عاجل
الإثنين 2 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أسرار ورسائل الاختيار 3
البنك الاهلي
الاختيار (3).. قـراءة في الدراما الوثائقيـة

الاختيار (3).. قـراءة في الدراما الوثائقيـة

لا يزال اهتمامي بعلم الأعصاب الثقافي وعلاقته بفنون السرد والتسلية والإعلان هو المقترب الأكثر أهمية بالنسبة لتناول الدراما التليفزيونية المسلسلة، لقدرته على خلق الصور الذهنية، وتقديم النماذج الاجتماعية السلوكية المتاحة للعرض المجتمعي.



ولعل كثافة الصور وتكاثر السرد الدرامي عددياً، وبمساحات شاسعة على القنوات الفضائية والمنصات الإلكترونية يجعلنا نسأل عن مدى قدرة المشاهد على المشاركة الجماعية، في إطار الوعي المشترك والإطار المرجعي الجماعي لعملية التلقى في ظل قدرة المشاهدين الانتقائية على التفاعل مع الساعات الدرامية اللانهائية المتاحة، في إطار حرية انتقاء موضوعات درامية بعينها تضع التأثير والتأثر في الوعي العام الجمعي هدفًا لها. 

ولذلك تبقي محاولة قراءة دراما رمضان ٢٠٢٢ في ضوء البحث عن التشاركية الأكبر في التلقي العام وإثارة النقاط الساخنة، هي من نصيب دراما الاختيار (٣)، ولذلك فهي السردية الدرامية المصورة القادرة على جذب اهتمام القطاع الأكبر من الجمهور العام في مصر والوطن العربي. 

وذلك لأن الاختيار (٣) يعالج الأيام الحاسمة في تحديد الهوية المصرية في الحاضر والمستقبل، وأثر ذلك على مصر والمنطقة العربية والمحيط الإقليمي.

ولأنها تستخدم في إطارها العام أسلوبًا فنيًا جديدًا نسبيًا على الدراما المسلسلة المصرية والعربية، وهو أسلوب الدراما الوثائقية، وهي رغم استخدامها لحبكة درامية تحمل طابعاً إنسانيًا، إلا أنها توثق الساعات الحاسمة في مصير مصر، وهي تدمج الحس الإنساني بالوثائق الحقيقية، وهي تعلن للمرة الأولى المواد الفيلمية المسجلة من اجتماعات مكتب الإرشاد في العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان المسلمين مصر، قبل أن يصدر حكمًا من الشعب المصري والقضاء المصري بوصفها بالجماعة الإرهابية.

والدراما تعرض بالأدلة الموثقة تاريخًا قريبًا عشناه جميعنا في مصر.

ولذلك يأتي تعبير الاختيار هو التعبير الأكثر دقة على تلك المرحلة الأكثر حساسية في تاريخ مصر المعاصر، ويبرز فهم المؤلف هاني سرحان، والمخرج بيتر ميمي، لتلك اللحظات الحاسمة، في مزج بسيط سهل ممتنع بين الوثائق والمشاهد الدرامية المتخيلة، دون استخدام لمبالغات إخراجية في صناعة الصورة، والاعتماد على اللقطات العامة والمتوسطة في معظم المساحة الدرامية، وبعض اللقطات المكبرة تؤكد قدرة الممثلين المصريين المبدعين على فهم وتقمص الشخصيات.

فالفنان النجم ياسر جلال، يتقمص روح شخصية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، عندما كان رئيسًا للمخابرات الحربية ثم وزيرًا للدفاع، بمقدرة حقيقية على دراسة روح الشخصية وتفاصيل عالمها الداخلي، وإعادة إنتاجها، وقدرة الفنان النجم خالد الصاوي، والفنان النجم صبري فواز، والفنان النجم عبد العزيز مخيون، على دراسة الشخصيات الواقعية، وإعادة إنتاجها عبر استخدام الذاكرة الانفعالية للممثل، والاعتماد على فهم الملامح الداخلية للشخصيات، تأتي علامة واضحة على وجود جيل جديد من الفنانين المصريين قادر على الإبداع التمثيلي المختلف.

وكذلك يأتي حضور النجم الفنان أحمد السقا، والنجم الفنان أحمد عز، والنجم الفنان كريم عبد العزيز، واضحًا على مقدرتهم على تجسيد شخصيات بارزة مهمة من الأجهزة الأمنية الوطنية رفيعة المستوى، التي حملت على عاتقها مسؤولية الحفاظ على مصر فى لحظات صعبة.

ودراما الاختيار تبقى لها مصداقيتها، وقدرتها على التأثير، بفضل المعالجة ذات الطابع الوثائقي التي لم تلجأ إلى المبالغة، في أي من جهتي الاستقطاب التي عرضت لهما، فقد كان الحرص الفني على مطابقة الشخصيات والأحداث للواقع الوثائقي، هو السر خلف قدرة دراما الاختيار (3) على التأثير الفعال.

كما أن التركيز الدرامي على أخطر ست وتسعين ساعة في تاريخ مصر المعاصرة خلال ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، أتاح إمكانية التركيز المكثف على تفاصيل السرد الدرامي الدقيق.

إلا أن صعوبة تقديم شخصيات حقيقية معاصرة نعرفها جميعًا، هي ما تمنح فريق عمل مسلسل الاختيار (3) تلك الفرصة لتقديم شخصيات عامة شهيرة ليس عبر التقليد، بل عبر دراسة الشخصية ولغة جسدها ونبرة صوتها وطاقة حضورها وطبيعتها العقلية والعاطفية، وهو مُنجز بارز لجيل معاصر من الممثلين المصريين، بعد إنجاز الفنان الكبير الراحل أحمد زكي في تجسيد شخصيتي الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، رحمهما الله.

ولعَل طريقة التقمص الباطني عند النجم ياسر جلال، ومقدرة الفنان النجم أحمد بدير على تجسيد شخصية الراحل الكبير المشير طنطاوي آنذاك، هي مقدرة خاصة يمكن النظر لها كممارسة إبداعية تصلح كنماذج لدراسة كيفية تقديم الشخصيات الشهيرة في الدراما، دون اللجوء للتقليد وإنما عبر الإبداع التمثيلي. وتبقى مصداقية دراما الاختيار (3)، لأنها دراما تعرف حقاً معنى كلمة الاختيار. ولذلك فهي تعرض موقف الصراع بين القوة الصلبة للدولة المصرية، وإرهاب الإخوان المسلمين بطريقة لا تنحاز فيها لأي من الطرفين، بل تقدم الرأي العام للمصريين آنذاك في مشاهد المظاهرات والحشود، وتعليقات الشارع المصري ومناقشة لما كان يدور أيضا بحيادية وموضوعية واضحة. وهذا العرض الموضوعي المحايد المستند للوثائقية كأسلوب فني، سيبقى هو الاختيار الفني الصحيح. ونحن مع ما عرض منه لا نزال في حالة رغبة عامة لاستعادة ومناقشة وإعادة فهم مرحلة الاختيار الأهم في تاريخ مصر المعاصر. وهي المرحلة التي شاركت فيها بالكتابة في المؤسسة الوطنية "روزاليوسف"، مع الزملاء الأحباء، مساهمًا في مناهضة تزييف الوعي، وتغييب الهوية المصرية، وقد كان ذلك آنذاك اختيارًا محفوفًا بالمخاطر، لكنه اختيار في محبة مصر والمصريين.

بهذه المشاعر الحميمة التي تستعيد ذكريات ملحمة مصرية تاريخية، أشُارك الملايين متابعة دراما الاختيار (٣)، القادرة على جذب المشاهدة الأكبر من كل اتجاه في مصر والعالم، وهي صور درامية تقدم لنا النماذج اللائقة للفهم والشعور بالثقة في المصريين وفي المستقبل. ولذلك فالاختبار (٣) دراما إبداعية قادرة عبر علم الأعصاب الثقافي على صناعة الصور والمشاعر والأفكار الإيجابية، إنها صور من مصر العظيمة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز