أيمن عبد المجيد
التنمية والتحصين والخدمة أهدافها.. واستثمار القدرة والتكامل وبناء وتطوير الكادر آلياتها
نحو استراتيجية إعلام تكاملى فاعل
تواجه المنظومة الإعلامية التقليدية فى مصر والعالم تحديات غير مسبوقة، مع تكاثر الوسائط الرقمية، وتعدد وسائل التأثير، وتنوع أنماط الجمهور، وتصاعد الأحداث عالميًا وإقليميًا، بما لها من انعكاسات اقتصادية وسياسية.
ولا شك فى أن الإعلام على مر العصور، يعد أحد أهم أدوات البناء المعرفى للرأى العام، الأكثر تأثيرًا فى تكوين الاتجاهات بشأن القضايا والأحداث، وما يتبعها
من قناعات توجه السلوك الفردى والعقل الجمعى سلبًا وإيجابًا.
مدى التأثير الإيجابى والسلبي، يتوقف على عوامل عدة، أهمها مدى قوة المنظومة الإعلامية المحلية، ووضوح رؤيتها ومنطلقاتها وأهدافها الاستراتيجية، وإعدادها الجيد لكوادرها، وإلمامها بتحدياتها الذاتية، وما تتطلبه المنافسة الدولية بما تفرضه من مستجدات وتحديات العصر.
أخطر تلك التحديات تكمن فى تحول العقل الجمعى، إلى هدف سهل الوصول إليه، بوسائط عدة، فى عصر السماوات المفتوحة والشبكة العنكبوتية، وتنامى فاعلية الإعلام كسلاح فى الصراعات الدولية، والحروب الهجينة، وترويج السرديات فى المعارك الدبلوماسية، فضلًا عما تخلقه وسائط التواصل الاجتماعى من تحديات.
كل ذلك يتطلب العمل على إعادة النظر فى الاستراتيجيات الإعلامية، للبناء على الإيجابى المتحقق، ومعالجة الثغرات، واستحداث استراتيجية إعلامية قومية تكاملية، ذات أهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى.
أولًا: الأهداف
فى اعتقادى أهم ثلاثة أهداف رئيسية هى: «التنمية»، «التحصين»، «الخدمة».
١- تنمية البنية المعرفية لدى الرأى العام، بما يعزز حصون الوعي، وإدراك حجم التحديات وجذورها وأبعادها، وآليات مواجهتها ومعدلات الإنجاز والعقبات، ويتحقق ذلك من خلال إتاحة المعلومات من مصادرها الموثوقة، ورؤية إعلامية تستلهم من الماضى خبراته، وتواجه الحاضر بتحدياته، بما يسهم فى استشراف المستقبل بتوقعاته، وما يتطلب تطوير المجتمع.
٢- تحصين المجتمع ضد استهداف الإعلام المعادى، والتصدى السريع والفعال لحملات التضليل والشائعات التي تستهدف بث روح اليأس، والإحباط، بإتاحة المعلومات الدقيقة وتفنيد الأكاذيب بحرفية ومهنية، تمتد إلى استخلاص الدروس المستفادة، والبناء التراكمى للوعى والعقل الجمعى الفعال.
بالتوازى مع تقديم محتوى مضاد للأهداف المعادية من خلال تقديم نماذج نجاح حقيقية فى مختلف المجالات، ومُثل عليا إيجابية محفزة للأجيال على الأمل والعمل.
٣- تعزير الدور الخدمى التنموى للإعلام، فالإعلام خدمى بالأساس، وإقبال الجمهور على الوسيلة الإعلامية، مرهون بمدى قدرتها على إشباع رغباته واحتياجاته، بداية من الخدمة الإخبارية، مرورًا بالتثقيف والترفيه، وغيرها.
ويتطلب ذلك توسعا وتنوعا فى المحتوى الخدمى الملبى لاحتياجات الجمهور بمختلف فئاته وتنوعاته، دون تجاهل مشتركات الاحتياجات والرؤية التي تجمع بين الاحتياجات الخاصة والمصلحة العامة.
بداية من الترفيه الإيجابى الذي يرتقى بالذوق العام، ويوسع مبادرات اكتشاف المواهب والكفاءات، مرورًا بأسعار السلع والخدمات، وصولًا إلى تعزيز ثقافة ريادة الأعمال، التي تقدم للشباب نماذج استطاعت النجاح، ودراسات جدوى واقعية من خلال التجربة العملية، متضمنة إجابة عما يدور فى عقل الشباب: كيف يستطيع الحصول على الفكرة والتمويل ودراسة السوق وتصريف الإنتاج وغيرهما؟
ثانيًا: الآليات
يمكن إجمال آليات النهوض بالإعلام المصري عبر ثلاث آليات: «استثمار القدرة»، «التكامل»، و«بناء وتطوير الكادر».
١- استثمار القدرة:
مصر تملك منظومة إعلامية، عظيمة القدرة بمختلف مكوناتها:
أ- البنية التحتية:
مؤسسات صحفية قومية عملاقة، ذات تاريخ عريق، ومؤسسات صحفية خاصة وحزبية خلقت قيمة مضافة كبيرة، ماسبيرو بعظمته وإمكانياته التلفزيونية والإذاعية، وما عظم من تلك القدرة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بفضائياتها وإذاعاتها وإصداراتها الصحفية.
فضلًا عن البنية التحتية للجامعات وكليات الإعلام والأكاديميات الحديثة.
ب- الكوادر البشرية، بثراء تنوعها وتراكم خبراتها، فى كل مكونات المنظومة، من أساتذة إعلام بالجامعات،وصحفيين وإعلاميين محترفين.
ج- البنية التشريعية والتنظيمية للمؤسسات:
ما بين بنية تشريعية نظمها دستور ٢٠١٤، والقوانين المكملة، أثمرت ثلاث هيئات رئيسية منوط بها إدارة المنظومة الإعلامية: مجلس أعلى لتنظيم الإعلام، وهيئة وطنية للصحافة، وهيئة وطنية للإعلام.
وبين مؤسسات نقابية تجمع بين عراقة نقابة الصحفيين، وخبراتها التاريخية، وبين نقابة الإعلاميين التي أنشئت حديثًا لتنظيم شؤون ممارسى مهنة الإعلام بالوسائل المرئية والمسموعة.
وهذه القدرات تتطلب خططا لاستثمارها على الوجه الأكمل المعظم لمعدلات تحقيق الأهداف الرئيسية المشار إليها سالفًا.
٢- التكامل:
لاستثمار أمثل لقدرات الإعلام المصري، بما يعزز معدلات نجاح تحقيق أهدافه وأداء دوره، لا بد من التكامل بتنوعاته:
أ- تكامل بين قدرات المرئى والمسموع والمقروء فى تحقيق الأهداف الوطنية، مع مرونة تامة تتيح لكل وسيلة والقائمين عليها الحرية والإبداع فى إنتاج محتوى تنافسى.
ب- تكامل بين خطط النهوض بالمؤسسات العريقة من الصحف القومية والحزبية، والخاصة القائمة، والإذاعة والتلفزيون القومي، بمبنى ماسبيرو، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة المنشأة حديثًا.
ج- تكامل بين الإعلام التقليدى بتطوير أدواته ومتطلبات ثورة الذكاء الاصطناعى، وبناء صفحات ونوافذ على منصات التواصل الاجتماعى الأكثر تأثيرًا، لخلق قيمة مضافة تعظم من انتشار المحتوى والوصول للجمهور المستهدف، بما يعزز تحقيق الأهداف.
د- تكامل المنظومة التشريعية، بما يتطلبه ذلك من إصلاحات، تعالج الثغرات، وتكفل الحقوق والواجبات.
٣- بناء وتطوير قدرات الكادر البشرى:
العنصر البشرى القائم هو الركيزة الأساسية لنجاح المنظومة الإعلامية، ولا يقتصر دوره هنا على القائم بالاتصال على الشاشة فقط، بل بداية من كوادر التخطيط والإعداد والتنفيذ.
ولذا يتطلب خططا عميقة لبناء الكوادر الشابة، بداية من مناهج الجامعات التي تنتج منتجا تعليميا متكامل البناء المعرفى والسياسى، بمهارات الإعلام الحديث، وتطوراته، وأبعاد أدواره الخدمية والتوعوية والدفاعية فى مواجهة حملات التزييف.
وفى الوقت ذاته خطط ارتقاء بكفاءات الممارسين للمهنة، بخلق قيمة مضافة فى القدرات من واقع مستجدات الواقع وتطورات الثورة الرقمية، كلًا وفق تخصصه من قدرات إدارية إلى فنية.
تنمية القدرة الإدارية التي تعزز إحداث تكامل بين النجاحات المهنية والمتطلبات الاقتصادية، لضمان دخول عادلة تسهم فى التحفيز على الإبداع.
الاثنين الماضي، صدرت ثلاثة قرارات رئاسية بتشكيلات جديدة للهيئات الإعلامية المنوط بها دستوريًا تنظيم وإدارة شؤون الإعلام، وفق ترشيحات أمانة مجلس النواب والجهات المعنية المنصوص عليها دستوريًا وقانونيًا، شملت تغييرا بنسبة 70% فى رؤساء الهيئات، وأكثر من 87% من الأعضاء.
تضمنت التشكيلات كفاءات تجمع ما بين الخبرات الإدارية والمهنية العملية والأكاديمية، هذا التنوع يمكن كل هيئة من الإلمام الدقيق بحجم التحديات وأبعادها، ومن ثم يعزز فرص الحلول للبناء على ما بذلته المجالس السابقة من جهود وإصلاحات.
كل الأمنيات لرؤساء وأعضاء الهيئات الإعلامية بالتشكيل الجديد بالنجاح والتوفيق: المهندس خالد عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، والكاتب الصحفى الإعلامى أحمد المسلمانى.
وكل التقدير لجهود رؤساء وأعضاء المجلس والهيئتين السابقين، تحية لروح الكاتب الصحفى القدير الأستاذ مكرم محمد أحمد، وللأساتذة كرم جبر وحسين زين وكل الأعضاء السابقين، والأمنيات للتشكيلات الجديدة بالتوفيق.
حفظ الله مصر