عاجل
الإثنين 11 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
كيف تجابه السياسات المصرية التحديات الإقليمية؟

كيف تجابه السياسات المصرية التحديات الإقليمية؟

بين عشية وضحاها من عمر الزمن وتاريخها الممتد لأكثر من سبعة آلاف عام، تحولت مصر إلى جزيرة، فى محيط إقليمى متلاطم الصراعات، على كل الاتجاهات الاستراتيجية، المحاذية لحدودنا بشكل مباشر، والمؤثرة بشكل غير مباشر فى محددات ودوائر أمننا القومى.



التحديات شرقًا، فى فلسطين غزة والضفة، ومحور صلاح الدين، وغربًا فى ليبيا، وجنوبًا فى السودان التي تمثل عمقًا استراتيجيًا للأمن القومى المصري، وشمالًا فى المتوسط، فضلًا عن تحديات القرن الأفريقى والملاحة فى البحر الأحمر، ومورد المياه الحيوى فى منابع النيل.

على مدار تاريخ مصر، لم تتوقف التحديات، ولا التهديدات، لكن الجديد فيما نواجهه الآن، هو تزامن تلك التحديات فى التوقيت، مضافا إليها تأثير أزمات استقطابات دولية خلقت تحديات اقتصادية، وأمنية، استوجبت فى الوقت ذاته سياسات ومواقف وطنية للمجابهة والحفاظ على محددات أمننا القومى.

فى ظل تلك التحديات غير المسبوقة فى تاريخنا الحديث والمعاصر، تتنامى تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، فالمواطن يبحث عن المعلومة، والمتربص ينتهز الفرصة لبث الشائعات التي يتلقفها الرأى العام القلق، ليحولها البعض لتحليلات ثم إلباسها ثوب المعلومات الموثقة.

بيد أن تلك الجزيرة المحاطة بالصراعات وخطوط النار، تنمو وتزدهر آمنة مستقرة، فباتت مقصدًا للضيوف من دول الجوار المتأزم.

 وهنا تأتى أهمية بناء الوعى العام، بحقيقة ما يحدث، وماهية السياسات والمواقف المصرية فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

فقوة السياسة الدولية وقدرة الدولة على التأثير خارجيًا، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقدراتها الداخلية ووحدة شعبها وقوة تماسك نسيجها الوطني، ودعم الشعب لتلك السياسات.

ولعل ذلك ما سعى إليه الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية المصري، لتأكيده قائلًا: «تحديات الدولة المصرية غير مسبوقة فى تاريخها الحديث والمعاصر، ما يستوجب أن يكون الكل فى واحد دعمًا للدولة ومؤسساتها». 

وذلك خلال لقائه الموسع الاثنين من هذا الأسبوع برؤساء الهيئات الإعلامية ورؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف، الذي شرفت بالمشاركة فيه، وكان فرصة للحوار البناء حول العديد من الملفات بالغة الأهمية والتعقيد، التي تشغل الإعلام والرأى العام.

ويمكن الوقوف على ثوابت سياسات المواجهة المصرية للتحديات الإقليمية من خلال التحليل المستند للمعلومات، وأهمية تعزيز حصون الوعى العام، لتعزيز الدفاعات الفكرية الوطنية على النحو التالي: 

أولًا: يرسم السياسة العامة للدولة داخليا وخارجيًا، رئيس الجمهورية، بمعاونة كل مؤسسات الدولة المعنية.

■ تنطلق السياسة المصرية الخارجية من ثوابت ومحددات الأمن القومى المصري والمصلحة الوطنية، مع مراعاة مرونة التعاطى مع المتغيرات.

■ القرارات المصرية تتخذ بعد دراسة معمقة ومشاركة كل المؤسسات، وما يصدر عن الخارجية المصرية من بيانات محسوبة كلماتها وتوقيتاتها بدقة، فهى تعبر عن الدولة المصرية.

ثانيًا: ثوابت السياسة الخارجية المصرية: 

مصر دولة عريقة ذات حضارة، وذات ثقل دولى وإقليمي، لديها ثوابت راسخة تعبر عنها الخارجية المصرية بخبراتها وجذورها الممتدة مسافة ٢٠٠ عام من التفاعل الدولى.

■ احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى والإنسانى، فمصر دولة مؤسسة لعصبة الأمم والأمم المتحدة.

■ سياسات وقرارات مصر تنطلق من الحفاظ على محددات الأمن القومى والمصالح الوطنية.

■ تحترم مصر سيادة واستقلال الدول وتدعم تعزيز قدرات الدولة الوطنية وترفض المساس باستقلال دول الإقليم أو سلامة ووحدة أراضيها.

عبر عن ذلك الوزير بعبارة بليغة: «مصر دولة شريفة بلا أجندات خفية»، فمصر دولة واضحة فى سياساتها ومواقفها وأهدافها، تسعى لحماية أمنها القومى ومصالح شعبها، وإحلال السلم والأمن الإقليمى والدولى.

ثالثًا:  آليات تحقيق السياسات المصرية: 

«التوازن الاستراتيجى»:

مصطلح أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى  إفطار الأسرة المصرية، متحدثًا عن سياسات مصر الخارجية.

 التوازن الاستراتيجى بناء علاقات شراكة استراتيجية مع كل القوى الدولية الفاعلة، انطلاقًا من المصلحة الوطنية ومحددات الأمن القومى المصري، والأولويات السياسية والاقتصادية والأمنية.

عمليًا حققت الدولة ذلك من خلال بناء شراكات استراتيجية مع أمريكا والصين وروسيا والهند والبرازيل والاتحاد الأوروبى، فى آن واحد، لم يمنعها الصراع بين تلك القوى المتناقضة فى السياسات من بناء شراكات تخدم المصلحة الوطنية.

تلك العلاقات القائمة على التوازن وتحقيق المصالح المشتركة فى تنامٍ مع كل القوى الفاعلة، فقد تم ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

ولعل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأولى إلى تركيا التي بدأها أمس بدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان نموذجا على توثيق العلاقات مع قوى إقليمية تسهم فى خفض توترات الإقليم وتلاقى وجهات النظر حول قضايا محورية منها القضية الفلسطينية ورأب الصدع فى ليبيا وتهدئة الأوضاع فى المتوسط، إلى جانب تعزيز العلاقات البينية فى جميع المجالات خاصة الاقتصادية.

والشراكة الاستراتيجية الشاملة بالغة الأهمية، كونها تعنى شراكة فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.

 رفض الاستقطابات الدولية:

التوازن الاستراتيجي، يقتضى بالضرورة رفض مصر الاستقطابات الدولية فى ظل تنامى الصراع بين القوى الفاعلة، فعلاقة مصر تنمو مع الجميع وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، وهو ما عزز من قدرة مصر الدبلوماسية على المستوى الدولى.

ويلخص الدكتور بدر عبدالعاطى ذلك الأثر قائلًا: «مصر دولة كبيرة لها ثقلها الدولى عندما تتحدث فالعالم ينصت، وإذا غضبت فعلى الآخر أن يقلق».

رابعًا: التحديات الإقليمية والملفات الشائكة:

تواجه مصر تحديات على كل محاورها الاستراتيجية مجتمعة فى تزامن غير مسبوق.

ومع كل تلك التحديات تواصل الدولة المصرية، التنمية والتعمير وتعزيز قدراتها الشاملة، ومجابهة التحديات.

تلك التحديات يضع متخذ القرار فى اعتباره، أن بعضها أزمات ممتدة يتطلب تلاشيها وقتا طويلا، نتيجة لطبيعتها المعقدة، ومن ثم التعاطى مع تأثيراتها.

١- أخطر تلك التحديات الأزمة فى السودان.

من خلال متابعتى لاهتمامى الصحفى بملف السودان، تبذل مصر جهودا متواصلة، لوقف إطلاق النار، وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب السودانى، والحفاظ على بنيان الدولة الوطنية ومؤسساتها، بتدخل إيجابى لإيجاد حلول سودانية - سودانية.

فى اعتقادى الشخصى، أن أزمة السودان وليدة متغيرين: 

١- داخلي: له علاقة بأطراف الصراع، فلا يمكن المساواة بين جيش نظامى يمثل العمود الفقرى للدولة الوطنية، وبين ميليشيات، فالحفاظ على وحدة الدولة السودانية يستوجب بقاء الجيش الوطني وتعزيز قدراته، وبدونه ستبسط ميليشيات عدة نفوذها على الأرض، وتتهدد وحدة السودان وسلامة أراضيه.

٢- خارجى: يتعلق بالتدخلات الخارجية السلبية، والتشابكات الدولية التي تعقد المشهد، بهدف تحقيق مصالح على المدى القريب والبعيد فى السودان.

ومن ثم التوصل إلى حل لإنهاء الصراع، يستوجب تواصل الجهود مع القوى المتداخلة فى الشأن السودانى لخفض مستويات تدخلاتها السلبية.. فهل هذا ممكن؟ !

وكون «مصر دولة شريفة بلا أجندات خفية»، كما أكد وزير الخارجية، فإن جولة جنيف كانت «كاشفة لأهمية الدور المصري وخلقت إجماعا على ألا حل فى السودان بدون القاهرة، كونها  أكثر طرف إقليمى متضرر مما يحدث، وتسعى بإخلاص لإحلال السلم والإغاثة الإنسانية». 

٣ -  فلسطين والعدوان على غزة والضفة:

لا يحتاج الموقف المصري إلى إيضاح في هذا الشأن ، فمصر على مدار تاريخ القضية الفلسطينية داعمة للأشقاء، متمسكة بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، عاصمتها القدس.

تصدت مصر لمخطط التهجير، وتواصل جهودها لوقف إطلاق النار، وتجابه أكاذيب نتنياهو الساعى لإشعال المنطقة من أجل البقاء فى السلطة.

فى الآونة الأخيرة، تنامى الحديث بشأن بقاء قوات الاحتلال فى محور صلاح الدين، بطول حوالى 14 كيلومترا بالجانب الفلسطينى المحاذى للحدود المصرية مع قطاع غزة.

مصر بكل وضوح ترفض أى تغيير لواقع ما قبل ٧ أكتوبر الماضي، وترفض أى انتهاك لبنود اتفاقية السلام، وتتمسك بسيادة فلسطينية على الجانب الآخر من معبر رفح.

مع تصدع الجبهة الداخلية فى الكيان الصهيونى ودعوات المعارضة لإضراب عام لإجبار نتنياهو على إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، سعى مجرم الحرب للزج باسم مصر فى خطاب له، باختلاق مزاعم تبرر بقاء قواته غير المشروع فى محور صلاح الدين، بزعم الحيلولة دون تهريب السلاح لقطاع غزة، بينما الحقيقة هى محاولة إحكام الحصار على القطاع لتنفيذ مخطط استخدام الجوع كسلاح لإجبار الأهالى على الهجرة.

رد مصر كان حاسمًا فى بيان صدر عن وزارة الخارجية المصرية أعربت فيه عن رفضها التام للتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلى فى 2 سبتمبر، والتي حاول من خلالها الزج باسم مصر.

وحدد البيان أهداف نتنياهو من هذا الفعل:

 -  لتشتيت انتباه الرأى العام الإسرائيلى.

 - وعرقلة التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين.

-  وعرقلة جهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة. 

 - تؤكد مصر على رفضها لكل المزاعم التي يتم تناولها من جانب المسؤولين الإسرائيليين فى هذا الشأن.

وحملت  مصر الحكومة الإسرائيلية عواقب إطلاق مثل تلك التصريحات التي تزيد من تأزيم الموقف، وتستهدف تبرير السياسات العدوانية والتحريضية، والتي تؤدى إلى مزيد من التصعيد فى المنطقة.

وتأكيدًا لسياسات مصر اختتم الرد المصري: « تؤكد جمهورية مصر العربية حرصها على مواصلة القيام بدورها التاريخى فى قيادة عملية السلام فى المنطقة بما يؤدى إلى الحفاظ على السلم والأمن الإقليميين ويحقق استقرار جميع شعوب المنطقة».

٤-  القرن الأفريقى والبحر الأحمر والصومال: 

يمثل الاستقرار فى القرن الأفريقى عامة والصومال خاصة، وتأثيراتها على الملاحة الدولية بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب أهمية خاصة للأمن القومى المصري.

وتربط مصر بالصومال علاقات وثيقة تاريخيًا منذ رحلات الملكة حتشبسوت التجارية لبلاد بونت، وعلى أرض الصومال سالت دماء السفير الشهيد المصري كمال الدين صلاح بصفته مندوبًا عن مصر فى المجلس الاستشارى «الوصاية» بالصومال الذي شكلته الأمم المتحدة عام 1954م وضم أيضا الفلبين وكولومبيا، لمراقبة عملية التحول نحو الاستقلال.

كانت أراضى الصومال مُقسمة بين استعمار إنجليزى ووصاية إيطالية  وأجزاء تحت السيطرة الفرنسية، أرقت المستعمر وأعوان التقسيم جهود كمال الدين صلاح فى توحيد الشعب الصومالى لبناء دولة موحدة فتخلصوا منه بالاغتيال.

مؤخرًا هددت إثيوبيا الجارة سلامة دولة الصومال، وأبرمت مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالى «بورتلاند»، للاعتراف بانفصاله عن الدولة الأم مقابل عقد يمكنها من امتلاك ميناء بطول ١٥ كيلومترا على البحر الأحمر.

وهو ما رفضه الصومال واعتبره دعما لحركات انفصالية واعتداء على سيادة الصومال واستقلاله.

وبدورها رفضت مصر المساس باستقلال وسيادة الدولة الصومالية وسلامة أراضيها، انطلاقًا من الثوابت الراسخة فى السياسة المصرية، كون الصومال دولة عربية شقيقة عضوًا فى جامعة الدول العربية.

مصر تلبى نداء الصومال:

 - دعت الصومال مصر للمشاركة فى بعثة الاتحاد الأفريقى لحفظ السلم والأمن، وأبرمت مع مصر اتفاقية تعاون عسكري، انطلاقًا من ثوابت الدفاع العربى المشترك بين الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.

 - وقع وزيرا دفاع البلدين الاتفاقية بحضور الرئيسين عبدالفتاح السيسي وحسن شيخ محمود فى قصر الاتحادية.

-  خلال المؤتمر الصحفى أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مشاركة مصر فى بعثة حفظ الأمن والسلم فى الصومال مرهونة بدعوة الصومال ونحن سنلبّى وسنحترم رغبة الصومال أيًّا كانت.

-  طلبت الصومال واستجابت مصر، وأرسلت قوات للمشاركة فى حفظ السلم بترحيب من الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة.

وبالتالى تعمل مصر وفق ثوابتها الراسخة وفق ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولى والإنسانى وميثاق الاتحاد الأفريقى، وفى أكتوبر المقبل تتولى مصر رئاسة مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقى لتواصل جهودها لإحلال السلام والحفاظ على سلامة الدول ووحدة أراضيها.

فميثاق الأمم المتحدة يلزم دول الإقليم بالمشاركة فى بعثات حفظ الأمن والسلم بالدول الواقعة داخل النطاق الجغرافى.

لكن ما طالعناه كإعلاميين ورأى عام من ردود فعل دولة معتدية على سيادة جارتها الصومال يؤكد أن مصر القوية عندما تتحرك فإن الآخر يرتبك ويقلق! 

٥-  الدبلوماسية الاقتصادية:

تعزز مصر من شراكاتها الاقتصادية، ذات المنافع والمكاسب المتبادلة مع كل الأطراف الدولية، وتولى اهتماما واسعا بأفريقيا، من خلال الآتي:

■ تقديم نموذج تنموى يعظم من مكاسب الدولة الشريكة.

■ وعن هذا النموذج قال الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية: «نرفض سياسة المانح والمتلقى ونتعامل بسياسة الشراكة التنموية والمصالح المتبادلة مع الدول الشريكة فى أفريقيا».

■ يضيف عبدالعاطى: «قدمنا نماذج تنموية لاقت ترحيبا واسعا فى أفريقيا ورغبة فى التوسع فى النماذج التنموية مثل سد ومحطة «جوليوس نيريرى» الكهرومائية على نهر روفيجى بتنزانيا، ودول أفريقية طلبت تنفيذ التجربة المصرية فى بناء الإسكان الاجتماعى».

مستطردًا: « فى التجربة المصرية التنموية فى أفريقيا تتم الاستعانة بـ 90% من العمالة من أبناء الدولة التي تتم بها الإنشاءات ومن ١- ٣٪ من كلفة المشروع تخصص لتدريب وتأهيل كوادر أفريقية لنقل الخبرات لأبناء البلد، وهو ما أشعرهم بعظيم الخدمة التي تقدمها مصر».

هذه بالفعل هى مصر، شريك تنموى داعم للسلام والاستقرار، تمد يدها بالخير، بلا أجندات خفية ولا تشابكات استقطابية.

مصر صاحبة القيم والتاريخ والهوية، تستحق من كل مصري أن يجاهد فى موقعه للحفاظ عليها عزيزة قوية، ووحدة ووعى شعبها هما سر قوتها. 

حفظ الله مصر

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز