المستشفى في المدينة البرازيلية بعد إصابته بجلطة دماغية في يونيو من العام الماضي أثّرت على الجانب الأيمن من جسمه. ويقيم الزوجان تشومسكي منذ عام 2015 في البرازيل، بلد فاليريا تشومسكي. 

ويُعتبر نعوم تشومسكي مؤسس علم اللغويات الحديث، وقد أكد في كتابه “الهياكل النحوية” (1957) أن اللغة قدرة فطرية، وتحدّث عن نظريته اللغوية التي نال عليها لقب أبرز مثقفي العالم "قواعد أنحو التوليدي"، وهي مجموعة قواعد لغوية عالمية، موجودة في الدماغ البشري. 

لكنه أصبح شخصية مركزية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، خصوصاً لدوره كمثقف ملتزم، بفعل انتقاداته الراديكالية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك لوسائل الإعلام. كذلك، أصبح هذا المعارض لحرب فيتنام والغزو الأمريكي للعراق مقرّباً من زعماء اليسار في أميركا اللاتينية مثل فيدل كاسترو، وهوغو تشافيز، والرئيس البرازيلي الحالي لويز إيناسيو لولا دا سيلف وكان تشومسكي لسنوات عدة عضواً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وهو حالياً أستاذ فخري في اللغويات في جامعة أريزونا.  

تشومسكي في كل ما كتب لا يمل من الحديث عن العدوانية الأمريكية، ويدافع عن الضعفاء والمضطهدين في مختلف أنحاء العالم منذ زمن الحرب الفيتنامية إلى الوقت الراهن، وانحيازه لقضايا المستضعفين حول العالم، خاصة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، ووقوفه ضد الصهيونية، وهو ما حمله آخر مؤلفاته الصادر قبل شهور "عن فلسطين" بمشاركة إيلان پاپيه. نتصفحه معاً ونقتبس منه بعضً من آرائه.. حيث يؤكد تشومسكي فيه أن القضية الفلسطينية ليست إلا تجسيداً لكل ما هو خاطئ فى هذا العالم، الدور الذي تؤديه الحكومات الغربية، بتواطؤ الشركات والمؤسسات، يجعل من هذه القضية خاصة جدًا.  بالنسبة إلى غزة، فالطبيعي هو العيش البأس تحت ظل حصار قاس ومدمر، تقوم إسرائيل بإدارته، حيث تسمح للفلسطيني بالبقاء على قيد الحياة فقط لا غير، ويشعر الناس في غزة وفي أماكن أخرى في فلسطين بخيبة أمل بسبب عدم وجود أي رد فعل دولي على المذابح والدمار الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي حتى الآن في قطاع غزة. حقيقة أن إسرائيل تستفيد من خرق القوانين الدولية ويتم استقبالها "بالسجاد الأحمر" من الغرب، تٓٓأّمٓل اسرائيل أن تكون حرة تماماً فى تحقيق سياستها الإجرامية في الأراضي المحتلة دون تدخل عندما تنجلي الفقرة الحالية من السادية، وذلك بالدعم من من الولايات المتحدة الذي تمتعت به فى الماضي: العسكري والاقتصادي والدبلوماسي، وأيضًا الأيديولوجي: من خلال تأطير القضايا، تفضل إسرائيل أن يحمل القضية الفلسطينية ويدافع عنها من لا يؤمنون بالديمقراطية.. ويضيف "هناك حكمة يهودية تقول: من يفقد مفتاحه فعليه أن يبحث عنه حيث فقده، لا حيث يوجد نور.. بأكثر من شكل تشبه العملية التي يطلق عليها "عملية السلام"، والتي تقوم على أساس حل الدولتين، البحث عن المفتاح الضائع تحت أنوار الشوارع؛ في حين أن المفتاح في مكان ما بعيدا.  ويكمل: "كل شخص لا يقبل النسخة الإسرائيلية من حل الدولتين يتمّ اتهامه بمعاداة السامية.. يطالب المسؤولون الإسرائيليون بالدعم المطلق لنسختهم من حل الدولتين، لذلك يتم اتهام أيّ وزير خارجية لدولة ما بمعاداة السامية إذا لم يلتزم بهذا الحل التزامًا تامًا". بإمكان أي شخص من معسكر السلام داخل وخارج فلسطين أن ينتبه إلى الارتباط بين المأساة السورية والقضية الفلسطينية: أن الحاجة في إعطاء اللاجئين الفلسطينين الجدد والقدماء حق العودة إلى موطنهم الأصلي يجب أن تكون مدعومة لكونها بادرة إنسانية، ولكونها عملّا سياسيًا من شأنه المساهمة في إنهاء الصراع بين فلسطين وإسرائيل. 

 

تكمن أهمية هذا الكتاب في تقديمه حلولاً ومعالجاتٍ للقضية الفلسطينية فحسب، بل حتى في تحليله واقعَ النزاع داخل المجتمع الإسرائيلي وصراعاته الطبقية؛ كذلك تكمن أهميته في عرضه مقاربةً بين الحالتين، جنوب الأفريقية والفلسطينية، على أنهما قضيتا صراع ضد الإمبريالية وأنظمة الفصل العنصري؛ كما يشارك كلاً من تشومسكي وإيلان پاپيه تجربتهما داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وأهم التحولات التي طرأت على الرأي العام - الأمريكي بشكلٍ خاص- في السنوات الأخيرة؛ بما في ذلك الأوساط الأكاديمية التي تبدو أكثر تقبلًا للطرح المناهض لنظام الفصل العنصري من ذي قبل. 

إن الدافع لترجمة هذا العمل لم يكن بالنسبة إليّ بسبب الحلول التي يقدمها؛ لكن التساؤلات التي يطرحها ويحاول الإجابة عنها، وكذلك المفاهيم التي يحاول معالجتها؛ مثل معنى أن تكون ناشطًا، وحقيقة النشاط والحراك المناهض للحركة الصهيونية اليوم وتطوراته.

 أجد كذلك أن نوعية النقاشات والأسئلة التي يطرحها حول المواقف الأخلاقية تجاه القضية، ومحاولة إضفاء فاعلية أكبر عليها من أجل كسب الرأي العام وخلق قنوات ضغط على متخذي القرار، أشدّ ارتباطاً بأحداث العالم العربي اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ومن أنجح مؤلفات نعوّم تشومسكي أيضًا كتاب "العالم إلى أين؟".. 

 

نستعرضه معا المقال القادم.   

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز