عاجل
الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عزيزي الإنسان .. مهلا وتوقف لحظة

عزيزي الإنسان .. مهلا وتوقف لحظة

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

كثير منا إن لم يكن معظمنا لم يمارس باختياره عادة التوقف لبرهة عن مسايرة تدفق حركة حياته المتدافعة يوما بعد يوم وربما ساعة بساعة ولو لدقائق فقط من أجل استعراض أو مجرد التأمل لتسلسل متتابعات حياته وما هي محطاتها الرئيسية التي غيرت أو حددت مسار حياته وما هي جدوى أو حقيقة أحلامه ثم أمنياته والتي أصبحت أهداف ، وماذا حقق منها وما تأثيرها على  حياته ومستقبله ، ولكن غالبا ما يحدث هذا أو بعضا منه عند أول عقبة تجعل الإنسان مجبرا على التوقف لفترة زمنية عن ممارسة حياته المعتادة ، كأزمة صحية أو حدث كبير يعترض حياته .



ولا شك بالطبع أن الإنسان يمر خلال رحلة حياته بمحطات رئيسية تحدد أو تغير من مسار حياته جذريا ، وأول هذه المحطات هي المحطة الإجبارية لكل البشر وهي ساعة مولده ، فهو قد جاء للدنيا مولودا من امرأة ورجل في أسرة وعائلة ومجتمع وبيئة ودين ووطن ولغة تشكل كلها فكرا وثقافة وتوجهات لم يكن له فيها اختيار في حدود علمنا المحدود ، وتعتبر هذه المحطة رئيسية وهامة ، لأن أي تغير في أيا من المعطيات فيها مهما كان بسيطا لابد وأن يغير تماما من مستقبل حياة هذا المخلوق الجديد ، وتتوالى أحداث حياته تبعا لمعطيات وظروف هذه اللحظة وهذا اليوم ، ومع توالي الأيام والسنوات تتضح له ملامح مستقبله القادم له أو الذاهب هو إليه ، ولكن هو دوما محصور في حدود النتائج المنطقية لتلك المعطيات الأولية في لحظة ميلاده ولا تحيد عنها كثيرا ، فمثلا ميلاده من والدين متعلمين في بيئة مثقفة في وطن مستقر يهتم بالطفولة ومستقبلها سوف يختلف كثيرا عن طفل ولد في نفس اللحظة من والدين أميين في بيئة فقيرة وبلد غير مستقر ومجمل أحلامهم هو توفير لقمة تسد رمقهم وتوفر حدا أدنى لاستمرار حياة هذا المخلوق الجديد أيا كانت ملامح هذه الحياة ، ولا شك أيضا .. أن طموحات وآمال وأحلام الوالدين لصغيرهما الجديد والمبنية أساسا على فكر وثقافة محددة سوف تشكل كثيرا من فكر وطموحات وقدرات هذا الصغير وسوف تصنع له أحلامه وأهدافه وتغير من معالم حياته ، وهي عوامل كثيرة ومتباينة وقد تعترضها أحداث مؤثرة وجذرية تغير من الكثير من القادم في حياته ولكنها في النهاية محدودة بإطار اتجاهات المعطيات الأولية التي لم يختر منها شيئا على حد علمنا المسموح لنا به من الخالق العظيم ، ولذلك دوما تجد الأهل والحكماء لا يملون من نصح الشباب للتدقيق في اختيار زوجته وأم أولاده ،

فالأم المتعلمة من المؤكد سوف تكون أفضل لمستقبلهم ، والأم السليمة التربية والدين والأخلاق هي ضرورة هامة لأجيال واعدة ، والأم السوية النفس والمتوافقة في طباعها مع الزوج هي ضرورة حتمية لاستمرار الحياة وبالتالي الحفاظ بل والارتقاء بصحة الأبناء النفسية والجسدية ، وهنا نتوقف عند المحطة الرئيسية الثانية والتي يتزاوج فيها هذا المخلوق الجديد بما يكمل نقصه ويغلق دائرة الاستخلاف بحلقة جديدة لإنتاج جيل جديد ، وهنا يقع على عاتق الزوجين الجديدين مسئولية حسن الاختيار لنوعية ومعطيات المخلوق الجديد القادم ، فضلا عن كون هذه المحطة هي تغييرا جذريا لمسيرة حياة جيل جديد من البشر ، حيث يعد أبسط متغيرات الزواج هو الاختلاف الجذري في أسلوب وطريقة ممارسة الحياة في ظل مشاركتها مع شخص جديد مختلف في النوع يتشاركان معا تبادل العطاء والأخذ لاستكمال النقص النفسي والجسدي بينهما وما يصاحبه من متعة التكامل والتقارب بينهما ، وتعد هذه المحطة الرئيسية الثانية هي أخطر محطات الإنسان أو أوضحها تأثيرا على حياته وحياة من سوف يأتي من نتاج وتوابع هذه المحطة من جيل جديد من البشر ، ولكن ابن آدم الذي يهوى إتباع شهواته ورغباته النفسية غالبا ما يقع ضحية خداع نفسه بمعايير مغلوطة أو مشوهة تبعا لتربيته وبيئة نشأته وما يسبغها من فكر وثقافة وتعليم إضافة لما يصنعه الإعلام ووسائله التي تصل لأطفالنا قبلنا من خلال وسائله المرئية والمسموعة والتي تشكل كثيرا من ثقافة الإنسان الصغير الجديد والمتلقي بلا انتقاء أو مفاضلة بين الجميل والقبيح والصحيح والمغلوط أو المفيد والضار لحياته ومستقبله ، ولذلك فلابد وأن يكون الشاب أو الفتاة قد سبق لهم الإعداد والاستعداد الجيد والواضح لاستكمال مسيرة الاستخلاف بالزواج وانتقاء الشريك ،

فلا يقع فريسة للشهوات والإثارة وفتن الجمال والشكل الخارجي أو الثروة أو الجاه والحسب والعائلة ، وينسى أن أهم وأبرز الشروط الرئيسية في اختيار الشريك هو التوافق النفسي في حدود ممارسة الحياة وقبول معطياتها والتعامل معها ، فلن تستقيم الحياة بين طرف يؤمن بحدود الأخلاق الملتزمة بشدة مع طرف حدوده مطاطية ويمكن تغييرها تبعا لمواقف الحياة ، وسوف يكون الفشل هو حتميا لأي علاقة بين طرفين مختلفين في أساليب التعامل العائلية وحدودها ، بل وغالبا ما ينتهي الزواج بالفشل بين زوجين لم يتعود كل منهما تحمل مسئولية غيره ومن يشاركه الحياة لاعتياده الأخذ دون الإحساس بمسئولية حتمية بذل الجهد لإحسان العطاء المقابل أو دون تقدير لمن يعطيه ويشاركه الحياة ، ولذلك نصدم دوما بتزايد ارتفاع نسب الطلاق في السنة الأولى أو السنوات الخمس الأولى خاصة بين طرفين عاشوا قصص حب وعشق ملتهب قبل الزواج ، ثم تصدمهم حقيقة الزواج بما لم يكن في مخيلتهم عن هذا الشريك المبهر البراق الحنون والملتهب عشقا وشوقا وقد تحول لشخص روتيني قد عاد لنمط الحياة الممل والباهت فضلا عن تمتعه بكل ألوان العيوب والسلبيات البشرية والتي لم يتخيل العاشق أن يجدها فيه أو يقبلها كمتلازمات مستقبلية لحياته معه .

هذه المحطة الرئيسية هي الأوضح والأكبر على الإطلاق لأسباب كثيرة أولها أنها غالبا ما تكون طويلة بعمرها وذكرياتها وتأثيراتها المستقبلية وخاصة بتوابعها من أبناء وأحفاد من بعدهم ، وثانيها أنها تحمل الكثير من الخصوصية والتأثيرات النفسية والجسدية المتبادلة ما بين طرفين مختلفين ، وثالثها أن فشلها سوف يترك علاماته وعاهاته النفسية على الطرفين وعلى نتاج علاقتهما من أجيال جديدة متعاقبة دون جدال ، ونجاحها سوف يترك أثاره الإيجابية على نفوسهم وسعادتهم وبالتالي على جيل جديد بل وأجيال بعده قادمة ، ولذلك وجب على الوالدين مراعاة أن أطفالهما اليوم سوف يتوقف مستقبلهم ونجاح زواجهم على ما يشاهدونه من أساليب وتداعيات تعاملهما مع بعضهما البعض ، فتلك الزوجة مثلا .. لن تنسى أن أباها كان مزواجا لا يراعي سوى شهواته ، وحتما في ظنها لن يكون أي رجل أفضل من أبيها ، ولذلك لن يصفو قلبها ونفسها لرجل مطلقا ، ولن تكون حريصة إلا على تأمين نفسها واستفادتها أولا ، وبالتالي فسوف تكون مصدر نقمة واكتئاب ونكد بلا أسباب ليقينها بانعدام الأمان ، وكذلك هناك زوج لن ينسى أن أمه مثلا كانت متسلطة وحمقاء في تعاملها مع أبيه كنتيجة لطيبته وصبره وحلمه ، وبالتالي فسوف يكون شرسا وحادا مع زوجته ، وتلك الزوجة لن تنسى أن أمها كانت غير أمينة مع أبيها واستمرت الحياة رغم خداعها له وبالتالي فلا مانع لديها أن تعيد تكرار ما عايشته من أمها لو اضطرتها الظروف وربما بلا ظروف أو أسباب على سبيل التجربة ، فما يشاهده الأبناء من أسرار وملامح التعامل بين الوالدين سوف يكون علامات وربما عاهات نفسية تشكل شخصياتهم وأساليب تعاملهم وبالتالي سوف تحدد كثيرا من معالم مستقبلهم وربما تغيره جذريا ، وبالتالي فلا حق لمجتمع أن يلوم فشل شبابه في زواجهم ، فما هم إلا صنعة هذا المجتمع بسلبياته وتربيته الخاطئة والمشوهة دون فكر أو وعي لما يفعلونه وتأثيره المستقبلي على أجيال متعاقبة .

أما المحطة الثالثة فهي يوم وفاة الإنسان وهي محطة النهاية لحياته وتواجده على الأرض ، وبقدر ما هي محطة رئيسية له وخطيرة فهي أيضا محطة هامة وعلامة في تاريخ حياة من حوله من أهله ومعارفه ، وهو اليوم والمحطة التي سوف يكتشف فيها كل حقائق حياته الماضية والآفلة والقادمة واضحة دون حائل أو غطاء كما يقول سبحانه لابن آدم عند موته  { لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }ق22 ، وما أعظم وأخطر تلك اللحظة التي ربما تكون فيها سعادته العظمى بالنجاح في الاختبار الحياتي في الدنيا وهو ما سوف يحدد قدور جمال وروعة النشأة الأخرى التالية أو أنه خدع نفسه وضيعها بشهواته وغروره وحمقه ، خاصة وأنه لا يملك حيال ذلك إلا التسليم في انتظار حكم الله فيه ، وما سوف يكابده بعدها من حياة بنشأة جديدة ليصلح ما أفسده بورقة إجابة جديدة (حياة جديدة) ولكنها بنفس الأسئلة التي فشل في النجاح فيها ولكن بصور مختلفة وظروف ووقائع متباينة تضمن العدل المطلق لله في خلقه خاصة في هذه النشأة الجديدة التي لا نعلم عنها شيئا حتى يأتي موعدها والتي أوضحها قوله تعالى .. { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ، عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ } الواقعة (60 : 62) ، وتلك هي المحطة الأخيرة مرحليا في رحلة حياة الإنسان على الأرض والتي يتوقف عليها ما يليها من حياة ونشأة ومآل وهو ما يجب أن يتنبه لها ابن آدم جيدا ، هذا لو كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويدرك ويفهم ناموس الخالق العظيم والمبدع في حركة الحياة في كونه العظيم الذي يحوي الأرض ومن عليها كذرة رمل في شاطئ خلق الله على بحور كونه الفسيح .

تلك هي محطات عمر الإنسان الرئيسية الثلاثة فما بين محطة مولده ومحطة مماته يصنع ابن آدم بكامل وعيه المحطة الثانية والحلقة الوسيطة بتزاوجه ليكمل سلسلة الاستخلاف على الأرض من بعده ، فهل يحسن ابن آدم صنعته ويبدع بإتقانه وجهده وكدحه إنتاج تلك الحلقة الوسيطة .. ولعله فاعلا لو كان يعي فهما لناموس الكون .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز