عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الفأر ثم الثعلب

الفأر ثم الثعلب

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني
     بدا الطريق طويلًا جدًّا لمنزلها.. فقدت كل هدوئها.. صدمت السيارة الواقفة أمامها في صف السيارات التي تنتظر إخضرار إشارة المرور صدمة خفيفة سريعة .. ثم صدمتها ثانية ثم ثالثة.. ترجل السائق.. سيارة باهظة الثمن وسائق هاديء اللهجة رغم انزعاجه.. لكنها كانت غاضبة جدًّا.. تصرخ جدًّا وتتهمه بالغباء.. حاول تهدئتها لكنها ألقت في وجهه ببطاقة بياناتها الشخصية وعادت دون استئذان ليتحرك الصف المنتظر منذ وقت طويل.. أما هو فقال : (لن أترك حقي).. صرخت : (ومن قال اتركه؟! ألا تفهم؟!)..
 
    لم ينتظر البواب أن يتلقى كل هذا السيل من السباب.. لكنه آثر الصمت لأنه شعر أنها على وشك طرده.. تلقى باب المصعد أربع خبطات عنيفة لأنها لم تتمكن من فتحه من المرة الأولى.. وكذا باب الشقة.. هي داخل شقتها أخيرًا.. لكنها سألت نفسها في دهشة : (لماذا أردت أن آتي إلى هنا سريعًا؟!.. ليس هنا سوى الفراغ والمزيد من الوضوح في تذكره؟!).. صرخت : (نذل.. جبان.. توقع أنه يرفعني كي يملكني.. يرقيني كي يقتلني في قمة البرج.. أنا من صنعت نجاحي.. أنا مديرة إدارة التسويق لأنني أستحق.. كيف يقول : "أنا صنعتك ومن حقي أن ألغيكِ"؟!.. نذل)..
 
    فجأة أصبح كل شيء أكثر وضوحًا من النافذة.. كل زوج يُحمِّل زوجته أثقال المشتريات والأطفال ويسير متقدمًا إياها بخطوة رغم أنها دفعت ثمن نصف ما تحمل كاملًا!.. وكل القطط الجائعة تموء بخضوع تحت أقدام المارة.. وبائع (حمص الشام) يقف أمام عربته يبتسم بهدوء كأنه ينتظر أن يموت الجميع ويصبح العالم عربته من فرط تعبه..
 
    قادتها قدماها للمرسم.. أغرقت لوحة وحيدة رسمتها له بكوب ماء مختلط بمخلفات تنظيف الفرش.. لم تكن اللوحة قد جفت بعد.. أخذت ملامحه تتشوه تدريجيًا في طاعة لأنامها الغاضبة لكن أصابعها جفت عند عينه اليسرى.. ظلت عينه ترمقها في تشفٍ غريب.. مزقت الاسكتش في عصبية : (سأكسرك.. سأقتلك..).. خرجت صارخة بملابسها الوردية الملوثة وخصلات شعرها الندية بألوان الطيف الغير واضحة..
    لم تدخل غرفتها نومها قط.. خافت من أفكار أودعتها فيها.. كان البيت خاليًا من كل أحد فهو يوم أجازة الخادمة.. تعيش وحدها في القاهرة كي تحقق ذاتها كامرأة ناجحة.. لكنها ضلت الباب الصحيح للنجاح.. وبعد كل هذا التعب في صعود درجات كثيرة وجدته خلفها يريد الإطاحة بها من القمة.. صرخت حتى سمعت جرس بابها.. كانت جارتها تسأل عن الخطب الذي يجعلها تصرخ منذ ساعتين.. إنهارت فجأة.. أطاعت الجارة بهدوء.. انتقلت منهارة لشقة جارتها.. كل شيء منظم وهاديء عدا صوت انفجار في نشرة أخبار التليفزيون.. أعدت لها بعضًا من عصير الليمون.. لم تتوقف عن البكاء وتكرار كلمتين : (سأقتلك.. نذل)..
    ضحكت جارتها فجأة.. أدهشتها فكفت عن البكاء.. قالت:
-         مم تضحكين ؟
-         على ما تبكين عليه..
-         أعلم قصتك مع مراد.. وصدقي امرأة مُطلَّقة حين تخبركِ عن الرجال.. الرجل الذي يوصل امرأة لمكان تريده كي يصل هو إليها لا يفعل شيئًا بعد ذلك..
-         هددني وكتب أوراقًا تدينني في إهمال جسيم.. وأنا أحتاج ملف عمل نظيف..
-         لن يفعل شيئًا.. الرجال الذين يؤذون يؤذون من البداية.. في علاقتهم بالنساء إما أن يكون الأخذ أو العطاء.. لا توجد حلول وسطية بين الأخذ والعطاء ولا تحول من أحدهما للآخر.. الأمر الوحيد الذي يؤذيكِ هو إن كنتِ أحببته..
صمتت للحظة.. حقًا هي لا تعرف إن كانت أحبته.. لكنها اعتمدت عليه في كل شيء حتى الآن.. بدت مشوشة جدًّا.. قالت جارتها وهي تقدم لها كأس الليمون :
-         هو لن يؤذيكِ وأنتِ لم تحبيه.. كلاكما أفعى تمرنت على صيد الآخر كفأر تمهيدًا لصيد ثعلب سمين كما قال ديكنز.
-         غريب أن كلامك يريحني في وقت يجب أن لا أرتاح فيه لهذا الكلام.
-         لا تسألي.. لكن لا تغلقي هاتفك الليلة وإياكِ أن تبكِ حين يتصل بكِ..
-         هل يمكنني أن أقضي الليلة معكِ؟
-         يمكنك طبعًا.. فالأفاعي من ذات الفصيلة لا تأكل بعضها وربما تتشارك المأوى..



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز