

محمد قبيصي
الكنيسة المصرية واللُّحمة الوطنية.. ما لها وما عليها
لدي الاشتياق والخشوع والامتثال الداخلي الكبير لزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ولقاء الآباء والمعلمين والمعلمات، أشعل الشموع وأقرأ في رسائل السلام والهداية والروح القدس بالمقرر البابوي القدير.. إنني أحب الأقباط وهم يحبون مصر والناس والحياة.
قبل موت البابا شنودة صاحب الذكرى العطرة والابتسامة الصعيدية المخلصة النقية جلست معه قبل قدوم رمضان في أحد الأعوام قال لي هل اشتريت البلح يا "قبيصي" قلت له لسه والله يا بونا بعدها بأيام قام بدعوتي إلى زيارة بيت الراهبات بشبرا مصر لتناول الإفطار الرمضاني أنا والأصدقاء فكسرنا صيامنا بأيدي الراهبات الكريمات الصائمات أيضا.. كلنا نصوم للرب.
أقباط مصر بخير هم مخلصون للوطن، لا تقلقوا الكنيسة المصرية بخير ونحن بخير طالما أجراس وأصوات التوحيد مع الأذان تدعو للسكينة والعبادة والرحمة بين عباد الله الموحدين.
وبسبب سمعة الإخوة الأقباط المصريين الحسنة تاريخياً تمكنوا من إيجاد مجتمعات لهم خارج حدود الوطن وأصبح لهم تجمعات قبطية تجيد الإنجليزية قبل العربية والفرنسية حتى اللغات غير المعتمدة عالمياً حتى تشكلت قوة وكلمة مصرية مسيحية وطنية شريفة في الخارج نتكلم ونكتب لها الآن وأرجو أن يصل صوتي البعيد إليهم.. وهذا هو مبتغاي وهدفي من الكتابة والتدوين.
نريد مع كل جرس يدعو للصلاة بكل الأديرة والكنائس في بلاد المهجر وأفريقيا والجزيرة العربية أن يتذكر أبناء الكنيسة المصرية الأعزاء مصالح مصر الاستراتيجية وأحلامها الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والثقافية، فالانتصار للوطن هو انتصار للدين أيا كانت قبلتي ومنهاجي.
لا أطلب من شباب الكنيسة المصرية حول العالم المستحيل وحل مشكلات مصر وهي ليست مشكلات بل أوجاع وقتيتة وستزول، ولكن أطلب منهم مخاطبة العالم عن أم الدنيا وما تمتلكه من موقع جغرافي وآثار ومعابد وسياحة نعتمد عليها في الاقتصاد الوطني للدولة، وأن يستقدموا كل مصري يسعى للسفر لديهم بحثا عن لقمة العيش والرزق الحلال، أنتم من ستصنعون الحدث هذه المرة، كلنا في مركب واحد.. "وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ" آل عمران 44.
لقد أنفقت الكنيسة المصرية ولا تزال تنفق مليارات الجنيهات لدعم الأسر المصرية الوطنية الفقيرة ومساعدة ذوي الحاجة والمقبلين على الزواج وطلاب المدارس والمرضى يشكرون الدكتور مجدي يعقوب، فالمجهودات الكنسية لخدمة المجتمع لا حصر لها منها ما هو معلوم ومنها ما هو خفي.. لكن هذا داخلياً نراه ونشكركم عليه لكن ماذا عن ملفات الخارج أيها الجيران الأقباط الكرام.
فلسفيا.. أبناء المسيحية من الخاصة والعامة أسلوبهم بسيط ولديهم هبة ربانبية في الإقناع والتأثير، ومصر الآن تنظر للعالم والعالم ينظر إليها، أوروبا، الولايات المتحدة الأمريكية، أفريقيا، القضية الفلسطينية، الاقتصاد المصري، التعليم، التجارة والصناعة، ملف المياه ودعم صادرات مصر الزراعية، الدولار والعملة الصعبة، هل وصلت الرسالة.. "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" من أشهر أقوال السيد المسيح عليه السلام.
اقتصاديا.. جميعا نعمل 24 ساعة يومياً ونتمنى أن تتحسن أحوال مصر المحروسة الاقتصادية ولا يوجد حالياً أسرة فقيرة مسلمة وأسرة غنية مسيحية كلنا نعيش تحت سقف الوطن وكلنا يد واحدة نكد ونكدح وننتج لكي نتغلب علي الايام والظروف لكن هناك من لا يريد لنا الحياة أو الخير أو السعادة، هناك من يسعى لشق الصف بين أبناء نسيج الوطن حتى خارجياً هناك من يرفض مساعدة المصريين أبناء مصر بالخارج "وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ" النساء 104.
عقائديًا.. ليست الفتنه الطائفية هي الخطر الأكبر الذي يهدد تماسك الشعب المصري وليس المسيحيون هم أعداء المسلمين في مصر بل المسلمون والمسيحيون إخوة يواجهون سويا عدو الجهل الديني الخفي المدجج بالعنف والدموع والدماء، والفكر المنحرف يقوده تجار الدين ويستغل الأطفال والصغار وأحيانا النساء ويقول لهم لا تسلموا على المسيحيين ولا تبادلونهم التهاني في الأعياد والمناسبات وأبدا لم تخبرنا الملائكة والرسل والشرائع السماوية بكل هذا الكره والمغالطات الدينية بإسم الرب والكتاب. "قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" آل عمران 165.
فكريا وتاريخيا.. المسلمون ليسوا أعداء للنصاري والمسلمون لا يكرهون النصرانية أو العكس، والنصرانية ليست باطل والجنة والنار والحساب لكل الأمم والملل، لكن المسلمين والمسيحيين أعداء للفقر والتخلف والمرض وأن يعيشوا ويموتوا كعالم ثالث، أعداء للمؤامرات التي تحاك لهدم الوطن، أعداء للمحتالين المجرمين أهل الشر، أعداء لجراثيم الفتنة طيور الظلام وخفاففيش الجماعات الإرهابية.. هم الأعداء الحقيقيون لنا جميعاً سواء فاتخذوهم عدوا قبل فوات الأوان "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً" آل عمران 120.
الآن الآن.. يا كنيستنا المصرية الحبيبة العريقة جاء دورك لمساندة وطنك في قضايا الخارج والرد بلسان كل البسطاء المصريين مسلمين وأقباطا علي كل من تسول له نفسه أن ينال من أبناء أرض بلاد النيل والأهرامات.
الآن الآن.. سيداتي سادتي من الإخوة الأقباط يا من تمثلون مصر كسفراء لنا بالخارج وتحملون الجنسية المصرية الغالية كنتم أفرادا أو جماعات دافعوا عن مصالحنا الاستراتيجية الاقتصادية والتنموية بكل ما تملكون من علاقات ومراكز قوة وصناعة القرار العالمي، خاطبوا العالم عن كل ما يتمتع به المصري من الأمن والأمان والاستقرار والجمال.
الآن الآن يا أبناء الفراعنة من الحبايب الأقباط الغاليين علي قلبي.. أخبروا العالم عن قوة وجبروت المصريين ورغبتهم في أن يكون لهم دور في صناعة المستقبل، أوضحوا لهم كيف يفهمون الشخصية المصرية والكرامة الإنسانية للمصررين وأن المصري يتمتع بكل أشكال العدالة والمساواة الاجتماعية وحرية الرأي والتعبير والفنون والإبداع وحقوق الإنسان ومصر الأمن والأمان القائمة لدينا بالفعل.. اجعلوا ذلك عناوين لخطبكم وعظتكم للمجتمعات الخارجية في كنائسكم ونواديكم وليس هذا بجديد عليكم.. وابلغوا الأجانب عن مصر "زورونا تجدون ما يسركم".
"أنا واثق أن شباب مصر هم أصحاب إرادة ومحبة للوطن والأقدر على تحمل المسؤولية والنهوض بمصر، وأغير فى قصيدة أبي القاسم الشابي لأقول إذا الشباب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر".. البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.