د. حسام عطا
المسرح الغنائي الاستعراضي المصري.. وإعادة التعريف
مسرح البالون بالعجوزة، وهو المقر الرئيس للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، الذي قدم للمصريين منذ تأسيسه عام 1963 حتى السنوات القريبة الماضية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عروضًا بارزة وباهرة في النوع المسرحي الغنائي الاستعراضي المحمل بصبغة تراثية.
هو علامة مصرية إبداعية كبيرة، حاول الفنان أشرف عزب بكل إصرار أن يجمع أبرزها في عمل بحثي علمي بعنوان توظيف التراث في المسرح الغنائي الاستعراضي المصري الحديث، دراسة نماذج مختارة “القاهرة ألف عام– وداد الغازية– الخديوي – ليلة من ألف ليلة– لص بغداد– يا ليل يا عين”.
وقد سعدت بكوني عضوًا بلجنة المناقشة والحكم، التي منحته درجة الماجستير عن بحثه بتقدير جيد جدًا، وذلك بقسم الدراما والنقد المسرحي بأكاديمية الفنون، والتي كانت من إشراف أ.د/ مصطفى سليم، وذلك الأحد الماضي 31/7/2022م.
أشرف عزب المخرج المنتمي لعمله حرص على جمع تراث البيت الثري وأنجز عمله البحثي بجوار مساره المهني المتصل منذ تسعينيات القرن الماضي، وعمله المستقل في فرقته "الصعاليك"، والذي استمر بعرضه الناجح سيد درويش، فقدم موسمه الثالث بمسرح البالون منذ أسابيع قليلة.
والباحث قد هاله، كما هال أهل المسرح المصري ضياع تراث هذا البيت الكبير، واحتراق محتوياته التراثية عام 2009، في حريق وحدة التراث بمسرح البالون.
كما لاحظ مثلما لاحظ المسرحيون المصريون اختفاء أو تلف أصول المسرحيات المصورة تليفزيونيًا لعروض عديدة مهمة.
ولذلك حرص في بحثه هذا على توثيق عدد من المسرحيات، وداد الغازية 1965 تأليف جليل البنداري وإخراج محمد سالم، سعد أردش، والقاهرة في ألف عام 1969، تأليف صلاح جاهين وإخراج أرفين لايستر، وليلة من ألف ليلة عام 1976 تأليف بيرم التونسي وإخراج حسن عبد السلام، والخديوي عام 1993 تأليف فاروق جويدة وإخراج جلال الشرقاوي، وغيرها من المسرحيات التي سارت في هذا الاتجاه، واستخدم في سبيل تحقيق بحثه ما استطاع جمعه من النصوص المسرحية المخطوطة والمرقبة للعروض، والأسطوانات المدمجة، والمقالات النقدية.
وكان قد أدرك الباحث مفارقة تاريخية في مصر، ألا وهي عدم وجود تعريف اصطلاحي دقيق لمصطلح المسرح الغنائي الاستعراضي.
وذلك لاختلاف هذا النوع المسرحي عن الأوبرا والأوبريت، بل وعن العروض الغنائية في مسرح الشرق الأقصى، والهند، بل وعن العروض المصرية الموسيقية الغنائية في عشرينيات مصر الحديثة والتي اتجهت نحو صياغة خاصة لفن الأوبريت، والأوبرا بوف، وغيرها من العروض الغنائية الاستعراضية آنذاك، بل وعن عروض بوردواي الموسيقية الغنائية التي أثرت في ذلك النوع المسرحي في القرن العشرين كله، مثل المسرحيات الاستعراضية أو كلاهما، وقصة الحي الغربي وسيدتي الجميلة.
وهكذا فالمخرج الباحث أشرف عزب يرى أن مصطلح المسرح الغنائي العربي يعبر عن ظاهرة مصرية عربية تعكس وعيًا خاصًا بأشكال المسرح الموسيقي، ويجب الامتناع عن مقارنة هذا المصطلح بمثيله الأوروبي المتعدد، لأنه تعبير عن تجربة مغايرة، أطلق عليها مبدعوها أسماء منها الملحنة، المسرح الغنائي، المسرح الاستعراضي، ومن هنا قام أشرف عزب بوضع تعريف إجرائي للمسرح الغنائي الاستعراضي في مصر والوطن العربي.
المسرح الغنائي الاستعراضي: هو نوع من العروض المسرحية، تتداخل فيه عناصر الغناء والاستعراض مع العناصر الدرامية، ولا يمكن الفصل بينها، أو الاستغناء عنها، بحيث يصبح الغناء جزءًا لا يتجزأ من الدراما، ويتنوع بين الغناء الفردي والجماعي، سواء كان ملحنًا أو موقعًا، ويشكل الاستعراض أهمية كبيرة، حيث لا يهتم فقط بالرقص الشعبي، ولكن باستعراض المفردات التراثية، والتي تعبر عن الهوية الوطنية للمجتمعات المطروحة داخل النصوص الدرامية، ويعتمد على الإبهار والجماليات الفنية، وتتنوع مصادر موضوعاته بين التاريخي والشعبي والمعاصر.
وأضيف إلى ذلك التعريف، أن النوع المسرحي الغنائي المصري والعربي يقوم على حبكة درامية بسيطة تتيح الفرصة للغناء والاستعراض والموسيقى.
وفي إطار هذا التعريف الإجرائي يمكن للفرقة الغنائية الاستعراضية بقطاع الفنون الشعبية أن تعيد هويتها، وتمارس عملية استيعادية لعروضها الكبرى مثل عرض القاهرة في ألف عام.
وهي مسألة هامة تلتقي مع الذائقة المصرية العربية التي تحب ذلك النوع الغنائي الاستعراضي، والذي حقق نجاحات واضحة في إطار بهجة العروض المسرحية ذات الطابع الغنائي الاستعراضي، وهو الأمر الذي يعود بجذوره في مصر إلى العروض الشعبية التي قدمتها الفرق الجوالة في مسارح السامر الريفية، وفي الدور المخصصة للاحتفال الشعبي وفي الميادين العامة، بل وتظهر في النشأة الغنائية الاستعراضية للمسرح في قالبه الحديث المأخوذ عن المسرح الغربي مع الرواد الأوائل مارون النقاش في لبنان، وأبي خليل القباني في سوريا، ويعقوب صنوع في مصر.
وهي الصيغة الغنائية الاستعراضية، التي عليها أن تعيد استلهام التراث الشعبي القديم في تجربة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية التاريخية التراثية الحافلة بظواهر عديدة ذات طابع خاص وملهم، يمكن النظر إليه بجدية في سعي الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان وبالتأكيد المملكة العربية السعودية، والتي تشهد اهتمامًا ملحوظًا نحو الفنون التعبيرية وعلى رأسها المسرح، ربما يجعل من العودة للتراث الغنائي الاستعراضي الشعبي للجزيرة العربية والخليج العربي إنتاجًا إبداعيًا مهمًا يحمل الخصوصية العربية والصياغات المعاصرة.
قضية مهمة طرحها أشرف عزب الذي يستحق التحية، على مجهوده الكبير، وسعيه نحو البحث العلمي كداعم مهم للعملية الإبداعية.