
الأشياء الجميلة تشبهك
بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني
هما صديقان منذ خمسة أعوام.. يدهش الجميع كيف استمرت صداقتهما كل هذه الفترة رغم أن كليهما يكره تصرفات الآخر.. وربما ملامح وجهه وحياته.. إلا أنهما صديقان يقضيان وقتًا طويلًا معًا صامتين.. يشربان القهوة أو يطالعان بعض المواقع الإلكترونية العامة التى ترضي ما يريد كل منهما معًا.. وحين يقع أحدهما فى مشكلة يبادر بالاتصال بالآخر.. يحكى ويشكو وربما يبكي.. لكنه فى النهاية يستهجن كل ما يقترحه مستمعه من حلول.. فهو ببساطة يكره ما يحب مستمعه..
هو وجه استثنائي للحياة جمع (هند) و (شاهر) منذ الأسبوع الثاني لعملهما المشترك معًا فى شركة علاقات عامة.. صاحب الشركة يرى أن اختلافهما يجعل المنتج قادرًا على إرضاء كل من يراه أو يستخدمه.. وفعلًا يحدث هذا.. وهما أدركا أن احتمال كل منهما لإزعاج الآخر صار تعويذة نجاح يجب عليه أن يتحملها حتى يتفوق فى العمل.. حتى جاء صباح قال فيه شاهر ببساطة شديدة بعد تحية الصباح : (أحبك)..
انزعجت الفتاة.. ثارت فى وجهه مهمهمة بعبارات لم يفهم منها شيئًا.. لكنه اعتاد أن تثور وأن تنتقد كل ما يقول وما يفعل.. ولم يكن يؤلمه كثيرًا أن ترفض بقدر ما يؤلمه أن يظل حبه الكبير سريًا تخنقه الحدود الضيقة لقلب واحد.. لكن ما ضايقه فعلًا وفاجأه.. أنها استأذنت من المدير طالبة أجازة عارضة لبقية يوم العمل.. وبدأ الخوف يتسرب لأعماقه.. ترى هل سيراها ثانيةً أم أنها بدايات الانسحاب الكبير؟..
سؤال واحد أرق هند.. أين تذهب؟.. خرجت من العمل تريد مكانًا واسعًا تتنفس فيه كما لم تتنفس من قبل بامتداد الغلاف الجوي للكرة الأرضية كاملًا.. لكنها لم تجد فى ذاكرتها مكانًا يلائم ما تريد قط.. أخذها السير على غير هدى بامتداد الشارع الذي يقع فيه مقر عملهما.. ثم قررت أن تشرب كأسًا من اللليمون فى أول مقهى يقابلها لتهدأ ضربات قلبها التى تسارعت كثيرًا مع التفكير.. كان المقهى شبه خالٍ فى الصباح.. لأول مرة تطالعك بدايات اليوم متجلية فى المقاعد الخالية وكأنها تبدأ نظيفة براقة فى إغراء الزبائن لبدايات نشاط جميل.. وبينما كانت تنتظر عصير الليمون البارد رأته.. كان يجلس وحيدًا على طاولة تبعد عنها كثيرًا.. غضبت بشدة.. كيف يلحق بها؟!.. هل قرر أن يلاحقها ليرغمها على القبول به؟!.. كيف لا يحترم قرارها بالانفراد بذاتها؟!.. ذهبت إليه لتوبخه.. لكنه نظر إليها بهدوء شديد كعادته.. صمتت للمرة الأولى حين تواجهه.. ثم أفاقت من الحلم على صوت (الجارسون) : (تفضلي يا سيدتى.. بلا سكر كما طلبتيه تمامًا).. كان حلمًا.. وجميع المقاعد خالية..
فكرت فى أن تغير اتجاه أفكارها.. هى تؤمن أنك كي تفكر فى شئ ما بصفاء أكبر يجب أن تتنحى عن التفكير فيه تمامًا لفترة ثم تعود لتنظر إليه فتجده يطالعك بصورة أكثر حقيقية وأقل ارتداءً للأقنعة.. أخذت تتصفح بعض المواقع الإلكترونية للديكور.. جرتها الألوان لعالم جميل يشبه الفاكهة.. وفجأةً ورد بريد إلكتروني.. بطاقة اعتذار منه موشاة بالتيوليب الأبيض.. زهرتها المفضلة الكبيرة.. هذه المرة بدا الأمر جادًا فهو لا يعتذر أبدًا ولا يمكنها تخيل شئ لم تره.. هو لم يعتذر لها من قبل.. فغضبت أكثر.. حتى أنها همت بالاتصال به لتطلب منه التوقف عن تصرفات المراهقين.. إلا أن رنين الهاتف كان أسرع فى الوصول إليها.. اتصل أحد العملاء يتعجل تنفيذ عمله لديهم.. أنهت الاتصال بأدب متحججة أنها ليست فى العمل وذكرته برقم السكرتارية.. ثم عادت فلم تجد أية بطاقة اعتذار.. لم يرسل شيئًا وهي من كان يحلم..
تذكرت النادي القريب.. وتذكرت كيف يساعدها الركض على التخلص من الصداع كثيرًا.. توقعت أن التعامل مع كل هذه التخيلات كصداع مزمن سيكون أمرًا مفيدًا.. فهي تسكن الراس أيضًا.. كان النادي أيضًا هادئًا فى الصباح وبدا تراك الترتان حول ملعب كرة القدم براقًا تحت بعض ما تبقى من ندى الصباح.. شرعت تركض.. كانت تركض أسرع مما ينبغي دون أن تبدأ بالركض بسرعة قليلة تتسارع تدريجيًا حتى تحمي عضلاتها من التشنج.. حاولت عبثًا ان تسيطر على ساقيها دون فائدة.. وكان طبيعيًا أن تسقط صارخة من الألم.. حضر اثنين من مسؤولي النادي.. حملوها للعيادة وهناك تخيلت مرارًا صوت رنين هاتفها.. و
بعد ساعة كانت تسير نحو مكتبه بخطوات امرأة جميلة تعرج نحو الحب.. وقف مرتجفًا من عنف رد فعلها.. ظن أن هذه المرأة العصبية دائمًا جاءت لتنهر رجلها الهادئ لأنه تجرأ على طلب ما ليس له.. لكنها فجأة قالت بصوت مسموع لتسع موظفين يعملون فى الشركة : (كنت أظنك لست جميلًا.. لكن يكفي أن كل الأشياء الجميلة تشبهك حتى أبسطها).. ورأيا الحب معًا..