عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
ولكم في الثياب حياة

ولكم في الثياب حياة

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

    عن ثياب لا تلائمني أرتديها حين أرغب في السفر ولا أملك تذكرة ، عن طقوس مختلفة لي مع القماش والنقوش والخيوط والرائحة ، ربما لأنني من الأشخاص الذين قد ينسون ملامح وأصوات وأطوال الأشخاص ويذكرون ثيابهم.. تحتفظ ذاكرتي بصورة وملمس وإحساس ورائحة معظم الثياب التي ملكتها منذ كنت في الثالثة من عمري وهو أمر يدهش أقاربي جدًّا ، ويريحني نفسيًا بقوة.



    لا أملك الصيف لكنني أملك الفراشة ، لذا حين أرتدي ثوبًا محلقًا بفراشاته سيزورني الصيف ، وسأكون أكثر قدرة على الحركة والضحك والوثب داخل ثوبي ، هم على حق حين نصحوك بارتداء ثياب ملأى بالألوان الحمراء والبرتقالية حتى ترتفع درجة حرارة دمك ، لأنها فعلًا ترفع حرارة الجسم تمامًا كالنظر للشمس خلف زجاج الغرف المكيفة الهواء.
 
    أحب الغرق في بحر ثيابي الملونة ، فحين أصاب بحالات حزن أو اكتئاب أفتح دولاب ملابسي وأنثر القماشات الملونة على السرير وأغرق فيها.. أشعر بذوبان كل لون في خلاياي وبالفعل تنتقل الخلايا من جسدي للألوان ، ويبدأ تدفق أفكار مختلفة من جلدي لرأسي ، فتمتزج الأفكار الحزينة بظلال وردية أو سوداء جامحة ، كي أتمكن من الركض سريعًا في خطوط مختلفة ومتقاطعة الاتجاهات ، وفي النهاية أشعر أن العالم المليء بالألوان يمكنه أن يصمد أمام هجوم لون واحد لا أحبه.
 
     يمكنني السفر فعلًا حين أرتدي ثيابًا لا تشبهني ، وأجد نفسي في مكان لا يشبه الأماكن التي أرتادها حتى أن حقيبة يدي تبدو كما لو أنها ارتدت ختم جواز سفر أزرق وتجعدت أعماقها على أثر بصمات أمتعة مغادرة ، يكون الخيار الوحيد هنا حتى لا أفقد علاقتي بالعالم هو حذاء اعتدته واعتادني كي يعيدني لوطن الحواس الحقيقية.
 
     لا يوجد لون لا أحب ارتداؤه لكن أذكر أنني كمعظم الصغار لم أكن أحب اللون الأخضر في المرحلة الدراسية الابتدائية ، وحرت كثيرًا في سبب ذلك رغم أنني لا أجد أية مشكلة مع هذا اللون الآن ، واكتشفت أن هذا اللون ربما كان ينتمي بشكل أو بآخر للناضجين ، إذ أنه يحمل كمية كبيرة من طاقة العالم ، وحين تكون صغيرًا ستجد أن بعض هذه الطاقة يربكك ، على عكس اللون الأسود الذي يمتص الطاقات كلها ولا يحتاج منك أي مجهود للتعامل معه بل إنه حتى يشجعك على عدم التعامل معه ولا مع غيره ، لذا قد لا تحب الأسود لكنك تعتبره خيارًا أساسيًا مريحًا لك في كل شيء ، فمرحى بك أيها الأسود الأنيق والشعبي معًا.
 
    ثيابي أسافر بها وأفرح معها وأتذكرها كي تحمل لي أوقاتًا تختزلها خيوط وملمس ورائحة.. ثيابي هي طريقة من طرقي كي أغزو الحياة وكي أحتفظ بها.. وستكون طريقة أحاول بها البقاء في الحياة فترة أطول بعد رحيلي.. حين يفتح ورثتي بعد عمر طويل صندوق ثيابي وستفاجئهم ورقة سأكتب عليها جملة أخيرة ستقولها ثيابي لي..
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز