أحمد الطاهري
«عند منتصف الطريق».. وهْمُ الإخوان!
نتيجة المُعادلة هى فى الأصل محصلة معطيات.. وإذا كانت نتيجة معادلة الزّمن الذي نحياه أن مصر قادرة على الصمود أمام متغيرات دولية استثنائية بالنسبة لنا.. لكنها اعتيادية بالنسبة لحركة التاريخ.
فإن هذه النتيجة معطياتها جهد وعمل مصري شاق على مدار السنوات السابقة كانت مصر ولا تزال تحقق ما يمكن إنجازه فى سنة تختصر الزمن لتنجزه فى شهر لأنها كانت ولا تزال لا تملك رفاهية الوقت ومؤكد أنها لا تملك رفاهية الفَشل.
بيان حال مصر يوم 28 يناير 2011 كان يستدعى عقدين من الزمن لكى تعود فقط دولة شبه مستقرة.. شبه آمنة.. حلمها محدود.
لكن ما جرَى أن مصر استعادت مكانتها ومضت تبنى وتسير نحو هدف واضح وهو «امتلاك القدرة» فى كل المجالات.. أن تصبح دولة حديثة عصرية.. دولة قوية مستقرة.. وكان لمصر ما أرادت بفضل رؤية قيادة وطنية تسطر يوميًا إنجازًا تلو الإنجاز على أرض مصر، وشعب عظيم صَمد وقدّم من التضحيات ثلاثة آلاف شهيد فى حربنا ضد الإرهاب والتنظيم الإرهابى الأخطر فى التاريخ الإنسانى (جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى).
من السذاجة أن يظن البعضُ أن الحرب مع الإخوان انتهت.. أبَدًا لن تنتهى؛ فهى حرب وجود بين فكرة الدولة وفكرة الجماعة.
تدرك الجماعة الإرهابية أن ثورة 30 يونيو بالنسبة لها ضربة قاصمة ولكنها تريد إعادة تكوين نفسها مثلما فعلت فى الماضى وتظن أن المصريين من الممكن أن يُلدَغوا من نفس الجُحْر مرّة أخرَى.
بَعد محاكمات الجماعة الإرهابية فى خمسينيات القرن الماضى فى فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كانت الجماعة مُمزقة ما بين السجون والشتات فى عواصم عربية.
فعلوا كل شىء من أجل أن يعودوا فى المشهد مجددًا.. ظلت هذه الرغبة كامنة فى صدورهم الموتورة لعقدين من الزمن يعملون تحت الأرض من خلال خلايا نائمة إلى أن انتهزوا الفرصة والتي جاءت لهم بسوء تقدير فى التوازنات الداخلية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات.. تحت ضغط الشارع والنخب إبّان مُضى السادات فى مسار السلام لاستكمال استعادة الأرض كانت الفكرة السيئة بفتح المجال للجماعة من جديد لمواجهة التيارات اليسارية فى الشارع السياسى المصري، ودفع الرئيس السادات الثمَن باستشهاده، ولكن كان الفكر السّام قد تغلغل فى الشارع المصري بأذرُع مختلفة ما بين إخوان وجماعات إسلامية وتكفير وهجرة.. وما كل ما سبق إلا مجرد أسماء لفكر واحد كريه عدو للإنسانية نفسها.
وفى عهد الرئيس الراحل مبارك وبَعد مواجهة الإرهاب فى الثمانينيات ومطلع التسعينيات دخلت الدولة فى مواجهة أخرَى مع الجماعة بضرْب جناحَىْ الثروة والثورة داخلها وكانت قضية (سلسبيل) الشهيرة.
ولكن تكرّر الخطأ نفسه وتم تجميله بتبريرات مختلفة.. فكانت اعتقالات الباب الدّوّار ورغبة البعض فى تهدئة دوائر مؤثرة آنذاك فى صناعة القرار الأمريكى فتم فتح المَجال مرّة أخرَى إلى أن جاءت صفقة برلمان 2005.
فى غضون ست سنوات ظهرت عربدة الإخوان فى المجال المصري.. فى السياسة وفى الصحافة وفى الفن وفى الرياضة، وكانت قبضة الرئيس مبارك قد ضعفت فى الحُكم وانتهز الإخوان لحظة الفوضى المدفوعة برغبة تغيير غير منضبطة فحدَث فاصل تاريخى هو الأسوأ فى تاريخ مصر، وهى اللحظة التي وصل فيها الإخوان لحُكم مصر، وهو اليوم نفسه الذي توقف فيه تاريخ الجمهورية الأولى بوصول الخصم الوجودى لثورة 23 يوليو للجمهورية التي أسَّسَتها ثورة يوليو.
لكن.. معجزة هذا الزمن كانت فى ثورة 30 يونيو واستجابة البطل عبدالفتاح السيسي لرغبة ملايين الشعب المصري بحتمية الخلاص من حُكم الإرهاب وأن مصر أكبر من جماعة ومن تنظيم فكان بيان 3 يوليو.
ومع تولّى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر فى يونيو 2014 كان هذا هو موعد البداية للجمهورية الثانية قبل أن يعلنها الرئيس صراحة بعد ذلك بسنوات.
الآن ونحن قد اقتربنا من نهايات عام 2022 يظن الإخوان أن الذاكرة الوطنية قد نَسيت فعلهم وأن لجانهم الإلكترونية وعملية تدوير نفاياتهم الإعلامية قد تجدى فى إعادتهم للمَشهد من جديد وأن ما حدث بَعد مواجهات الخمسينيات والتسعينيات من الممكن أن يحدث الآن.
من هنا تدرك حسرتهم ورغبتهم فى إفشال الحوار الوطني الذي جمع كل القوَى السياسية على أرضية وطنية حتى لو اختلفوا فى الأفكار والتوجهات.. هذه هى الحقيقة التي يريدون الشوشرة عليها.
يزعجهم قدرة مصر على تجاوز الصعاب وتحويل التحديات إلى فرص وأن المشروع الوطني المصري يسير بخطواته الثابتة مَهْمَا تغيرت الأرض من حوله فأرضه ثابتة.
لا مصالحة مع الجماعة.. لا مكان للإرهاب فى حاضرنا أو مستقبلنا.. ثورة يونيو ليست حدثًا عارضًا ولكنها تاريخٌ جديدٌ كُتِبَ فى مصر.
وللحديث بقية.